منذ أن انتقل «معرض الرياض الدولي للكتاب» من جامعة الملك سعود لتتولاه «وزارة الثقافة والإعلام» ، بدأ الصراع بين من يرون أنفسهم قادة الفكر للمستقبل ومن يرون «معرض الكتاب» هجمة على الثقافة وتدميرا للهوية. وكان الصراع حول «منع أو حجب الكتب» عن عقول أفراد المجتمع حتى لا تفسد آلية تفكيره أو عقله البرىء ، فالمحافظون كانوا يريدون احتكار المعرفة لتحديد ما الذي يقرؤه الأفراد وما الذي يجب منعه حماية للعقول من «الفايروس» المدمر للهوية ؟. فيما من يرون أنفسهم قادة الفكر للمستقبل كانوا يحملون شعار «حرية الفكر ومنع الوصاية على العقول»، وأن الوصاية تعطل العقول عن التطور، وبالتالي لا يمكن لك الذهاب للمستقبل بعقول تفكر بآلية قديمة لحل المشكلات. وبالتأكيد كانت المرأة حاضرة في كل عام، ليس كعقل مفكر يتنازع على وصايته، بل ككائن يحتاج لحماية من الذئاب ومن نفسها غير العاقلة، ولم تطرح في ذاك الوقت القضية من جانبها الطبي أو «الغددي» كأسباب معطلة لعقل المرأة، وكان الصراع حول آلية دخولها لمنع «الاختلاط»، وهل يكون هناك أيام للنساء وأخرى للرجال أم للعائلات وللعزاب ؟. هذا العام ومع اقتراب أيام «معرض الكتاب» بدا لي الصراع يأخذ اتجاها مختلفا، فقد تخلى أنصار حرية الفكر عن شعارهم «منع الوصاية على العقول»، وبدؤوا يحذرون من انتشار كتب «جماعة الإخوان المسلمين» ومؤسسها «حسن البنا»، ويطالبون باجتثاثها وحجبها، ولنفس الأسباب التي كان يتبناها «المحافظون» وهي حماية عقول أفراد المجتمع البريئة، فأصبحوا هذا العام أعداء لحرية الفكر بعد أن ناضلوا طويلا من أجل الحرية. أذكر في «معرض القاهرة الدولي للكتاب» أوائل هذا القرن سئل الفيلسوف والمفكر الفرنسي «ريجيس دوبريه» عن ملاحظاته بين زيارته الأولى للقاهرة في سبعينات القرن الماضي وهذه الزيارة، وما الذي لفت انتباهه ؟. أكد «دوبريه» أن ما لفت انتباهه وجود كتاب «كفاحي» لهتلر في المعرض، وهناك طلب عليه، ولم يطلب حجب الكتاب، أو سألهم كيف تسمحون بنشره ؟. ربما لأن العرض مرتبط بالطلب، فبدا لي وكأنه يقول : ما الذي فعله مفكرو العرب ومؤسسات التعليم، ليجعلوا العقول تعجب «بهتلر»، وتبحث عن «الفكر النازي» الذي شاهد الجميع نتائجه، ولا تبحث العقول عن العلم والفنون ؟.