لمن يريد أن يصبح خبيرا في علم الاحتكار في العصر الحالي عليه قراءة كتاب كورنرد لباري لين أي وضع أو محاصر في الزاوية. والمحاصر هو المستهلك المغلوب على أمره من الجهابذة والهوامير والقروش وسمهم ما شئت فهم دائما ومهما فعلوا مذنبون ومحكوم عليهم مسبقا بحصار المستهلك وجيوبه بلا رأفة، حتى يستقيموا ويعاملوه برفق وعدل. هنالك ما هو أسوأ من الاحتكار في السوق وهو احتكار القلة والسيطرة المنظمة، في ظاهرة تجعل السوق يبدو سوقا عاديا تتنافس فيه عدة شركات بل يعطيك انطباعا بقدرة أي منافس صغير على الدخول للسوق وخروج منافسين خروجا طبيعيا، لأنه سوق مفتوح وحر وليس محكوما من وزارة تجارة قوية وجمعية حماية مستهلك نافذة وليس سوقا اشتراكيا في مبادئه أو تعسفيا فهو يسمح ويعطي الفرصة العادلة للجميع. أما باطن السوق فهو احتكاري منظم من أقلية تقضي على أي منافس جديد تتآمر في الخفاء وخلف الستار من رؤوس متحكمة فيه ومتحالفة في شبكة قوية من منابع المنتج والمواد الخام وأسواق المزاد والجملة والنقل البحري والتخزين وشبكات للتوزيع والتصنيع، والشراء بكميات هائلة وتصل لاتحادات وجمعيات المزارعين أو المنتجين أو شراء الأصول في المصدر وترتبط ليس فقط بالمصانع ولكن بموردي المواد الخام والموانئ والوكلاء وبائعي الجملة والمتسترين والمقاولين ومديري المشتريات في بعض الجهات أو الشركات الكبيرة أو المقاولين أو الموردين. تسيطر مجموعة من الشركات على كل هذا بالأسعار التي تريد والمنتجات الانتقائية ذات القيمة المالية والكميات الكبيرة أو ما يسمى بالكمودو تيز والتمويل الفوري وطويل الأمد أو ما يسمى بالمدو، وهم يسيطرون حتى على التخزين في السوق والنقل وتمنع أي داخل جديد في أي قطاع من القدرة على الدخول إلى السوق وإن دخل يخسر لأنه يدفع سعرا عاليا جدا. ظاهر السوق وطني ولكن باطنه تستر وتآمر التجار ليس على المستهلك فقط ولكن على كل قدرات السوق الأخرى ومنها التوطين والصناعة المحلية والتضخم وقائمة طويلة جدا. ولا يحمي المستهلك في النهاية إلا محاصرة هذه العصابات بحزم ولا يقضي عليها إلا وجود تنظيمات رسمية جادة أقوى من هيئة المنافسة ووزارة إمكاناتها غير كافية ودخول القطاع العام على الخط إذا كان قادرا ونبيها وفطينا ومؤهلا حتى بالقوانين والتشريعات كما هو الحال في أمريكا وأوروبا وليس أن يصبح هو جزءا من التحدي وحائلا دون حماية المستهلك لعبقرية المحتكرين والمنظومة المستفيدة بل وعلاقتها غير المباشرة مع المصالح. لو تم تطبيق ما تطبقه هيئة المنافسة الأمريكية والأوروبية لدخل السجن وليس العقاب المادي لمعظم التجار المتسترين خلف ستار الاحتكار للأقلية والمستثمرين الكبار ومموليهم من بعض البنوك وحتى بعض الصناديق والشركات المصنعة للمواد الخام، بل وحتى بعض مسؤولي بعض الشركات العامة ومعهم مجموعة من المراقبين مسؤوليتهم منع الاحتكار المنظم والاحتكار والاحتكار المطلق. إنهم يحققون توازنا في السعر للمحافظة على السيطرة على السوق. والضحية هو المستهلك. في أي قطاع إذا سيطرت مثلا شركة برمجيات على السوق لمنعت من الاحتكار لكن هنالك تقريبا أربع شركات تسيطر وبقوة القانون على السوق مثلا من أوروبا وأمريكا وفي أوروبا. فلا يوجد أمل لشركات خليجية في الحصول بشريحة محترمة من السوق لأن الأبواب مغلقة. فيأتي من لا يعرف في القانون أو الاقتصاد ويقول هذا اختراعهم وهذه الملكية الفكرية فلم تلومونهم. حسنا حاول أن تفعل نفس الشيء في أسواقهم وسترى العجب وتدفع مخالفات وتمنع من الحصول على حتى رخصة الملكية الفكرية وتسجيلها. إذن نحن وبسذاجة لعبة الاحتكار المنظم نسمح للغير بما لا يسمح به لنا. وعندنا داخليا قطاعات كثيرة تسيطر عليها في الغالب ثلاث أو أربع شركات على الأكثر بعضها يصل حجم مجموع مبيعاتها مليار ريال موزعة بينها ولا تستطيع الشركات الصغيرة من اختراق هذا السوق ولن تستطيع مادامت الجهه المسؤولة ليس لديها خريطة طريق وليس لديها خطط استراتيجية حقيقية لحماية المستهلك بل هنالك أدهى من ذلك ولا أريد ذكره لحساسية البعض عندنا من النقد وحب المديح مهما بلغوا من العلم وكأن الشخصية العربية لديها حساسية من النقد مهما قل. وهذا الموضوع هنا لا أتكلم فيه عن جودة البطاطا هنا أو منتجات أبو ريالين أو مواصفات منتجات صينية فهذه تعتبر تسلية للكبار ولا تهمهم ويتركونها للصغار ليعتركوا. لأن الأساس أن معظم الشركات العاملة في المجال هي أصلا مملوكة ممن يعملون بأسلوب جلب الرخيص فيصبح كل يوم على من يأتي ببضاعه أرخص منه ويتحول هو لما ربحه أفضل ويعتبر سوقا أفضل.