يشيع في خطابنا شفهيا أو مكتوبا استخدام وصف (الذئب) للإشارة إلى من يتحرش بالنساء أو الأطفال، فالصورة المرسومة هنا تمثل المتحرش (قويا)، ليس ببدنه وإنما بنهمه ورغبته في اصطياد الضحية، وتصور الضحية (ضعيفة)، ليس ببدنها فحسب، وإنما بعجزها (الذهني) عن إدراك خطط الذئب واكتشاف نواياه وسهولة وقوعها بين براثنه. إن صح مثل هذا الوصف في حالة استدراج الأطفال واستغلال براءتهم وسذاجتهم، هل له أن يصح مع الفتيات؟ هل الفتيات كالأطفال في السذاجة والجهل كي يقال إنهن استدرجن ووقعن في شباك (الذئب)؟ لم تصور الفتيات على أنهن عرضة لأن يصرن ضحايا لهجمات الذئاب رغم أن غالبية من يوصفون بالذئاب هم من الشباب المقاربين للفتيات في السن ومستوى التعليم ومهارات التفكير والخبرات، وبإمكان الفتيات كشف ألاعيبهم وعدم إتاحة فرصة المخادعة لهم؟ إن مثل هذه التصنيفات ترسخ في أذهان الفتيات قبل غيرهن مفهوم الضعف في المرأة، فهي توحي لهن بأنهن عرضة (للضحك) عليهن، لأنهن أغبى من أن يكتشفن الخداع وأعجز من أن يميزن بين الكذب وغيره! بمعنى آخر، هي توهمهن أن الشباب أكثر ذكاء منهن وأشد خبثا؛ لذلك هم قادرون على الإيقاع بهن من حيث لا يشعرون! فتترسب تلك المفاهيم في قاع نفوس الفتيات وتزرع داخلها استصغار الذات وفقد الثقة فيها. إن حماية الفتيات من هجمات الذئاب لا تكون ببث الضعف في نفوسهن، وبذر الخوف في صدورهن، وحثهن على الهرب من مواجهة الآخرين بالانسحاب بعيدا وإغلاق الأبواب والنوافذ تحصنا من مباغتة الذئب، فهذا النوع من الحماية السلبية يحرمهن من تكوين بناء متين من القدرة الفعلية على حماية النفس، فالخوف ضعف، والاختباء فزع دائم، وفي النهاية لن يعدم الذئب وسيلة تمكنه من القفز من فوق السور. الحماية الصحيحة تتمثل في مساعدة الفتيات على أن يكن قويات، قويات في أنفسهن، قويات بالإيمان بالله والخوف منه، قويات بالثقة في الذات وفي قدرتهن على الفهم والإدراك وحسن التفكير والتمييز بين الخير والشر، قويات بإيمانهن أنه لا وجود للذئاب إلا في عالم الضعاف من الأغنام والخرفان، وأنهن لسن قطيع خرفان ولا أغنام شاردة يتربص بها الذئب لينقض عليها.