من أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة هي إعادة تعريف مفهوم المعرفة وتحديد دلالاتها على حسب المعطيات الزمنية المعاصرة. فالمعرفة على حسب التعريفات الواردة في قاموس أكسفورد هي مجموعة المهارات والخبرات والحقائق والمعلومات التي يكتسبها الفرد من خلال التجربة الشخصية أو عبر التفاعل مع العالم الخارجي، سواء من خلال القراءة أو النقاشات أو غيرها. وقد اتسعت حلقة العالم الخارجي في زمن صارت كل فكرةٍ فيه تتحول إلى موقع إلكتروني وصفحة على الفيسبوك وحساب على تويتر والإنستقرام؛ أي إلى عالم كامل. وعلى هذا فإن المعرفة في عصر التواصل الاجتماعي لم تعد تقتصر على الواقع المعاش فقط، بل إنها تتجاوزه إلى العوالم الافتراضية التي صارت تسيطر على الجزء الأكبر من سيول المعلومات التي نستهلكها كل يوم. إذن لا بد أن نظل على علم ودراية بما يجري حولنا دون أن نسقط في فخ سيول الأخبار والمعلومات اللامنتهية، التي تستنزف طاقاتنا يوميا وتدخلنا في حلقتها المفرغة دون أن ندرك! ولا بد أن نحافظ على التوازن المطلوب بين أن نكون أبناء عصرنا ممثلين لأبجدياته، وبين أن نكون قادرين على الغرف من منابع المعرفة التقليدية اللاافتراضية! لا شك أن الأجيال الجديدة محظوظة لأن كل إجابات الأسئلة غير المعروفة لم تعد تبعد عنها إلا مقدار نقرة على قوقل أو ويكيبيديا. لكنها في المقابل تواجه سيولا من المعلومات تأخذها من صفحة لأخرى إلى ما لا نهاية، مما يجعل تكوين الانطباعات الخاصة والآراء الشخصية مهمة صعبة جدا. إن شيوع الثقافة الموسوعية -على قدر أهميتها- من الممكن أن تكون لعنة لأنها تخلق أجيالا ترضخ لمعايير تلبس لباس الموضوعية، لكنها غير قادرة على اتخاذ موقف تجاه أي شيء يحصل حولها. نحن لسنا بحاجة إلى موسوعات متحركة، بل إلى عقول وشخصيات قادرة على تفكيك وتحليل وتكوين انطباعات عما هو موجود في الموسوعات! مثلما كان الجهل وقلة المصادر والموارد التعليمية والمعرفية نقمة في عصر من العصور، فإن كثرتها وتنوعها هي نقمة هذا العصر! حتى المعرفة إذا زادت على حدها انقلبت إلى ضدها!