قيل قديما: إن لم تكن تتمتع بذاكرة قوية فمن الأفضل أن لا تكذب. وما قيل قديما من الأولى أن يقال حديثا خاصة أن عبقري القرن الواحد والعشرين «تويتر» يخترق تفاصيل ومفاصل حياتنا، خاصة أيضا أن الكبار والصغار أصبحوا يعانون من هشاشة الذاكرة. لقد انتشر في «تويتر» مؤخرا نسبة كافية من المغردين الذين يتسكعون فيه بأخبار كاذبة ينقضونها كل يوم بأكاذيب جديدة تناقض سابقتها، إذ تخونهم الذاكرة فينسون ملامح أكاذيبهم الأساسية، واتسعت مساحة تغريدات الهراء والافتراء هذه وتخطت أسوار تويتر إلى الصحف المحلية، كما حدث في حالة ضحية البئر الطفلة «لمى» والكم المؤلم من اللغط الذي انتشر وتناثر بلا إنسانية ولا تقدير للحالة الصحية والنفسية لوالديها المنكوبين. حتى إن كنت واثق الخطوة تمشي في تويتر بذاكرة الفيل فلا ينصح أبدا أن تكذب، لأن الكذبة في تويتر بألف من مثلها خارجه، ومن المفروض أن تفقد مصداقيتك وأتباعك وشعبيتك وشهرتك إذا كنت من الشخصيات المنتشرة أو من تلك التي تتباهى بجموع الأتباع الغفيرة، أما إن كنت من المغردين المقتصرين على «التدوير» أي الذين يتداولون تغريدات غيرهم ويبعثرونها هنا وهناك دون التأكد من صحتها فمسؤوليتك لا تقل خطورة عن صاحب «ذاكرة الفيل» وعليك أن تقف وقفة أمينة أمام الله ومع ضميرك، وبمناسبة «ضميرك» لا تعول عليه كثيرا فالضمير مهما أنبنا وتصدى لنزعاتنا الشريرة، إلا أنه أحيانا لا يستطيع أن يمنعنا من ارتكاب الخطأ ولكنه على الأقل يمنعنا من الاستمتاع به. يبقى من المخيف في تويتر هؤلاء الذين يستخدمون المعرفات الوهمية لطمس الاسم والهوية، فبينهم بشر من مخلفات تربية أخلاقية مهزومة يتسافهون على الناس وهم كالفئران مختبئون يغردون من وراء خمار. ومن بين أصحاب المعرفات الوهمية أيضا بشر من نتاج تربية عنصرية فاشلة، هؤلاء بالذات يشعرون براحة نفسية حادة عندما يتوهمون أنهم سحبوا جنسية المختلف عنهم رأيا وجردوه من وطنيته، بتغريداتهم الإقصائية المقيتة. صحيح أن فعل منح الثقة احتياج فطري، تستحيل الحياة جحيما إن لم نتمكن من ممارسته، إلا أن تويتر جزء من الحياة لا يخلو من الخونة، ولا ننكر أن للعصفور الأزرق رائحة شهية كرائحة البحر تناديك نحو الأعمق إلا أن دواماته ساحبة وخبراء الثقة يدفعوننا لمسايرة الناس وتوثيق العراوي في التعامل معهم ومنحهم الثقة الممكنة بشرط ألا تكون عمياء لأننا لو تهاونا بالشرط حتما سنفاجأ بمن يثبت عمانا.