لا يختلف اثنان على أن الاستدانة ذل عند الطلب ومهانة عند العجز عن السداد.. وفي الأسبوع قبل الماضي نشرت (عكاظ) أن ستين ألف مواطن تعثروا في سداد ما عليهم من ديون تمثلها أقساط أو مبالغ مقطوعة، ولكني أجزم بأن الرقم الحقيقي للمستدينين أكثر من الرقم الذي ذكرته (عكاظ) أضعافا مضاعفة وذلك من واقع المعرفة بأعداد المطالبين بمساعدتهم لسداد الديون المطالبين بها. ومن منطلق التناصح المفروض على كل مسلم فإني أذكر بقول الحق سبحانه وتعالى بسورة الإسراء: {إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا}. وبقوله سبحانه بسورة الزخرف: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون}. وورد في الحديث: «نفث روح القدس في روعي أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فأجملوا في الطلب» الحديث. فمن يرضى عنه الخالق سبحانه يرزقه القناعة والرضا، ويوفقه في حياته قانعا بما رزقه فلا يمد يده سائلا أحدا، والبعض الآخر طماع، عينه فارغة دائما ما ينظر لما في يد غيره فلا يحسن تدبير معيشته بسبب طمعه وسوء تدبير حياته فيمد يده للناس ليستدين منهم حتى ولو من غير حاجة ضرورية وإنما للفشخرة في إقامة الحفلات أو السفر للخارج -أعاذنا الله من ذلك-. ورسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كان دائم الدعاء بالتعوذ بالله من الدين وهمه فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال) وهو -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى ويعلم خطورة الاستدانة. فمن أصابته منا مصيبة الموت حتى ولو كان شهيدا يغفر له كل شيء إلا الدين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على جنازة المدين إلا بعد أن يسدد دينه بالتمام. وفيما رواه مسلم أن رجلا قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدين». وقد روى جابر رضي الله عنه قال: توفي رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به رسول الله كي يصلي عليه فقلنا: تصلي عليه؟ فخطا خطى، ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران علي، فقال رسول الله: حق الغريم وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران؟ فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيتهما، فقال رسول الله: الآن بردت عليه جلده. أي الآن برد جلد ذلك الميت بسبب كونه مرهونا بالدين قبل ذلك. فالعاقل هو من يتدبر أمور معيشته على قدر رزقه من الله ولا يلجأ للاستدانة بقدر المستطاع، وإذا اضطرته ظروف حياته للاستدانة فعليه أن يعجل بسرعة السداد دون مماطلة فإن الله سيوفقه لذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله». السطر الأخير: القناعة كنز لا يفنى.