نطل مع محايل المدينة «الأم» في صباح باكر نراه في تلك السحنات وأصوات الدكاكين والباعة، نستملي تهامة الممشوقة المطرزة بحكايات الجدات وشهامة الأجداد، محايل التي قيل عنها بأنها ديرة المسكين ديرة الحب واللقاء، نبحث في كل الوجوه فنجد أن القلوب مازالت تنبض بذات الطهر والنقاء، مازال التاريخ يملي مقطوعته التراثية المفتونة بناي العم جابر تردد مع كل الخطوات القادمة والمغادرة «أمجادل اللي في ديونك ترسبت» .. إن كنت لا تعرف محايل قل السبت، مع إني مازلت متصالحا لدرجة الانسجام مع شاعرنا العذب حامد الصافي حين قال: أنا محايل أهدي زائري قلبي، وأنثر الشوق في سهلي وفي جبلي. بهذه الكلمات والأبيات نقص تذكرة العبور الأولى لسوق محايل بوصلة الشتاء.. وعند دخولنا إلى السوق قابلنا العم «حسين» بابتسامة محبة مرحبا بنا يسكب لنا جماله قهوة لذيذة احتسيناها سويا كأنه يريد أن يقول هذه محايل بكل تفاصيلها وملامحها الفاتنة امتطى طريقها الشعبي المتشبث بالمساريب التهامية العريقة، فعرفنا حينها أنها بداية الرواية والتفاصيل في «سوق محايل الشعبي». استرجع العم زيلعي «وهو أحد الباعة المشهورين» حديث الذكريات الموغل في تاريخ محايل البعيد قائلا: منذ كنت شابا، وقبل ما يقارب خمسين عاما، وسوق محايل يضج بالباعة والمشترين، والتراث والأكلات الشعبية، وأصناف العسل، والسمن وزيوت السمسم، والتمور، والأواني الفخارية القديمة كالتنور والجرات والأباريق، التي ماتزال تلقى إعجاب الكثير من المتسوقين والزائرين.. إضافة لسوق النساء والعجائز، الذي يحوي بداخله الكثير من أدوات التجميل ومستحضرات الماضي.. قالها وهو يبتسم، وكذلك سوق الروائح الطبيعية من البرك والكادي والريحان والفل. كان الناس قديما يأتون ليلة الجمعة من أماكن بعيدة في ظل وعورة الطرق، وكذلك الدواب التي كانوا يمتطونها من الإبل والحمير وغيرها، وكان ومازال سوق محايل هو السبت، ومهما قيل بأن محايل كل أيامها أسواق إلا أن القاطن أو العابر يجد الفرق كبيرا، والمتسوقين والسلع أكثر.. واليوم ولله الحمد أضحت الطرق معبدة ووسائل النقل متوفرة مما سهل الوصول لسوق محايل. محمد الثوعي أبدى عن سوق محايل حرصه الشديد على الذهاب إليه كل يوم سبت وهو يقول: سوق محايل متكامل فيكفيه أنه مقصد كل أبناء الوطن بشكل عام وأبناء المنطقة باختلاف محافظاتها بشكل خاص. إلى جانب هذا السوق الشعبي هناك أسواق الخضار والفواكه، والحبوب المتنوعة ومنها الذرة والدخن، والبيضاء، والزعر، والسمسم، والبجيدة، وسوق «المجلابة» الذي يضم الكثير من الأغنام والضأن والإبل والبقر، وسوق الطيور ومنها الدجاج والبط والأوز والصقور، وكذلك الحيوانات البرية. فيما تحدثت لنا بائعة «البحيتة والخمير» فاطمة الجبران عن سوق محايل وعن الكثير من الذكريات الجميلة حيث نجد في هذا السوق الحب والاحترام من الجميع والابتسامة الصادقة، والمكسب وإن كان زهيدا إلا أنه بالنسبة لنا نعتبره عملا شريفا رغم أنه شاق.. ف «البحيتة والخمير» إضافة للحلبة و «الشطة» و «اللحوح» .. كل ذلك له منزلة لدينا وإقبال عند المتسوقين لأنه مطلب أساسي وخاصة يوم السبت عند كل الأسر المحايليين. التقينا جابر الريشي أشهر من يقدمون الحنيذ ونثر علينا حديثه الباسم قائلا: الحنيذ هو ألذ وأطعم وأشهر الأكلات الشعبية في سوق محايل الشعبي، وله زبائن معروفون.. ويتميز الحنيذ المحايلي بروعته ولذته، وبإتقان ومهارة صاحبه الذي يستخدم معه بعض الشجر المنتشر في المنطقة مثل «السلع والمرخ» لكي يعطي نكهة لذيذة.. إنني أجزم بأن من ذاق الحنيذ لن يمانع أو يتردد في زيارة محايل وتناول هذه الوجبة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم.. وتحدث عضو المجلس البلدي بمحافظة محايل الاستاذ إبراهيم الفاهمي قائلا: نعم تم هدم السوق الشعبي القديم بمسمى «الصندقة» وجرى نقلهم مؤقتا للسوق الجديد، وذلك من أجل بناء أجمل وأنظف مع بقاء روح السوق الشعبي وهويته المعروفة على امتداد العصور.