ما يجري في العراق في الوقت الحاضر ليس إلا ثمار أخطاء استراتيجية شنيعة وقعت فيها حكومة المالكي، والتي تدحرجت نتائجها مثل كرة الثلج لتدمر العراق ومكتسباته، وتحوله إلى أرض خصبة للإرهاب والطائفية والحروب الأهلية، يدفع ثمنها الشعب العراقي المقموع والمغلوب على أمره. ما حدث ويحدث في العراق ما هو إلا نتيجة حسابات خاطئة للمالكي الذي ارتمى في أحضان الأطراف الإقليمية التي استنجد بها للحفاظ على موقعه، ليزيد جراح الشعب العراقي والذي يذوق إرهاب داعش من ناحية وطائفية المالكي وميليشياته من ناحية أخرى. ومن المؤكد أن ما يجري في العراق سيترتب عليه نتائج سلبية على منظومة الأمن العراقية، وظهور خارطة تحالفات جديدة وتدخلات القوى الكبرى، الأمر الذي سيكون له تداعيات وارتدادات خطيرة في المنطقة، فالانهيار في العراق ستكون عواقبه وخيمة، لن تتوقف عند انهيار الجيش ومنظومة الأمن، وإنما ستحصل انهيارات في شكل الدولة التي ستتحول إلى دويلات، يحكمها قطاع طرق ومجاميع إرهابية وميليشيات عناصر إقليمية، وسيتحول العراق إلى بحر من الدماء، وهذا يعني حتما عودة الوضع في العراق إلى نقطة الصفر، لأن العراق الآن في حالة فضائحية وانكشاف كامل على المستويين السياسي والأمني والمؤسسات الرسمية، بسبب سياسات المالكي الذي أوصل الوضع إلى هذه المرحلة من الفوضى العارمة، وأدى لوجود الفراغ في المؤسسة الحاكمة التي فقدت السيطرة على 40 % من العراق وأصبحت تحت سيطرة داعش، وكذلك الانهيار الأمني والنزاعات الطائفية والفئوية، مع وجود مجاميع وجماعات مسلحة مبعثرة ومنقسمة تعمل لمصالح إقليمية. لقد وقع المالكي في فخ الحرب الطائفية والعرقية الذي كان ينصبه للآخرين، لأن الفكر الطائفي والتطرف والإرهاب يخلق موجات ارتدادية على صاحبه وصانعه، وهذا ما حدث مع المالكي والذي كان يراهن على إعلان حالة الطوارئ في العراق ليحكم سيطرته الطائفية، إلا أن ذلك لم يحصل وارتد السحر على الساحر. ما يحتاجه العراق الآن فقط حنكة ورشدا وعقلانية لمنع هيمنة الطائفية والإرهاب، الذي ستمتد حرائقه إلى كل شبر من العراق، وهذا لن يحدث إلا في حالة وجود قيادة سياسية عاقلة، ليست طائفية ولا إرهابية، ولا تابعة لأي مرجعية دينية وتكون مستقلة ومعتدلة، فضلا عن تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها جميع الأطراف والمجاميع العراقية بلا استثناء ولا تهميش ولا إقصاء، وعلى هذه الحكومة أن ترمي كل أشكال الطائفية والمذهبية والعرقية وراء ظهرها وتترفع عن الصغائر، وتدرك أن الاقتتال في نهاية المطاف لن يدمر العراق فحسب وإنما سيدمر المنطقة، واستبدال ثقافة العنتريات والتهديدات بلغة العقل والمنطق، والحرص على مبدأ سيادة ووحدة وأمن وسلامة العراق، وإحداث حالة التوافق السياسي، لتخليص العراق من محنته وإخراجه من أتون الحرب الطائفية والأهلية.