حين تسافر بك الخطوات المثقلة نحو صباح أبها البارد، عبر أزقة الحارات والطرقات والأحياء الشعبية والذكريات التي تصافح كل وجوه العابرين والباحثين عن جمال اللحظة في أحاديث الباعة ولغط المشترين، مازال يروي المكان للزمان رواياته التي رسمها على ملامح المدينة والإنسان. ذكريات وتفاصيل وشخصيات تقودنا نحو حكاية العم غازي، بأنه مازال يعطي حي الطبجية، الأصالة، وروح الماضي.. رغم تباعد السنوات به، وهو يدخل عقده الثالث في نفس المكان في غير الزمان، هناك قابلناه بنفس الضحكة الجميلة والبسمة المشرقة، الذي كان يحدثنا عن ذكريات طفولته الجميلة بين مكة وأبها، ودراسته التي توقفت بعد أن نال شهادته الثانوية، لأن العمل كان يتوجب التضحية بكل شيء. ويرى العم غازي أن المدرسة الحقيقية هي الحياة التي جعلت منه رجلا عصاميا وصاحب مهنة يقتات من ورائها لمجابهة المعيشة، ويسرد في غضون حديثه العذب وهو ينظر للبعيد والذكريات: إن هذا المطعم بالنسبة لي يعتبر ارتباطا روحيا؛ كونه يمثل شخصيتي التي عرفت بها بين الناس. ويتحدث عن كبدة الصاج قائلا: «كنت ومازلت أعد طبق الكبدة والمقلقل والتقاطيع والدجاج على الصاج، هذا ما أعطاها شهرة في أبها وعند كل الزائرين». ويتحلق حول العم غازي بأن ثلة من محبي تلك الأكلات الشعبية عندما يتذوقها تنقلهم إلى ذكريات تغوص في عمق التاريخ، ويستمد اعتداده بوجوده وسط منافسة لا تعرف الهوادة، على الرغم من اصطفاف مواقع الوجبات الجاهزة قبالته، إلا أنه ينغمس في إعداد الكبدة على الصاج ليقدمها لأفواه أمامه تنتظر دورها لاستطعام التاريخ الحاضر بكل أبهته.