لمن تذهب أصوات المصريين غدا وبعد غد، للمشير عبدالفتاح السيسي أم لحمدين صباحي؟ سؤال عريض طرحتة ندوة «عكاظ» في القاهرة التي جمعت الخبير الاستراتيجي رئيس حزب المصري اللواء مهندس سيد الجابري والخبير الأمني اللواء دكتور إيهاب يوسف والمحلل السياسي وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد طارق تهامي وعضو مجلس إدارة جمعية «الشرطة والشعب لمصر» داليا يوسف.. واستحضرت الندوة برنامجي المرشحين والمزاج الشعبي العام للشارع المصري وأداء الحملتين وتأثير الوضع الأمني والدولي ونتائج تصويت المصريين بالخارج ودلالات الاستفتاء على الدستور. وخلصت الندوة إلى ما يشبه الإجماع على أن النتيجة محسومة سلفا وأن السيسي هو من سيختاره المصريون.... كما توقع المشاركون أن يظهر التحسن سريعا على الملف الأمني فيما سيكون أبطأ بالنسبة للتحدي الاقتصادي.. وفيما يلى أبرز مضامين الندوة: «عكاظ»: بداية ومن استقراء برنامجي السيسي وصباحي وخلفية كل منهما.. من هو الأقدر على حصد أصوات المصرين؟. اللواء الجابري: تكمن قوة المشير عبدالفتاح السيسي، في أنه اتخذ أجرأ قرار عرفته مصر منذ عقود مما يذكرنا بقرارات من نوع تأمين قناة السويس وحرب 73، وهو تنفيذ إرادة غالبية أبناء الشعب المصري بالتخلص من حكم الإخوان دون علم أمريكا ودون موافقتها بعد ذلك، وهو ما مثل صورة ذهنية عن هذا الرجل القوي القادر على اتخاذ إجراءات جريئة يمكن أن تغير مسار الأمة بعد 40 عاما من التعثر والتبلد. - د: إيهاب يوسف: المؤسسة العسكرية المنضبطة، التي ينتمى لها المشير عبدالفتاح السيسي كانت عاملا مهما في تأييد قطاع واسع من الناس له في ظل حالة الفوضى والاستباحة العبثية التي عرفتها مصر طوال السنوات الثلاث الماضية، وأيضا في ظل حالة الضعف المؤسسي للأحزاب والحركات السياسية. الضعف حين يصبح ميزة التهامي: الوفد جزء كبير من شعبية المشير السيسي، استمدها من كونه لم يكن كطرف في العملية السياسية قبل 3 يوليو، أي أنه لم يكن عضوا في حزب أو جماعة أو تنظيم، مع أنه الطبيعي أن تكون هذه النقطة عنصر ضعف، إلا إنه نظرا لسوء الواقع السياسي وحالة التجريف التي أصابته، والهجوم الدائم على الأحزاب والائتلافات الثورية جعلت في النهاية نقطة الضعف ميزة لدى الكثيرين، بالمقابل فإن التاريخ النضالي والسياسي لحمدين صباحي لم يكن محل ترحيب من كثيرين. الفرصة والقدرة نادية يوسف: المرشح الرئاسي القادم من خلفية العسكرية لا يعرف الناس عن تاريخه شيئا يستدعى النقد لأنه تاريخ مهني منضبط تحكمه قواعد عسكرية صارمة، يضاف إلى ذلك أنه يمتلك من القدرة ما يمكنه من إصلاح مؤسسات الدولة وتنشيط الحياة السياسية والحزبية، ولدى حمدين فرصة للقيام بذلك إذا قدم ما يطمئن المؤمنين بدولة الاستقرار، أما السيسي فلديه فرصة حقيقية للإنجاز إذا ساعد على بناء حياة سياسية نشطة وفاعلة على الأرض. «عكاظ»: على ضوء هذه الحقيقة كيف يقيمون أداء الحملتين وإلى أي حد كان مؤثرا؟. - نادية يوسف: صباحي لديه مجموعة من عناصر القوة، ولكن فرصة في الفوز أقل من منافسه رغم أن الغالبية العظمى من أعضاء حملته ومؤيديه من الشباب، فضلا عن سهولة تحركه في المحافظات، وغياب أي حواجز إدارية أو أمنية تحول دون تواصله مع أطياف متعددة في المجتمع. اللواء الجابري: حملة المشير لم تتحمل عناء كبيرا، السيسي لم يهبط على مصر من الفضاء وإنما هو نموذج متكرر في التاريخ المصري يذكرنا مع الفارق بين الشخصيتين والعصرين بشعبية عبدالناصر التي نالها منذ إطلالاته الأولى في صورة البطل القومي القادم لكي يخلص الأمة من فشل الأحزاب ومن الاحتلال ومن فساد النظام الملكي. عبثية 3 أعوام د. إيهاب يوسف: بعيدا عن دور الحملات الذي في رأيي ليس هو العامل الحاسم، أريد أن ما تردد أن الانتخابات محسومة لصالح مرشح معين كعامل مثبط وربما ساسا بالحيادية والشفافية، لأسباب تتعلق بدور الإعلام والدولة العميقة في توجيه الناخبين، دون أدنى اعتراف واحترام بأن هناك ملايين المصريين اختاروا السيسي، لأنهم اعتبروه مرشحا قويا سيعيد لهم مؤسسات الدولة، ويتحدث عن العمل والتنمية والبناء بعد أن سئموا خطاب الثورة المستمرة والفوضى والاستباحة العبثية على مدار 3 سنوات. التهامي: أعتقد أنه سيكون من المهم في هذا السياق، هو أن نفهم أو نستوعب دوافع انحياز الشعب في هذه اللحظة لمرشح بعينه، وبعدها نناقش كيف نفتح الباب أمام بدائل متعددة لمرشحين قادمين من الأحزاب والجمعيات الأهلية والمجتمع المدني، الشعبية الكبيرة لرجل قادم من خارج الأحزاب والحركة السياسية لا بد أن تثير علامة استفهام حول حجم الأزمة في بنية هذه الأحزاب. رفض الأصوات الاحتجاجية «عكاظ»: ألا تتفقون على أن المزاج الشعبي العام بتكويناته المختلفة هو من أدى الى توجه الصوت الانتخابي نحو السيسي؟. اللواء الجابري: بعيدا عن ثنائية مرشح الضرورة أو الاستثناء، هناك العديد من التجارب الدولية الناجحة يتولى فيها السلطة عسكريون نموذج بوتين في روسيا، وديجول في فرنسا، وزعماء آخرين من خلفية عسكرية حكموا في أمريكا الشمالية والجنوبية وفي أوروبا، وهذا النموذج ليس غريبا عن مصر، وبالنظر إلى الانتخابات المصرية الماضية، نجح مرسي المنتمي لجماعة الإخوان، وفشل بعد عام والخلاصة هنا أن سقوط مرسي كان درسا لمرشحي القوى السياسية المعارضة، والتي اعتبرها قطاع كبير في الشارع المصري مجرد أصوات احتجاجية ترفع شعارات ثورية ولا تقدم بديلا حقيقيا لمشكلات الواقع. - التهامي: أصعب ما يواجه حمدين صباحي في هذه الانتخابات، أنه قدم نفسه كمناضل سياسي ثوري في وقت سئم فيه قطاع واسع من المصريين الخطاب الثوري، وفقدوا الثقة في مرشحي القوى والحركات السياسية لصالح انحياز واضح ومنذ البداية للمرشح الآخر. احتواء الجيل الجديد د. إيهاب يوسف: حوارات السيسي الأخيرة قدمت صورة يبحث عنها أغلب المصريين، وهي صورة الرجل القوي الذي يحثهم على العمل والإنجاز في ظل حالة الفوضى التي عرفتها مصر في السنوات الأخيرة، ولكن ينبغى الاهتمام مستقبلا أن هناك إشكالية في احتواء الأجيال الجديدة وقدرته على على تجديد أدوات الدولة في الحكم. نادية يوسف: قدرة أي نظام حاكم على اكتساب شرعية سياسية وسط الناس تخفف من الأعباء الملقاة على أجهزة الأمن، وتقلص من استخدام الحلول الأمنية، وحين تغيب أو تتآكل هذه الشرعية تصبح الحلول الأمنية هي الطريق الوحيد لملء الفراغ الذي هجرته السياسة والعمل الأهلي والنقابي، وتصبح مهمته ليس فقط ملاحقة السياسيين المحرضين على العنف أو مواجهة التنظيمات المتطرفة والخارجة على الشرعية، إنما قمع كل شيء وإعادة ترتيب كل شيء أيضا. «عكاظ»: هل الأوضاع الإقليمية والدولية أسهمت في هذا الانحياز الواضح لخيار السيسي؟. - التهامي: من المؤكد أن تجربة السيسي، في حال فوزه بالرئاسة، ستكون تحت مجهر الدول الصديقة والعدوة، ولكن الرهان الأكبر سيكون داخل مصر: هل السيسي سيكون قادر فعلا على حل مشكلات مصر اقتصاديا وأمنيا وسياسيا؟، علما بأن الحوارات الأخيرة للمشير كشفت عن رؤية استراتيجية ثاقبة في العديد من القضايا الدولية. إيهاب يوسف: قوة السيسي ممثله في جمهوره الأساسي وهم المواطنون المصريون العاديون الذين يشكلون غالبية الشعب المصري، والخطاب السائد لدى الغالبية العظمى من هؤلاء هو خطاب إصلاحي يرغب في تحسين ظروفه المعيشية والعيش بكرامة على أرض وطنه، وهي تربة أقرب لتركيبة رجل يأتي من خلفية عسكرية ولم يكن منخرطا لا في حزب سياسي ولا في تنظيم ثوري وبالتالي يصبح المزاج الشعبي العام، في أغلبيته الساحقة، هو مزاج إصلاحي بناء يرغب في إصلاح المؤسسات وإعادة بناء الدولة. اللواء الجابري: لا يوجد شك أن المشير السيسي، وزير الدفاع السابق، يمتلك الخبرات والمؤهلات التي تكفل له التعامل بحرفية مع الملفات الدولية، وأعتقد أنه هذه الملفات كانت موضع دراسة واهتمام منه قبل أن يتخذ قرار الترشح.