عاش بدر شاكر السياب (1926 1964م) الذي يعتبر بحق أحد الرواد المجددين للشعر العربي حياة قصيرة في عمر الزمن، حيث توفي وهو في السادسة والثلاثين، غير أنها حياة حافلة تشي بالمتغيرات والتناقضات الحادة التي سادت العراق منذ بدايات الخمسينات وحتى منتصف السبعينات، وشملت شتى المناحي الثقافية والإبداعية والفكرية والاجتماعية والسياسية. لقد شكل السياب ونازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي مداميك الحداثة الشعرية العراقية، بل والعربية، التي خلخلت الشكل التقليدي المترهل السائد للقصيدة العمودية، وقد ساعده على ذلك اطلاعه بشكل عميق على الحداثة الشعرية الغربية. ومن أشهر قصائده المعروفة: المومس العمياء وحفار القبور وأنشودة المطر. كما لا يمكن تجاهل الدور الذي أسهم به زملاؤه ومجايلوه وتلامذته من الشعراء ممن درسوا معه في المعهد العالي للمعلمين، وبعضهم اختط وصاغ عالمه الشعري الخاص وتفوق فيه، نذكر منهم بلند الحيدري ولميعة عباس عمارة ومحمود البريكان وشاذل طاقة وسعدي يوسف وعبدالرزاق عبدالواحد وحسب الشيخ جعفر. اتسم السياب بتقلباته السياسية والفكرية ما بين أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، حيث كان عضوا في الحزب الشيوعي العراقي في العهد الملكي، غير أنه انسحب من الحزب في عام 1959 بعد مجيء النظام الجمهوري، وأصدر كتاب «كنت شيوعيا» تضمن هجوما شخصيا حادا على الحزب وبرنامجه وقياداته وأعضائه، كما سفه فيه شعراء عراقيين وعربا، بل وشعراء عالميين كبارا مثل لويس أرغون (الحائز على جائزة نوبل للآداب) وبابلو نيرودا الحائز بدوره على جائزة نوبل، والشاعر التركي الكبير ناظم حكمت، وذلك لمجرد كونهم ينتمون لليسار، غير أن الكتاب الذي هو عبارة عن حلقات نشرتها جريدة الحرية العراقية عام 1959م، هو أقرب إلى التنفيس عن موجة غضب ورفض عارمة، حيث خلا الكتاب من أي عمق فكري ونظري وسياسي يعتد به. يصف الشاعر يوسف الخال شخصية بدر وشاعريته قائلا: «وللتعويض عن افتقاره إلى الحسن، صقل شاعريته ما استطاع.. وظل الأجمل فيه شغفه بالجديد وانفتاح صدره على المدهش والمستحيل في كل شيء، فعاش كأنما إلى الأبد، شروقا يلاحقه غروب». عقدة النقص لفقدانه الوسامة ظلت تلاحقه حتى نهاية حياته، وقد عبر عن ذلك شعرا حين كان في معهد المعلمين، حيث كان ديوانه ينتقل من فتاة إلى فتاة. بقوله: يا ليتني أصبحت ديواني لأفر من حضن إلى ثاني .. قد بت من حسد أقول له يا ليت من تهواك تهواني. وقد أقر المؤتمر العام الخامس والعشرون للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، الذي أقيم في المنامة في كانون الأول 2012، توصية اتحاد كتاب وأدباء الإمارات على اعتبار عام 2014م عام السياب، بمناسبة مرور نصف قرن على رحيله.