السؤال الدامي الذي يطرح نفسه دوما، وبعدد نبضات القلب هو: لماذا يسود العالم هذا الكم الهائل للعنف، والذي ارتبط منذ ظهور الإنسان الأول، وقتل قابيل لشقيقه هابيل وهما ولدا أدم وحواء كما جاء في العهد القديم (التوراة) والقرآن الكريم، وحتى عالمنا المعاصر بمجتمعاته المتقدمة والمتخلفة على حد سواء؟ يتعين الوقوف إزاء كل أنواع العنف المادي والرمزي، عنف الأفراد والجماعات والحكومات والذي يتجسد ويتمثل اليوم على نحو فاقع يفوق الخيال في حال المجتمعات العربية التي يسودها وعلى نحو غير مسبوق العنف والإرهاب بمظاهره وتجلياته المرعبة المختلفة. لا شك ان البلدان والمجتمعات العربية قاطبة تمر بمرحلة دقيقة وحاسمة وتواجه تحديات مصيرية هي الأشد في تاريخها الحديث فالأزمة بنيوية ومركبة وشاملة وممتدة في أبعادها القومية والوطنية وفي تجلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي ظل إذكاء الصراعات والحروب الطائفية والجهوية والإثنية والتي خلفت دمارا شاملا وملايين القتلى والمعاقين والمهجرين في العديد من البلدان العربية. من هنا راهنية تفكيك خطاب العنف والإرهاب بصوره وأشكاله (إرهاب الدولة والجماعات والأفراد) كافة، وبغض النظر عن الشعارات والأهداف والتبريرات المطروحة. محاصرة الإرهاب والعنف ومعاقبة منفذيه وتجفيف مصادر دعمه يعتبر في المقام الأول مسؤولية المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول والمنظمات القانونية الحقوقية الدولية والإقليمية والمحلية وهيئات ومنظمات المجتمع المدني في كافة الدول. وهو ما يتطلب أيضا التحليل العلمي والواقعي ومواجهة العوامل والظروف التي تشكل الأرضية أو البيئة الحاضنة للإرهاب والعنف والتي تعود لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية وأيديولوجية. وما فاقم من حدة الأزمة انسداد أفق التغير والتطوير والإصلاح جراء استشراء العنف والاستبداد وغياب التقاليد الديمقراطية، وانعدام أو ضعف قنوات ومؤسسات المجتمع المدني الأمر الذي جعل فكر وممارسة العنف والعنف المضاد هو البدل المتاح. يتعين الوقوف إزاء دور المناهج التعليمية والبرامج التربوية والإعلامية القائمة على الحفظ والتلقين وغياب المنهج النقدي العلمي والمراجعة المفتوحة للفكر السائد، دون عقد ومواقف مسبقة إزاء القضايا والمشكلات كافة. الإرهاب والعنف يبدأ فكرا، لذا يتعين تجاوز العلاقة الملتبسة أساسا بين المثقف والسلطة من جهة، وبين المثقف والمجتمع من جهة أخرى، فالأجهزة البيروقراطية الحكومية غالبا تريده ملحقا وتابعا ومنظرا لمواقفها وسياساتها أو يكون محكوما عليه بالتهميش والانزواء والإلغاء، وفي المقابل نجد المثقف يصطدم بعوائق اجتماعية وثقافية وسلسلة من المحظورات والخطوط الحمراء التي تغلق الطريق المؤدى إلى تعميم قيم الحرية، العقلانية، المعرفة العلمية، والرؤية النقدية التاريخية.