تباينت آراء المثقفين السعوديين حول دور المؤسسة الثقافية في الحد من التطرف وتحجيم الإرهاب، واتفقوا أن دور المؤسسة الثقافية لا يزال دون مستوى المأمول منها، كونها تفتقر للعمل المؤسسي القائم على رؤية وطنية واضحة، مع توفير مناخ حرية لحضور الدور التنويري والإنساني. مسؤولية كبرى إلى ذلك، يؤكد القاص والروائي عمرو العامري، أن المؤسسة الثقافية وباقي المؤسسات الأخرى (تعليمية واجتماعية ورياضية) لم تسهم في الحد من التطرف الفكري «لأنها ببساطة لم تضع القضية ضمن أجندتها، كون وزارة الداخلية وحدها معنية بالدور الأمني والتوعوي من خلال برامج المناصحة». وأضاف أن «منظومة الأمن الفكري منظومة متكاملة اجتماعيا وثقافيا وسياسيا وفكريا، والإصرار على العلاج الفكري ضمن جزر معزولة لم ولن ينجح بنسبة كبيرة بعد 11 عاما، وهو ما يحمل المؤسسات الثقافية المسؤولية للإسهام متى توفرت مساحة أوسع من الحرية من خلال أنشطة فنية ومسرحية، وهذا غير متاح الآن إلا في أضيق نطاق، وقد لا ينجو من غارات المحتسبين كوني شاهدت ذلك عيانا في أدبي جدة». خطاب غير محدد من جانبه، يصف الشاعر عبدالرحمن موكلي، المجتمع الحي بمجتمع الرؤى المتعددة والمختلفة حد التصادم أحيانا ومتصادمة، داعيا إلى أن يكون خطابنا غير محدد بأطر الثنائية (اعتدال، تطرف)، لأن تجمعك مع الآخر في ذات الوقت قد يعني نفي أحدهما. وأضاف الموكلي أن الاعتدال والتطرف كمصطلحين لا يمكن القبض عليهما، وكل واحد يعرفهما كيف يشاء، ما يعني ضرورة أن نؤمن بالتعدد والآراء التي تفتح الآفاق للحوار ومناقشة كل القضايا بعيدا عن الحجر تحت أي ذريعة. مؤسسات عاجزة فيما أرجع القاص والروائي فهد الخليوي، ثقافة التطرف إلى خطابات أحكمت هيمنتها على واقعنا الاجتماعي والثقافي، ما تسبب في انتشار ثقافة التطرف وحدية الطرح، وكونهما الأكثر هيمنة وتغلغلا في محيطنا الاجتماعي يوجب إعادة النظر في الخطابات المضادة وتأصيل مناهج تفكيك الغلو والتنطع باسم الدين. ولفت الخليوي إلى أن «المؤسسة الثقافية لدينا ترعاها الدولة وتدعمها بكل الإمكانات، ومع ذلك ظلت مؤسسة ثقافية عاجزة عن تأصيل الاعتدال بمفهومه الحقيقي، مؤملا أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بإيجاد مساحات متساوية من الحرية للخطابات الممكنة التعايش والتواصل. وعي مجتمع أما الروائي أحمد الدويحي، فقال: «إذا كان المقصود بالمؤسسة الثقافية الأندية الأدبية فهي سلبية، ولا تستطيع أن تتخذ لها رؤية منفصلة باستثناء أدبي جدة في مرحلة رئيسه الأسبق عبدالفتاح أبو مدين، كونه أسس لنشاط منبري متقدم ومنفرد، كانت كل الأندية تقريبا تسعى لإقامة نشاط مكثف يقوم على استقطاب كل شرائح المجتمع بما يضمن لها ارتفاع المعونة التي تقدم للنادي حسب النشاط وتحقيق جماهيرية للنادي». ويرى الدويحي أن بعض رموز التطرف الديني كانوا يحققون للأندية وبالذات في المناطق جماهيرية لا تحلم بها، ولكنه نشاط يتسم بالخطورة وليس نشاطا معرفيا ولا فنيا في نظري بل نشاط حشدي واستقطابي نحن نجني نتائجه اليوم. وأضاف الدويحي: «إن كان القصد من السؤال عن المؤسسة (الإعلامية) البرامج الإذاعية والتلفزيونية ومنابر المساجد؛ فالشق أكبر من الرقع، فخارطة البرامج لهذا التيار كانت وما تزال واسعة مهما تغيرت الوجوه والمعطيات، والرهان في نظري على وعي مجتمع، كون الدولة تحقق كثيرا من التوجهات المجتمعية، وتتخذ خطوطا حمراء، وهذا التيار يحسن استخدام اللعبة جيدا؛ فيستغل الفرص، ويعرف متى يناور ومتى يتطرف». ولفت الدويحي إلى أن «الوعي المجتمعي ما زال قاصرا ويسهل جذبه في أي من نشاط المجتمعات البشرية المتنوعة، لما يفتقر إليه من مساحة شاسعة من حرية النشاط وخلو المشهد من برامج متنوعة كالسينما والمسرح مثلا، وليس هناك إلا النشاط الرياضي الذي لم يخل من التعصب والتطرف، وبدأت تدب في مفاصله العنصرية والفئوية والمناطقية، فما بالك والتيارات الدينية المتطرفة لها برامج قاتلة وقنوات دعم وتيسر لها ما تيسر أكثر مما تيسر لغيرها». تفعيل الخطوط العريضة ويصف الكاتب والإعلامي حبيب محمود، الإسهام ب «النسبي جدا»، والمحدود في مريدي بعض المؤسسات التي تبنى جهاز إدارتها أفكارا فيها شيء من التنوير والتسامح والاعتدال، لافتا إلى إن بعض المؤسسات وجدت نفسها وجها لوجه مع التطرف، وفي نادي الجوف نموذج واضح حين أحرق متشددون مخيما للنادي الأدبي بذريعة تجهيزه لإقامة فعالية فيها اختلاط. وأضاف محمود: إن المؤسسة الثقافية في النهاية جهاز مؤسسي قد يمارس اعتدالا أو يدفع تسامحا نحو الانتشار في محيط ما محدود غير أن المشكل ليس في مجلس إدارة النادي الأدبي أو جمعية الثقافة وغيرهما من المؤسسات المشكل في البيئة الحاضنة المعبأة بأفكار إقصائية ما دمنا بلا أنظمة واضحة في المؤسسات الثقافية، ولا آليات توصف التطرف والتشدد ما يجعل كل الجهود منتجا خاصا لرأس كل مؤسسة وكل مجلس إدارة آت سوف يدمر منجز المجلس السابق. وهذا ما يحدث. محاولة في خجل ويذهب المسرحي إبراهيم الحارثي، إلى أن المؤسسة الثقافية هي وكافة مؤسسات الدولة تحاول بخجل شديد نشر مفهوم الاعتدال، بل وتوضيحه وعمل فرق بينه و ين الوسطية في الشكل والمضمون. ويؤكد الحارثي، أن الاعتدال الآن في هذا العصر المتسارع وهذه الجغرافية التي لا حدود لها بات مطلبا ملحا على الفرد والمجتمع، كون المؤسسة الثقافية في نظري صاحبة وجهة نظر أحادية، ومحدودة كذلك، فبالرغم من وجود العديد من الحقائق المثبتة «سواء الدينية أو الاجتماعية أو الثقافية» إلا أن المؤسسة لاتزال تنظر بعين واحدة فقط، مع أنها تملك عينين وتمتلك أيضا جهازا إعلاميا قويا لكنها كرسته بصورة مؤطرة جدا وبسيطة جدا. وأضاف الحارثي: «يوجد لدينا نسيج اجتماعي مختلف ومتنوع، وهذا في حد ذاته يعتبر نواة للانطلاقة نحو عوالم أشد اعتدالا إلا أننا أغفلنا الجانب الحواري الذي على أساسه يقوم الاعتدال، فباتت الآراء متطرفة، وصار اليميني متطرفا واليساري كذلك، والمثقف والتنويري وحتى الجاهل بات متطرفا في كل تفاصيله، زرعت المؤسسة الثقافية في دواخل المجتمع التسرع في اتخاذ القرار، وهذا الأمر يجب على المؤسسة الثقافية تداركه في ظل التنوع المجتمعي الحاصل في وطننا أو انعدام الإطارات الجغرافية والزمانية في هذا العصر المتسارع، إن التطرف هو ثقب كبير يلتهم فلك الإنسانية ويسبب الهلاك للمجتمعات المتحضرة التي نسعى لها من خلال ديننا الحنيف الذي يحثنا على الاعتدال في كل أمورنا.