الدين اسم لكل مال ثبت في الذمة سواء أكان حالاً أم مؤجلا ، وسواء أكان المال نقداً أم عينا، وسواء أكان المال قرضا أم عقداً آخر، فكل مال تعلق بالذمة يسمى دينا. والأصل المبادرة إلى سداد الدين وعدم المماطلة به من باب براءة الذمة، والدين الحال قابل للسداد في كل لحظة، أما الدين المؤجل فلا يتعين سداده إلا عند حلول أجله ويستحب السداد قبله رغبة في براءة الذمة. ولا يسمى المدين مماطلاً إلا إذا حل الدين، وكان المدين قادراً على السداد مع مطالبة الدائن له بالوفاء وتأخر المدين تأخراً فوق المعتاد، لأن المماطلة تعني : الوعود الكاذبة. ولا تبرأ الذمة بالإعسار ولا بالموت، فالمعسر ينظر إلى ميسرته وإن طال الزمن، ومن مات وعليه دين قضي من تركته قبل القسمة إن كان له مال، وإلا استحب لعاقلته السداد عنه ما لم يعف عنه صاحب الدين، لأن الدين من حقوق العباد وهي مبنية على المشاحة. وقد حث الشرع على براءة الذمة وعدم شغلها بالدين إلا عند الحاجة الملحة أو الضرورة، بل جاءت النصوص من السنة بما يدل على خطورة الدين وعظم شأنه، كما في حديث أبي قتادة- رضي الله عنه- أن رجلاً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله : أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر أيكفر الله عني خطاياي ؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نعم، فلما انصرف ناداه قال ماذا قلت ؟: فأعاد عليه فقال عليه الصلاة والسلام : نعم إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك آنفا. وفي حديث آخر ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه). ومن ابتلي بالدين واضطر إليه فأوصيه بأن يعقد العزم والنية على السداد، فمن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ويحرص على الأداء فور حلول الأجل بعيداً عن المماطلة لئلا يعرض نفسه للأذى والنيل من عرضه ففي الحديث ( مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته). وإن كان معسراً عاجزاً عن السداد فعلى الدائن انتظاره حتى ميسرته لقوله تعالى: ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. وعلى المدين أن يستعين على الوفاء بالأدعية المأثورة ومنها ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل ومن الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال) ويكثر من الاستغفار لحديث ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب). ولتحمل الدين في الذمة عدة أسباب منها : 1 - الطفرة الاقتصادية التي أوجدت عدداً من الحوافز للاستثمار، مما جعل الكثير من الناس يلجأون للقروض لإنشاء مشروع تجاري، وهكذا كلما سدد قرضا أخذ آخر حتى تكون ذمته مشغولة بالدين لسنين طويلة. 2 - الإسراف وعدم الاعتدال في النفقة وخاصة الكماليات مع عدم حسن التدبير في الصرف، وعدم القدرة على تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات، مع العلم أن الأصل في الشرع هو التوسط والاعتدال لا إفراط ولا تفريط قال تعالى: ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما). 3 - الانصياع لما تبثه وسائل الإعلام المختلفة من الدعايات والإعلانات التجارية للمنتجات مما يجعل السامع ينخدع بها ويكلف نفسه بتحمل الدين من أجل الشراء لتلك السلعة المعلن عنها. 4 - كذلك التقليد الأعمى والعادات الاجتماعية التي تحمل الإنسان فوق طاقته، كما في المناسبات والأفراح من الموائد والعوائد والهدايا التي تزيد من أعباء الشخص المادية فيلجأ إلى الدين. 5 - انتشار شركات التقسيط وإعلانات البنوك عن التقسيط المريح - كما يقولون - مما ساعد على شغل الذمم بالديون خاصة فئة الشباب، ومتى عجز عن السداد تحمل دينا آخر وهكذا يقع في شباك الديون. أما عن الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية لتحمل الديون في الذمة، فالواقع يشهد لذلك، فالدين مذلة بالنهار هم بالليل، تجد المدين في هم وقلق وتعاسة وطول تفكير وهمه سداد دينه وملاحقة الدائن له، حتى يصبح محل عطف من الآخرين عليه ويرثون لحاله فيمدونه من الزكاة أو الصدقة. ومن الناحية الاقتصادية : تضطرب حالته المادية، وينعكس أثر ذلك على توفير حاجاته الضرورية وحاجات أسرته فيصبح في ضيق من العيش بسبب الدين. ومن الناحية الاجتماعية : قد يجره الدين إلى المسألة ولا يخفي ما في المسألة من الذل والمسكنة والحرج والإهانة، وقد يقوده عدم السداد إلى المحاكمة والعقوبة بالسجن أو بيع أملاكه، وكل ذلك له أثر كبير على حياته وسعادته. ومن هنا يتبين أن سلامة الذمة لا يعدلها شيء، ومن استطاع أن يبرأ ذمته من الدين فليفعل، ومن اضطر إليه فليعمل جاداً على الوفاء بأي طريق، حتى يلقى الله وليس عنده مظلمة لأحد. [email protected] الاستاذ بالمعهد العالي للقضاء وعضو مجلس الامناء في الجامعة الاسلامية العالمية في بنغلادش