يقال إنه كان لأحد السلاطين ثلاثة ندماء، فسألهم: «ما ألذ الفراش؟ قال الأول: الخز المحشو بالريش، وقال الثاني: الحرير المحشو بالخز، وقال الثالث: ألذ الفراش، الأمن»!! وربما لهذا تذكر بعض كتب التراث أن وافدا قدم يسأل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقيل له: تجده في المسجد، فلما دخل عليه وجده نائما فقال: (عدلت فأمنت فنمت). وهذه العبارة رغم أنها تورد في سياق الترابط بين العدل والأمن، وأن لا شيء يجعل الحاكم يشعر بالأمن مثل نجاحه في أن يسود العدل حكمه، إلا أنها أيضا تتضمن إشارة إلى الراحة النفسية التي يجلبها الشعور بالأمن فيطمئن قلب الإنسان وتسكن روحه فيخلد للنوم، خاليا من منغصات الخوف والقلق. وحين أراد الله سبحانه أن يذكر عباده بفضله عليهم ذكرهم بنعمة الأمن التي من بها عليهم من بعد أن كانوا في فزع وقتال ورعب دائم، (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) فالجوع والخوف هما اللذان يذلان الرقاب ويقلقان النفوس. وأعجبني ما كتبه الأستاذ خلف الحربي في مقاله (داعش في بيتك) الذي يصور فيه كيف يمكن في وقت قصير، أن يتحول الأمن إلى حال من الرعب والفزع، يقول: «تخيل لو تأملت المشهد من نافذة بيتك فوجدت مقاتلين يتجولون في الشارع وقد قتلوا ثلاثة من جيرانك وبطحوا بقية المارة في منتصف الطريق، بالتأكيد سيكون مثل هذا المشهد خبرا مفرحا لأشقائنا في قناة الجزيرة ولكنه لن يكون خبرا مفرحا بالنسبة لك لأنك سوف تدرك متأخرا أن وطنك قد حان دوره في مجازر ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد (...) هل تظن أن هذا السيناريو الأسود بعيد جدا ويحتوي على قدر كبير من المبالغة؟ إذا كانت الإجابة بنعم فتأكد أن أغلبية الناس في الدول العربية التي تعيش صراعات دامية كانوا يحملون الدرجة ذاتها من الاطمئنان. هكذا هي دورة الأيام، وهكذا تنقلب الأحوال في الدول التي لا يعي أهلها بأن الحرائق التي تشتعل في بيوت الجيران يمكن أن تمتد إليهم، وهكذا يمكن أن تعاقب نفسك حين تتأمل مشاهد الفيديو لشباب من أبناء جلدتك يتباهون بانضمامهم لداعش دون أن تدرك بأن هؤلاء يمكن أن يطرقوا باب بيتك في يوم من الأيام». هل يستيقظ الغافلون، فيدركون إنما هم يشعلون بأيديهم نار الفتنة بانسياقهم وراء شعارات ملؤها الجهل وقصر النظر. هدى الله الضالين من أبنائنا، وأدام على بلادنا نعمة الأمن، وألف بين قلوبنا وجمع شملنا ووحد كلمتنا، إنه على كل شيء قدير.