"محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    محترفات التنس عندنا في الرياض!    رقمنة الثقافة    الوطن    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    أكبر مبنى على شكل دجاجة.. رقم قياسي جديد    استعادة التنوع الأحيائي    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أجواء شتوية    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    الرياض .. قفزات في مشاركة القوى العاملة    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    العريفي تشهد اجتماع لجنة رياضة المرأة الخليجية    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمير نايف مهندس الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب قبل أحداث أمريكا
نشر في عكاظ يوم 13 - 06 - 2014

هناك رموز وطنية خالدة.. لا يمكن نسيانها.. ولا تزول ذكراها من الأذهان بل تتجدد كلما استحكمت الظروف.. وتضاعفت الأخطار والمشكلات في المنطقة والعالم.. ولا شك أن رجلا بقيمة ومكانة فقيد هذا الوطن الأمير نايف بن عبدالعزيز هو من بين من يتذكرهم العارفون بهم.. ويظلون يشكلون علامات فارقة في مسيرة الأوطان الكبيرة.. والعظيمة.. وفي مقدمتها هذا الوطن الذي تهفوا إليه أفئدة المسلمين من كل أرجاء الدنيا.. فماذا قالوا عنه يرحمه الله ويسكنه فسيح جناته..؟
في حوار موسع مع «عكاظ الأسبوعية»، روى وكيل وزارة الداخلية الدكتور أحمد السالم، جوانب أصيلة عن مواقف صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز -رحمه الله-، ومبادراته على كافة المستويات الإنسانية والعربية، وقربه من المواطن ومن قضايا أمته الإسلامية. وذكر السالم، أن سمو الأمير الراحل حذر العالم منذ وقت مبكر بخطر الإرهاب ومن خطورة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، ودعا العالم أجمع على مواجهة الإرهاب، كما هندس –رحمه الله- الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب.
وقال: إن سمو الأمير نايف جعل الأمن والتنمية متلازمين، فتحولت مقولته (المواطن هو رجل الأمن الأول) إلى مبدأ عالمي.
السالم تطرق في الحوار إلى جوانب إنسانية مؤثرة في حياة الأمير الراحل حيث أمن، يرحمه الله، مسكنا خاصا لامرأة، شيدت منزلا على أرض غيرها، إلى جانب تعامله الفريد مع الناس حيث أكسبه ذلك العدو قبل الصديق، وأضاف السالم أن جميع من تعاملوا مع سمو الأمير الراحل كانوا يشعرون أنهم طلاب في مدرسة عظيمة.
إنسانية لا حدود لها
عملت على مدى سنوات قريبا من الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله، حدثنا عن الجوانب الإنسانية في شخصية الأمير الراحل؟
- في الواقع سمو الأمير نايف رحمه الله هو الذي ابتعثني للدراسة إلى الخارج للدراسات الجامعية والعليا في الولايات المتحدة الأمريكية وكان عمري حينها 17 عاما، إيمانا منه يرحمه الله إيمانا كاملا بأن على الإنسان أن يسلح نفسه بالعلم والمعرفة إذا ما أراد أن يخدم دينه ووطنه، وبعد أن أنهيت الدراسة الجامعية واصلت دراستي العليا حتى حصلت على الدكتواره في علم الاقتصاد، وبعد أن عدت إلى المملكة بفترة رشحني سمو الأمير نايف رحمه الله أمينا عاما لمجلس وزراء الداخلية العرب، وبالفعل تم انتخابي أمينا عام للمجلس ومارست مهمتي هذه منذ الأول من يونيو من عام 1992م، وتم التجديد لي لمدة فترتين أخريين، حيث قضيت في تونس تسع سنوات كأمين عام لمجلس وزراء الداخلية العرب، عدت بعدها إلى المملكة وبعد فترة وجيزة صدر أمر ملكي بتعييني وكيلا لوزارة الداخلية، وطوال هذه السنوات تشرفت بالعمل مع سمو الأمير نايف، وفي كل مرة ألتقي بسموه كنت أتعلم منه أمورا جديدة، والحق يقال إن الأمير نايف مدرسة ضخمة في العلم والمعرفة، فهو متميز في الإدارة وفي التعامل مع الناس وفي فن الدبلوماسية، أكثر من ذلك تعلمت منه قيمة العمل، وكان دائما يوصيني بأن قيمة الإنسان في إنتاجيته، والإنسان بالنسبة له هو الشخص المنتج، والمنتج بلا شك هو شخص فعال في مجتمعه، أما غير المنتج فهو عالة على المجتمع، كما تعلمت منه أنه لا نستطيع أن نحصد إلا عندما نزرع ونغرس ونكافح ونثابر ونتعب، ودائما ما تشعر وأنت تتعامل معه رحمه الله أنك مازلت طالبا في مدرسته.
هدوء.. وطمأنينة.. وإنسانية
وماذا عن الجوانب الإنسانية في شخصية سموه يرحمه الله؟
خلال الفترة الطويلة التي عملت فيها مع سموه كنت قريبا منه وعلى احتكاك معه بصفة شبه يومية ومستمرة ولم أسمع منه كلمة نابية أو كلمة فيها تذمر أو تضجر ولا يرفع صوته، دائما تحس في أسلوبه ومنطقة الهدوء والطمأنينه والإنسانية، فكان قريبا من كل شخص، مما يجعله يكسب العدو قبل الصديق، ودائما ما ينادينا نحن في وزارة الداخلية بكلمة الأخ، حيث يتعامل مع الإنسان بإنسانية ويحرص على أن لا يخدش كرامة أي إنسان، ومهما عملت ومهما فعلت فإنه دائما يتعامل معك بأسلوب لبق ولطيف، ويعلمك خطأك بدون أن يجرح شعورك أو يسيء إليك، وقد تميز وتفرد سموه يرحمه الله بهذه الصفة، وهذا ليس بشهادتي فقط، بل بشهادة أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية العرب الذين اجتمعوا مع سموه واحتكوا معه والتقوا معه، والحديث هنا ليس عن وزير واحد بل عن وزراء داخلية عرب يتغيرون ويتبدلون خلال سنوات عديدة، فلم يكن أي من وزراء الداخلية العرب يعترض على رأي سموه أو يتذمر منه للباقة أسلوبه ولطفه معهم، وأنا أذكر عندما كانت العلاقة بين المملكة وبعض الدول العربية ليست في المستوى المطلوب دائما ما كان يخاطب وزراء تلك الدول بالأخ وأيضا الوزير الآخر يخاطب الأمير نايف بنفس الأسلوب إن لم يكن أحسن، ومهما توترت العلاقات بين المملكة ودول أخرى فإن وزراء الداخلية في تلك الدول كانوا يكنون للأمير نايف كل احترام وتقدير لاحترامه للطرف الآخر وحسن تعامله معه، لذلك حظي رحمه الله باحترام وتقدير الجميع واحتل مكانة مرموقة في مجلس وزراء الداخلية العرب، فكان الرئيس الفخري للمجلس والملاذ والمرجع عند التباين والاختلاف في وجهات النظر، وغالبا ما يوفق بين وجهات النظر المختلفة ويجمع شمل أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية العرب بحكمته وبعد نظره وحسن تعامله.
قصة الأرملة والبيت الجديد
وعندما نتكلم عن النواحي الإنسانية فإن سموه يتفاعل مع أي مشكلة إنسانية ومع مشكلة أي مواطن بوجدانه وأحاسيسه ويحرص على تلمس احتياجات الناس ورعاية حقوقهم ومصالحهم، وأذكر حالة واحدة من عشرات الحالات التي كانت مؤثرة بالنسبة لي، إذ قامت سيدة سعودية ببناء مكان مؤقت لسكنها وأبنائها ربما يكون من الجريد أو الصفيح، على أرض لا تملكها، ونحن نعرف جميعا أن النظام لا يجيز ذلك ويعتبره تعديا ويجب إزالته، وعندما عرضت الموضوع شخصيا على سموه وقلت له إن هذا هو النظام وهو يطبق على الجميع، وأن صاحب الأرض يطالب بأرضه، وجهني سموه بأن يتجنب هدم مسكنها إلا عندما نتأكد أن لديها مسكنا بديلا يؤويها ويؤوي أولادها حتى ولو تطلب هذا الأمر أن يكون من حساب سموه الشخصي وقال «تأكدوا أنه ليس عندها مسكن ولا عندها بيت غير هذا البيت وإن كان الأمر كذلك فلن تنتقل من هذا المكان إلا إلى مكان أفضل منه» وهذا ما حدث، وهذه نواح لم تكن لأهداف إعلامية وإنما لشعور إنساني بحت.. وهو مجرد مثال بسيط عايشته عن قرب مع سمو الأمير نايف، وكما يبين بوضوح أنه وإن كان رحمه الله يعمل على تطبيق الأنظمة والأوامر والتعليمات فإنه يأخذ في الاعتبار أيضا عند تطبيقها الجوانب الإنسانية.
ماذا قال أمين الجامعة العربية عنه؟
للأمير نايف بصمات كثيرة في مجالات عدة، ما هي أبرز البصمات التي تذكرها لسموه رحمه الله؟
- لو نتحدث عن بصمات وإنجازات سموه محليا أو إقليميا أو دوليا لطال بنا المقام ولن يكون هناك متسع من الوقت، فعلى الصعيد الإقليمي كان حريصا على وحدة الصف العربي وأمن المواطنين العرب واستقرارهم، فمثلا لولا فضل الله ثم سمو الأمير نايف ما أنشئ مجلس يسمى مجلس وزراء الداخلية العرب، وفي أول دورة للمجلس انعقدت في الدار البيضاء في المغرب تم تنصيب سموه رئيسا فخريا له اعترافا من أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية العرب بالجهود المتميزة التي قام بها سموه في تأسيس المجلس الذي أنجز الكثير وصدر عنه قرارات فاعلة ومهمة في مسيرة العمل الأمني العربي المشترك، وكان سموه العضو الفاعل في هذه الإنجازات والقرارات وبشهادة الجميع، وأعطي مثالا على ذلك، الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، كان الأمير نايف هو المهندس لتلك الاتفاقية وهو الذي جمع وزراء الداخلية والعدل العرب تحت مظلة جامعة الدول العربية وترأسهم، حتى أنني أذكر أن الأمين العام لجامعة الدول العربية في ذلك الوقت الدكتور عصمت عبدالمجيد أبلغني أن هذا الاجتماع المشترك الذي يجمع وزراء الداخلية العرب مع وزراء العدل هو أكبر بكثير مما تستطيع الجامعة أن تنظمه وتحضر له وتنسق له؛ لأنه سابقة في عمل جامعة الدول العربية كاجتماع مشترك لأول مرة لمجلسين في آن واحد، وكان كل مايخشاه مسؤول الجامعة هو فشل الاجتماع المشترك، إذ كانت تجربة فريدة من نوعها في جامعة الدول العربية، والأكثر من ذلك أن الاجتماع كان أساسا من أجل التوقيع على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، حيث اجتمع وزراء الداخلية والعدل العرب تحب مظلة جامعة الدول العربية وبرئاسة الأمير نايف رحمه الله، وأستطيع القول إنه لولا التحضير والتنسيق المسبق ما بين الأمير نايف ووزراء الداخلية والعدل العرب لما انعقد ذلك الاجتماع ولما تم التوقيع على الاتفاقية المذكورة في أبريل من عام 1998م، تصور أن كل وزراء الداخلية والعدل العرب وقعوا عليها ولم يتحفظ عليها أي وزير، ثم بعد نحو عام دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ، وتمت متابعة تلك الاتفاقية من قبل الأمير نايف شخصيا وكان حريصا على تنفيذها على أرض الواقع حيث تشكلت لجنة وزارية مشتركة من وزراء الداخلية والعدل العرب برئاسته لترجمة بنود ومواد هذه الاتفاقية إلى واقع ملموس، وهذه الاتفاقية تمت قبل أحداث (11) سبتمبر 2001م، فكان الأمير نايف دائما ما ينبه زملاءه وزراء الداخلية العرب إلى خطورة ظاهرة الإرهاب وأضراره وأنه شر قادم وأن علينا أن نحتاط، وفي ذلك الوقت كانت بعض الدول العربية تعاني من الإرهاب مثل الجزائر ومصر وكان يؤكد سموه منذ ذلك الوقت بأنه آن الأوان لاتخاذ إجراءات حازمة وصارمة للحد من ظاهرة الإرهاب ومن انتشارها في العالم العربي والعالم أجمع.
مرونة سلوك واستراتيجية لمكافحة الإرهاب
وفي خلال عقد واحد (التسعينيات) كان لدينا بالإضافة إلى الاتفاقية مدونة قواعد سلوك للدول الأعضاء لمكافحة الإرهاب، واستراتيجية عربية لمكافحة الإرهاب، هذا الأمر يعطينا نموذجا للأعمال والإنجازات التي قام بها سموه رحمه الله على مستوى وزراء الداخلية العرب، وعلى المستوى المحلي كلنا نعلم أن سموه كانت له بصمات في كل مجال خاصة فيما يتعلق بالجانب الأمني، وكان دائما يردد بأن المواطن هو رجل الأمن الأول، ودائما يشرك المواطن في الوقاية من الجريمة ومكافحتها، ويؤكد دائما أنه لا يواجه الفكر إلا بالفكر، وقد حذر من حركة الإخوان المسلمين منذ زمن بعيد وفي أكثر من مناسبة، وهانحن نواجه ما حذرنا سموه منه، ودائما ما يحذرنا من بعض الظواهر الإجرامية والتحديات الأمنية من أجل أن نحتاط ونهيئ أنفسنا، وهو يؤمن بالضربات الاستباقية التي أطاحت بالإرهابين. وأصبحت تجربة المملكة في مواجهة الإرهاب فريدة من نوعها وناجحة بكل المقاييس وباتت المملكة مرجعية في هذا المجال لجميع دول العالم، وما منظومة الأمن والاستقرار التي نعيشها اليوم إلا نتاج واقع لما بناه وأسسه سمو الأمير نايف يرحمه الله، ونحن اليوم نسير على نهجه وعلى خطاه، وبالتالي فإننا نجد أن وضعنا الأمني يتكرس كل يوم أكثر فأكثر ويزداد رسوخا، والناس كل يوم تزداد اطمئنانا، والظواهر الإجرامية تتراجع وتنحسر، وعلى رأسها الإرهاب. وقد سار سمو الأمير أحمد من بعده على نفس النهج واليوم يواصل هذا المشوار سمو الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، وهو أحد أبناء الأمير نايف الذين عرفوا بكفاءتهم وتميزهم حيث تخرجوا من مدرسة نايف بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن نايف المسلح بالكفاءة والخبرة وتجارب والده خاض معركة في الميدان مع الإرهابيين بحرفية ومهنية أكسبته احترام الجميع وهو يكمل ما بدأه والده في مواجهة الجريمة والاستفاده من كل حديث ومتطور، ولكن ما نريد أن نؤكد عليه أن للأمير نايف بصمات عديدة على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي والحديث عن هذه البصمات يستغرق الكثير والكثير من الوقت، ويكفي أنني وأنت والآخرين نلمس جهود هذا الرجل في تحصين بلدنا وتحقيق أمن مستتب يعيشه القاصي والداني، وبفضل الله نحن الآن نعيش هذه الفترة مرحلة بناء وأمن وأمان وازدهار وحراك اقتصادي واجتماعي غير مسبوق في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسوف يسطر التاريخ بأحرف من ذهب هذه الإنجازات والأعمال، وكانت لتوجيهات الملك عبدالله أطال الله في عمره الأثر الكبير في إرساء دعائم الأمن والاستقرار في ربوع وطننا العزيز.
الأمن والتنمية وإمارات المناطق
ماهي جهود سموه في تطوير العمل في إمارات المناطق وأهدافه؟
- أمير المنطقة هو الحاكم الإداري في المنطقة وهو الذي يشرف على أداء وعمل الأجهزة الحكومية في منطقته، وأمراء المناطق نظاما مرتبطون بوزير الداخلية، والأمير نايف في الوقت الذي كان يسعى فيه لتكريس الأمن والأمان فإنه لم يغفل الجانب الآخر وهو جانب التنمية، وكان يؤكد دائما رحمه الله على أن وزارة الداخلية تقوم بدورين رئيسيين: دور أمني ودور تنموي، الجانب الأمني ينفذ من خلال الأجهزة الأمنية، والجانب التنموي يتم تنفيذه غالبا من خلال إمارات المناطق، ولا يمكن أن يكون هناك أمن واستقرار بدون تنمية واقتصاد، بل ليس هناك حياة بدون أمن، فالأمن ركيزة لكل شيء، وكذا الحال بالنسبة للتنمية، فإن لم تكن هناك تنمية، ولا وظائف لأبنائنا، ولا مصادر دخل ورزق للمواطنين، فلن يكون هناك أمن واستقرار، وبالتالي فإن الأمن والتنمية يكملان بعضهما، ولهذا كان رحمه الله يؤكد على أمراء المناطق بالاهتمام بشكل خاص بالجوانب التنموية والاجتماعية والاقتصادية، وكان سموه حريصا على تحقيق الأمن والتنمية في آن واحد، وبقدر حرص سموه يرحمه الله على الأمن كان يحرص على تعزيز قدرات وإمكانات إمارات المناطق حتى تقوم بدورها التنموي الذي لا يقل أهمية عن الجانب الأمني.
رفاهية المواطن خلف الاجتماعات السنوية
كان الأمير الراحل حريصا على الاجتماع السنوي لأمراء المناطق، لماذا؟
- الهدف من الاجتماع السنوي لأمراء المناطق تحقيق الأمن والرفاهية للمواطن، وتقديم كافة الخدمات له أينما كان، وتيسير أموره، والمواطن عند سموه هو أولا وقبل كل شيء ركيزة الأمن، ووسيلة التنمية وغايتها، وهو مستقبل البلاد وثروتها، وكل ما يحرص عليه سموه هو خدمة المواطن وتسهيل أموره، بحيث يكون مرتاحا ومطمئنا في وطنه، وعنده مصدر رزق يؤمن احتياجاته واحتياجات أسرته، وهنا تأتي أهمية الاجتماع السنوي لأمراء المناطق. ومن خلال هذا الاجتماع كان يوجه رحمه الله بمناقشة معاناة المواطن ومشاكله، وكيفية التغلب عليها، ومعالجة قضاياهم، فكان الهدف الأساس هو تحقيق الأمن بمفهومه الشامل، ليس الأمن الذي ينحصر في مكافحة الجريمة، بل الأمن الاقتصادي، والاجتماعي، والفكري، والغذائي، والمائي وغيره، ولا يمكن أن يتحقق الأمن بمفهومه الشامل إلا عندما يكون فكر الإنسان نظيفا ومعتدلا، ولديه مصدر رزق ومستقرا وظيفيا، ويكون له تواجد ومشاركة في الفعاليات والأنشطة التنموية والاجتماعية في البلاد، ولم يكن سموه يكتفي بالدعوة إلى مكافحة الجريمة بل يحرص رحمه الله أيضا على معالجة أسبابها والقضاء عليها من جذورها ومنابتها.
أسباب غضب الأمير
المقربون من الأمير نايف يرحمه الله يؤكدون أنه لا يغضب حتى في أحلك الظروف والمواقف، لكن ربما كانت هناك أمور معينة كانت تغضبه، هل تتذكر شيئا من هذا؟
- بالرغم من السنوات العديدة التي عاشرته فيها وتعاملت معه فيها فإنه قل أن وجدته غضب ليسير.. لكن الذي يغضبه هو التعدي على محارم الله وحدوده أو عندما يتجاوز شخص ويظلم الآخرين أو يسلب حقوقهم؛ لأن الدين وحقوق الناس كانت بالنسبة له شيئا مقدسا، كل توجيهاته غفر الله له هي عدم المساس بثوابت الدين وبحقوق المواطنين، وعدم ظلم المواطن والإساءة إليه، والشيء الوحيد الذي يزعجه هو تجاوز أي من المسؤولين القريبين منه لا سمح الله، أو ظلمه أو إساءته إلى أحد، وكان يوجهنا دائما أن نتعامل مع الناس بكل هدوء وتفهم وأدب، ونعمل على إنصاف الشخص أيا كان ومهما كانت علاقتنا به، نعرفه أو لا نعرفه، وبغض النظر عن انتمائه القبلي أو العرقي أو غيره، بالنسبة له كانت الأحكام الشرعية والحقوق الخاصة خطوطا حمراء، لا يقبل من أي شخص بأن يمسها، وكان دائما يردد أمامنا ويوجهنا ويقول «أنتم مؤتمنون على تطبيق الشرع وحماية أعراض الناس وممتلكاتهم، والواجب عليكم أن تدافعوا عن حقوق الناس، وليس أن تتجاوزون على هذه الحقوق أو تتطاولون عليها»، وهذا الشيء الوحيد الذي كان يغضب الأمير نايف رحمه الله، فكان حرصه على أن تكون حقوق الناس مصانة ومحفوظة، وهذه من الأمور التي تعلمناها من سمو الأمير نايف، وكان يقول «عليكم بالإنصاف وإعطاء الناس حقوقهم، والتعامل معهم بلطف، وتلمسوا احتياجاتهم، إذا جاءكم مواطنون بمشاكل وكانت تبدو لكم أنها غير مهمة فإنها مهمة بالنسبة لهم، وهي شغلهم الشاغل، فعليكم أن لا تفكروا في مشاكل الناس من منظوركم، بل فكروا فيها من منظور المراجع الذي جاء إليك من مسافة بعيدة، فعليكم أن تتفاعلوا مع شكواه وتظلماته واحتياجاته»، وهذا ما كان يوصينا به في وزارة الداخلية، ولكن الأمير نايف رجلا حليما بمعنى الكلمة، وصدره يتسع لكل شيء وتستطيع أن تجلس معه ساعات وأن تتكلم ويعطي معك سواء كنت مسؤولا أو مواطنا عاديا، فهو لا يفرق بين المواطنين.
الأمير نايف يعني ويعني لي الكثير وبفقدانه خسرنا الكثير وعزاؤنا الوحيد أنه خلف أبناء قادرين بإذن الله على مواصلة مسيرته ونهجه، وإن مات نايف بن عبدالعزيز فإنه يبقى حيا في القلب والوجدان ولا يكاد يفارقني في حياتي اليومية وتتجدد ذكراه في كل لحظه خاصة عند تعاملي مع ابنه البار الأمير محمد وزير الداخلية وعندما أرى ابني الوحيد الذي سميته تيمنا بهذا الرجل العظيم تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه الفردوس الأعلى، وأن يجمعه وأبناءه وإخوانه ومحبيه في جنات النعيم وأن يجزيه عن الجميع وعني خير الجزاء لما قدمه لدينه ومليكه ووطنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.