عندما سأل أحد زعماء الهند من حوله عن أهم الوسائل التي تجعل الهند تحتل مركزا متقدما في سلم الحضارة والرقي والإنتاج العالمي رد عليه مستشاروه بكلمة واحدة: التعليم!، ويقال إن السؤال نفسه سبق لرئيس وزراء اليابان طرحه بعد الحرب العالمية الثانية على الوزراء والمثقفين والإصلاحيين: فكان جوابهم أيضا: التعليم! وللتعليم ثلاث قواعد يتأسس عليها وهي قواعد يجب أن تكون متناغمة فلا يبغي بعضها على بعض وإلا حصل اختلال في توازن العملية التعليمية وعادت إلى المربع الأول دون تحقيق أي نتائج إيجابية. والقاعدة الأولى في التعليم هي المعلم.. والمعلم هنا لا يقصد به الإنسان الذي يقف أمام اللوح الدراسي في الفصل ليدرس المنهج المقرر، بل يعني كل القوى البشرية المشاركة في عملية التربية والتعليم ابتداء من المعلم نفسه مرورا بالإدارة المدرسية ثم بإدارة التعليم ثم بأركان وزارة التربية والتعليم، ثم بالوزير نفسه، كل هذه الحشود البشرية المختلفة الأحجام والرؤى والمسؤوليات توضع تحت القاعدة الأولى والأساسية التي هي المعلم، وإصلاح هذه القاعدة يوجب إصلاح أحوال المعلم بمعناه الواسع المشار إليه آنفا، وإلا أصبحت عملية الإصلاح جزئية ونتائجها جزئية ومتواضعة لأنه لا يكفي التركيز على المعلم حسب المفهوم الآلى الضيق وترك وإهمال ما يتصل بالقاعدة الأولى من عوامل مساعدة ومساندة ثم تحميل المعلم باعتباره الحلقة الأضعف مسؤولية تدنى مستوى التعليم من قبل المجتمع وربما من قبل الذين ساهموا في إخفاقه وتدنى ما يقدم للطلبة من تربية وتعليم! أما القاعدة الثانية فهي البيئة الدراسية التي يعمل فيها المعلم وتتفتح فيها أزهار الطلبة فهذه البيئة مكونة من عدة أسس منها المبنى المدرسي الذي يجب أن يشتمل على جميع العناصر التي تجعله مبنى تعليميا تربويا، وذلك ما لا يتحقق في المباني المستأجرة بل ولا حتى في معظم المباني المدرسية المشيدة من قبل الوزارة، ولمعرفة المواصفات المطلوبة في كل مبنى مدرسي ينبغي الاطلاع على المباني المدرسية في الدول المتقدمة وما فيها من مرافق وفصول وإمكانات عظيمة ثم تطبيق تلك المواصفات على المباني المدرسية في بلادنا ولو بمعدل مائة مبنى سنويا والبدء في الإحلال بالمباني المستأجرة لأنها مأساة مستقلة بحد ذاتها لو كنتم تعلمون، ولا يكفي أن يكون المبنى المدرسي نموذجيا وموافقا لمواصفات العالمية بل ينبغي أن يكون مجهزا بجميع وسائل ووسائط التعليم من أجهزة ومختبرات ومواد تدريب وقاعات للنشاط اللامنهجي ومن يقوم على تلك الوسائل والوسائط من المعلمين والمدربين والفنيين. أما القاعدة الثالثة فهي المنهج الدراسي، فهذا المنهج يبنى عادة على احتياجات الأمة وما يتطلبه مستقبلها الحضاري والاقتصادي من كفاءات وطنية، ولا بد أن يكون في المنهج جرعات مناسبة ومقننة وكافية من المواد الروحية والوطنية والتربوية، ثم يكون التركيز بعد ذلك على ما تحتاجه البلاد والعباد من علوم ومعارف تمكن حملتها من قيادة أوطانهم في مجالات المعرفة والصناعة والإدارة والأنظمة والبحث والاختراع والإنتاج والطب والاقتصاد وجميع ما تتطلبه الحياة المعاصرة من تخصصات ولو حاولنا تطبيق هذه القواعد على واقعنا التعليمي المعاصر فما هي نسبة ما هو متحقق منه على أرض الوقع.. هذا هو السؤال؟!