أعاد الأداء المبهر للمنتخبات العربية على المستويين القاري والعالمي إلى الأذهان الحضور المميز للكرة السعودية في عصرها الذهبي، وحرك الحضور القوي لثعالب الصحراء في مونديال البرازيل الحالي شجون السعوديين إلى الحقبة الجميلة آواخر القرن الماضي حين تخطت الصقور الخضر عتبات الدور الأول في كأس العالم 94 وبطولة القارات التي أعقبتها وتزعمتها القارة الآسيوية في السنوات التالية، حين مضت إلى مراحل متقدمة تجاوزت فيها نظرائها في المنطقة ووضعت البصمة الاهم للمشاركات العربية في تاريخ المونديال والبطولات الكبرى. وأمام تفوق الجزائريين أخيرا وتطور المنتخبات العربية في الالفية على المستويات الدولية، تثار كثير من التساؤلات حول مستوى كرة القدم السعودية وإلى أين تتجه؟ تمر الرياضة السعودية بمنعطفات حادة أدخلتها في جملة تعقيدات مركبة أصابت مفاصلها بقوة ونالت كثيرا من هيبتها وتوازنها على الصعيدين الدولي والإقليمي. فمع دخول القرن الجديد توارى الحضور السعودي المميز على المستوى العالمي وأقحم قسرا في عدة منخفضات حادة أفضت به بعد عقد كامل إلى مستوى لا يواكب حجم الدعم الذي يحظى به القطاع الرياضي من قبل الحكومة، ولا يتفق وتطلعات الجماهير التي أملت في أن تبقى كرة القدم السعودية في مركز القيادة لأكبر قارة الارض في مختلف المحافل. كانت السنوات العشر الماضية حبلى بالانتكاسات ومليئة بالاخفاقات على السعوديين، وهو ما حرك الشجون إلى الماضي الجميل الذي قاد فيه الصقور الخضر لواء الكرة الاسيوية عالميا في 4 مونديالات متتالية وحقق 3 بطولات آسيوية وجاء وصيفا في نسختين فضلا عن التأهل للاولمبياد والمشاركة الجيدة في بطولة القارات وتحقيقه للبطولات العربية والخليجية. في هذه الحلقة الاولى من سلسلة حلقاتنا عن الكرة السعودية نستعرض مع مجموعة من الخبراء الوضع الحقيقي لواقعنا الرياضي وأسباب هذا التراجع وآلية الخروج من هذه الدوامة الطويلة. يقول الرياضي الخبير وعضو مجلس إدارة اتحاد الكرة الدكتور عبد الرزاق ابو داوود إن السبب الاهم والقاسم المشترك في ما حدث يعود لضعف القيادة الفنية للمنتخبات الوطنية، وسوء اختيارها إذ أن الاسماء التي تولت تدريب المنتخب في السنوات الاخيرة أقل بكثير من طموحاتنا وتطلعاتنا، فهم لا يوازون على أية حال أسماء العمالقة في عالم التدريب الذين أشرفوا على المنتخب في عصره الذهبي، فضلا عن أن المنتخب افتقد منذ سنوات لنوعية اللاعبين القادرين على صناعة الفارق، او ما يمكن تسميتهم ب « السوبر ستار» أمثال ماجد عبدالله وصالح النعيمة ومحيسن والثنيان والعويران ومسعد وغيرهم، بينما الان لم يعد لدينا لاعبون بتلك القيمة وتلك الروح وبالتالي أصبح المنتخب السعودي عادياً وضعيفا في مبارياته القوية، ولا يوجد بين صفوفه النجم الذي تتشوق لمشاهدته. ويعود ذلك لنظام الاحتراف الذي هو على شكله الحالي غير مجد. أزمة الاحتراف ومضى يقول الاحتراف مشكلة المشاكل في الكرة السعودية وقد تسبب في تراجع مستوى اللاعب وتدهور قيمته مع المنتخبات الوطنية، حتى الذين كانوا يدافعون عنه سابقا أدركوا انه تحول من نظام احتراف إلى اغتراف، والمزايدات المالية سمحت للاعب أن يغرف ما يريده من المال ولم يعد يهمه ماذا يقدم للمنتخب لأنه ما من رقيب أو حسيب لمردوده الفني، أو حتى ضابط لأسعار اللاعبين قياسا بمستوياتهم وعطائهم مع المنتخب. من المؤسف أن يتم تقييم الامور عن طريق بعض التجار والسماسرة الذين دخلوا على الوسط الرياضي، وهم من تسببوا في مشكلة غلاء عقود اللاعبين وساهموا من خلالها في تدهور المراكز المالية بالأندية، لدينا على الورق 5 أندية أعلنت افلاسها وهناك 5 أخرى في الطريق، والسبب هي العقود المبالغ فيها التي تسببت في تدني مستوى اللاعبين. نعلم جيدا أن المنتخب نتاج بضاعة الاندية وإذا تدهورت مخرجاتها حتما سينعكس ذلك على المنتخب الوطني، وهذا ما حدث بالفعل من ناحية المدربين واللاعبين وحتى مستوى الاداريين المتدني، وهذه الفئة الاخيرة دخلت نسبة كبيرة منها طمعا في الشهرة ولم تمارس العمل الرياضي. تطبيق اللوائح يرى أبو داوود بعد أن شخص الداء أن الدواء يبدأ من تطبيق اللوائح وعدم السماح باختراقها، لافتا إلى أن ذلك يمنح الشارع الرياضي ثقة كاملة في العمل كما يفرض على الاندية احترام النظام مما ينعكس على تطور الرياضة إلى جانب أهمية تشكيل لجان إدارية وقانونية لمتابعة كافة القرارات التي تتخذها الرئاسة العامة واتحاد الكرة لتصحيح المسار الذي تسير عليه الرياضة لكن اهم نقطة هي تكمن في التطبيق الفعلي الكامل للاحتراف كبرنامج متكامل للاعبين والاداريين وجميع المنظومة المحيطة بكرة القدم، فالاحتراف الحقيقي والكامل هو البوابة للنهوض بكرة القدم. ودعا إلى ضرورة التركيز على عقد ورش عمل في مختلف التخصصات ذات العلاقة بكرة القدم لاهمية ذلك لتطوير المرحلة المقبلة لتحقيق الانجاز والعودة إلى المنافسة الصحيحة للبطولات والمشاركات ليس على مستوى القارة وانما على مستوى العالمي. ضعف البنية التحتية من جهته يبرر المدرب الوطني محمد الخراشي تدهور الرياضة السعودية بعدة أسباب في مقدمتها ضعف البنية التحتية، وتواضعه قياسا بالمرحلة الحالية التي تغير فيها كل شيء وتدور خلالها عجلة الزمن بشكل متسارع. وشدد على أن من أهم عوامل التراجع في هذه البنية غياب العناصر المؤهلة للعمل والقادرة على الارتقاء بإدارة الملاعب والتخطيط لهذه البنية، فضلا عن تقديم العناصر المميزة بشكل كاف ودائم والتعاطي مع الملاعب على أنها جزء من البيئة الرياضية الايجابية المطورة للعبة، كونها تلعب دورا كبيرا في صناعة الانجازات الفنية والمعنوية للاعبين. واستطرد الخراشي في تفنيده للأسباب قائلا ليس غياب الملاعب وحدها هي من ساهم في انتكاسة الهيبة للكرة السعودية وانما هناك عوامل اخرى فقد افتقدنا إلى الكشافين للمواهب الذين يتواجدون في الحواري والمدارس لجلب المميزين، إذ أن لهم بصمة واضحة في انتقاء المواهب، فالأندية العالمية لديها كشافون دوليون كما هو ريال مدريد الذي يمتلك شبكة كبيرة منتشرة في كل انحاء العالم لاسيما في إفريقيا، ومع الاسف هناك العديد من المواهب مهملة لا تجد من يصقلها بالتالي لابد أن نعيد النظر في القاعدة ونعيد التخطيط لها. وأضاف قائلا الاهتمام لم يعد كما السابق في الفئات السنية التي تحتاج إلى وجود كوادر على كفاءة عالية، وأضاف لا أعلم لماذا لا يمنح للمدرب الوطني الفرصة الكافية للإشراف على هذه الفئات برغم ان كل الشواهد تؤكد بأنه صاحب الانجازات في المنتخبات الوطنية على مستوى الناشئين والشباب وحتى المنتخب الاول، كما أن معظم اللاعبين الموجودين حاليا وضعوا لهم بصمة في تاريخ الكرة السعودية هم ممن تخرجوا على يد المدربين الوطنيين. وبين الخراشي بأن الامر عندما يسند لغير أهله من الطبيعي أن يكون مصيره الفشل فالمتابع الجيد يدرك مدى خطورة المحسوبية التي ظهرت على المشهد الرياضي سواء كان ذلك اداريا والذي بات يحكمه التجمعات والعلاقات الشخصية بغض النظر عن الكفاءة ومصلحة النادي المهم، فالتعاقدات المالية الضخمة مع مدربين لم يضيفوا شيئا للكرة السعودية أحد أسباب تذبذب مستوى الاخضر. شح الاهتمام وطالب الخراشي من اتحاد الكرة الضغط على الاندية لفتح الباب امام المدربين الوطنيين لانهم اذا الاندية لم تقف معهم وتمنحهم الفرصة فكيف يستطيعون تقديم انفسهم ولاسيما المدربين المؤهلين الذين اثبتوا جدارتهم بالدورات والعمل الميداني والنظري وحصلوا على شهادات عالمية في التدريب هم بلا شك انهم اولى من غيرهم بالفئات السنية الا ان الواقع يقول غير ذلك والسبب رؤساء الاندية ومجالس الادارات التي تحضر دون خلفية رياضية وتريد ان تعمل للاسماء فقط على حساب الرياضة السعودية ومكتسباتها ومستقبلها. واختتم الخراشي حديثه بأن الدولة لم تقصر وقدمت الكثير والكثير وصرفت الملايين الا ان ذلك ذهب هباء منثورا في عقود اللاعبين الاجانب والمدربين الذين لم يقدموا ما يوازي ما دفع لهم والشواهد كثيرة ولا تحتاج إلى استدلال. الهرم المقلوب وفي السياق نفسه، تحدث النجم سعيد العويران أحد نجوم الجيل الذهبي الذين تركوا بصمة في التاريخ الرياضي، عن الحل لاعادة الكرة الى سابق عهدها قائلا لن تعود الكرة ونحن نتعامل مع الهرم بالمقلوب فالاهتمام لابد ان ينصب على اللاعب الموهوب اولا واخيرا والمحافظة عليه وعدم التعامل معه بشيء من القسوة حتى نستطيع ان نخلق جديدا من المبدعين في الكرة السعودية. قصور واضح ولعل هناك قصورا واضحا في الاهتمام بالقاعدة وملاعب الحواري التي قدمت لنا نجوما كبارا كانوا عمالقة كالثنيان والمهلل والرزقان والهريفي وماجد عبد الله وغيرهم من النجوم هؤلاء لم تقدمهم الاكاديميات ولم يكونوا صناعة أندية بل هم نجوم حواري صقلوا موهبتهم في الاندية، لذا لابد أن نسلك المسلك الصحيح اذا أردنا أن نوجد نجوما بحجم السابقين الذين قدموا كل مالديهم عندما وجدوا اداريين ومدربين مميزين يعرفون قيمة المواهب، فالادارات بالاندية في السابق حريصة على تحقيق مجد تاريخي للفرق التي تعشقها، أما الان فإدارة الاندية تعمل من أجل مجد شخصي حتى لو كان ذلك على حساب النادي ومستقبله، وهذه أكبر مشكلة واجهت الكرة السعودية ولم يتم معالجتها وتركتها حتى تفاقمت وساهمت في إيجاد جيل إداري لا يفقه في كرة القدم وتسبب في تشريد اللاعبين الموهوبين، فاللاعبون الحاليون لا يلعبون كرة القدم من باب عشق وإنما يلعبونها بأهداف مادية إلى جانب التراجع الاداري على مستوى المنظومة في الرياضة بشكل عام تسبب في غياب النظام والمحابة وأخطاء الحكام ومغالاة الاسعار وضعف البنية التحتية للملاعب وغيرها من العوامل المهمة من اجل ايجاد للاعب مميز. وأضاف العويران بأن ظهور الميول في الاعلام ساهم بشكل كبير في تدهور كرة القدم، فكما أن هناك نجوما غير مؤهلين هناك إعلام غير موهل وانتشر في الساحة وبات معول هدم وليس بناء للكرة السعودية.