تُعد مواقع التواصل الاجتماعي سوقاً حرة للأفكار، وإناءً ينضح ب"إيدلوجيا" الفرد، وربما الجماعة، والأسوأ حين تتحول هذه المواقع إلى سباق ليس له خط نهاية إلاّ عند الكذب والتلفيق والشائعات ونقل أخبار مغلوطة أو سلبية بأسماء وهمية. ويُدشن نشطاء المواقع الاجتماعية "هاشتاقات" لا هدف منها ولا مضمون، بمسميات غريبة ومعلومات أغرب؛ ليتناقل المُغردون الأخبار ويروجوا لها من خلال "الريتويت" -إعادة التغريد-، مما يدور حولها نقاشات حامية، فيتحول الهزل إلى جد والجد إلى هزل، حتى بتنا نطالع وعلى مدار الساعة أخباراً لا صحة لها ولا أساس، تناقلها المجتمع وروّج لها ب"مُنكهات صناعية" قاتمة مثيرة للغثيان. ريتويت» التغريدات على تويتر ليست مجالاً لنقل الأخبار أو السب والقذف وانتشر في "تويتر" ما يُسمى ب"الرتويت" -إعادة التغريد-، حيث إن هناك من يُعجبه بعض الأخبار -حتى وإن كانت كاذبة- كتبها شخص باسم مستعار، مما يجعله يُعيد تغريدها في صفحته، الأمر الذي يُساعد على انتشارها من قبل المُتابعين، وهو ما يُؤجج المشاكل بين أفراد المجتمع، وربما نتج عن ذلك بعض التعليقات السلبية، وهنا لابد أن يعي الشخص أهمية الابتعاد عن إعادة التغريد لأي عبارة مشكوك في مصداقيتها، حتى وإن كانت من أشخاص معروفين. عبدالله الضويحي ويُعيد بعض الأشخاص بعض التغريدات السلبية عندما تبرز أجواء التوقع والترقب، وعدم الاستقرار، وعندما يسود التوتر ويخيم على أفراد المجتمع، مما يتطلب التأكد من شخصية المُغرد الأصلي، وعدم الانجراف خلف كل كتابة لا يوجد لمصداقيتها أي دليل. انفتاح إعلامي وقال "عبدالله الضويحي" -إعلامي-: إن مثل هذا الأمر طبيعي في ظل الانفتاح الإعلامي الجديد، مضيفاً أن الإعلام في مضمونه أو مفهومه لذاته لا يُعد نفسه مصلحاً اجتماعياً أو دينياً ولا تربوياً أو حتى أمنياً، بل ولا قيماً على صلاح المجتمع، وإنما يقدم منتجاً همه الأول التسويق، لهذا فهو في صراع دائم مع هذه المنظومات التربوية والأمنية والصحية وغيرها، مبيناً أنه لا يتحدث عن الإعلام الرسمي الأقل تأثيراً في المتلقي، وإنما عن القنوات الأخرى في عمومها، مؤكداً على أن مواقع التواصل الاجتماعي هي قنوات إعلامية يتسابق فيها كثيرون لتقديم منتجهم وتسويقه، مشيراً إلى أن القضية ليست في المجهولين المختفين حول أسماء مستعارة سواء من مقدمي الرسالة -تغريدة أو واتس آب أو غيرها- إنما عندما يأتي ذلك من أسماء معروفة لها وضعها الاجتماعي أوالثقافي، أو من شخصيات اعتبارية دون تبصر في مضمون الرسالة وأهدافها ومدى مصداقيتها، خاصةً عندما يتعلق الأمر بأمن الوطن أوعلاقته بمواطنيه. محمد عسيري صعوبة معالجة وأوضح "الضويحي" أن التخفي وراء أسماء مستعارة لظروف اجتماعية أو أسباب شخصية مقبول عندما يكون الطرح سليماً أو يتعلق بذات الشخص، لكن عندما يمس أمن المواطن الفكري أو السياسي أو الاجتماعي فهؤلاء أحد فئتين، إما مواطنون ينجرفون وراء مثل هذه الرسائل والإشاعات؛ لأنها تحقق شيئاً في ذاتهم دون تحر لمصداقيتها، أو غير مواطنين سواء من الداخل أوالخارج هدفهم زعزعة استقرار هذا الوطن وتوسيع الهوة بين المواطن والدولة، ليفقد ثقته فيها، موضحاً أن المشكلة في صعوبة تحديد هوية المصدر أو مكانه، إذ بإمكان أي شخص انتحال أي اسم وأي صورة إمعاناً في مصداقية الرسالة وهنا مكمن الخطورة. وأشار إلى أن ما يعزز ذلك أن النفس البشرية بطبيعتها تألف الأخبار السلبية، وتميل لتصديق كل ما هو سلبي، خاصةً تجاه الدولة أو حتى تجاه الإنسان العادي أكثر من اهتمامها بالأخبارالصحيحة التي لا تلفت الأنظار، وبالتالي فمن الصعب معالجة هذا الأمر؛ لأن التيار المعزز لها يتنامى وأكثر قبولاً لدى المتلقي، مضيفاً أنه لم يعد الدين ولا القيم رادعة لهذا الشيء، بل ربما أن بعضاً من هؤلاء لا يملكون هذه الأدوات، متأسفاً على أنه في تربيتنا سواء في المدارس أو المنازل نفتقد تعزيز المواطنة الحقيقية لدى النشء، وهم أيضاً يفتقدون للقدوة التي تعزز ذلك في مجتمعهم بصورة عامة، ذاكراً أننا نحتاج إلى وقت طويل وجهد لغرس هذا الشيء وتنميته ليكون جزءاً من الحل وليس الحل كله. عبدالعزيز فقيهي مشاكل اجتماعية وأكد "محمد عسيري" -مدير البرامج الوثائقية بالقناة الثقافية السعودية- على أن "الريتوتيات" -إعادة التغريد- أصبحت هاجس الناس المتتبعين للأخبار دون التأكد من صحتها وتناقلها، رغم أن أصحابها مجهولين، مضيفاً أن مواقع التواصل الاجتماعي غزت عالمنا وأثّرت على حياة الكثيرين، وساهمت في تغيير عاداتنا سلباً، منوهاً بمخاطرها التي نراها على أرض الواقع وهي العداء بين أفراد المجتمع والمشاكل الاجتماعية المختلفة، حيث تسببت للأسف في تغيير فكر ووعي جيل بأكمله، لافتاً إلى أن إعادة التغريدات لمجهول قد تسبب خطرا يهدد سلامة المجتمع أكثر من كونها وسيلة من وسائل التعارف والتواصل. فيصل هادي وأشار "عبدالعزيز فقيهي" -إعلامي- إلى أن سوق "الريتويت" يشهد رواجاً للأفكار الطالحة إن صح التعبير، ومن المفترض أن الفكرة التي يروج لها هي التي من شأنها أن تقنع القارئ بانتقالها على نطاق واسع، طالما أنها منطقية وواقعية، واصفاً شبكات التواصل الاجتماعي بأنها أشبه بسوق للأفكار، حيث إنه في نهاية المطاف يسوق الزبون ويختار التغريدة ذات الفكرة المناسبة لتفكيره، وبالتالي إعادة تغريدها، مُقراً ومقتنعاً بجودتها وبأحقيتها للانتشار وعلى نطاق واسع، مؤكداً على أن تلك هي الظاهرة الايجابية التي تعكس المناخ الحر لتروج للأفكار الأجدر، وهذا تماماً ما أُسست عليه أفكار "آدم سميث" بشأن السوق الحرة كمفهوم اقتصادي قبل أن يطور "جون مل" هذه الفكرة، مبيناً أن الأسماء الوهمية إذا كان محتواها إيجابيا فلا ضير، فالغاية هي الفكرة وليس صاحبها. بلا إدراك وتحدث "فيصل هادي" -باحث أكاديمي- قائلاً: تحول البعض إلى آلة متحركة همه ترديد المعلومة التي يقع نظره عليها بلا وعي أو إدراك، مؤكداً على أنه في هذه المواقع أقنعة سوداء هدفها تحطيم أمن البلاد، والقصد منها أن نتحول إلى شريعة الغاب، مضيفاً أن هذه الطريقة في نقل المعلومات هي نفسها التي سلكها أكابر المجرمين على مر العصور، واصفاً "الرتويت" بالمرض الخبيث -حسب قوله-، متمنياً أن يشعر كل شخص بقربه من الآخر وأن يتنامى هذا الشعور لدى كل واحد منّا، مع الالتزام بالحدود والأوامر التي اشترطها الدين وبالأخلاق التي تربينا عليها. وذكرت "أمل المحيميد" -أخصائية اجتماعية- أخطار نشر التغريدة التي لا نعلم مصدرها ولا نعلم من هم مروجوها، والتي لا هدف لها سوى إشعال الفتن والمنازعات، أو العبث بثقافة الفرد وسقيه معلومات وحقائق مغلوطة، فهي تساعد على نشر الخصومات بين الأفراد، مُحذرةً من التسرع في "الرتويت"، فكم من تغريدة مغرضة من ضعاف النفوس نتج عنها دمار للفرد ولأسرته وكذلك في مجال عمله وبين أصدقائه. وتأسفت أن المغرد المغرض يقتنص الفرص لإطلاق تغريداته السلبية عندما تبرز أجواء التوقع والترقب، وعدم الاستقرار، وعندما يسود التوتر ويخيم على أفراد المجتمع إلى غير ذلك، فيطلق تغريداته لتنتشر في فترة زمنية قصيرة، مُشددةً على أهمية التحقق من شخصية المُغرد، وألا ننجرف خلف كل كتابة أو عبارة، وكذلك التصدي لها، ونشر أهل الاختصاص الوعي بين الناس فيما يتعلق بهذا الأمر ومواجهته بالحجج والبراهين. انتباه وتريث واستشهدت "هدى الجربوع" -معلمة تربية إسلامية- بالآية القرآنية: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» -سورة الحجرات-، مضيفةً أنها لا تنعت كل مغرد بشبكات التواصل الاجتماعي بأنه فاسق، لكن يجب الانتباه والتريث والتأكد من شخصية المغرد وعلمه وثقافته، وكذلك مبادؤه قبل أن نحاول إعادة التغريدة، فلا نطلق العنان ل"الكيبورد" لينطلق بما شاء من الكلام، مبينةً أن كل تغريدة هو مسؤول عنها أمام الله، وسيأتيه من يعيد تغريدته، موضحةً أن كل مغرد نقل دونما تأن وكذلك كل من أعاد تغريدة موقناً بخطورتها وحجم الإساءة التي ستخلفها للشخص المقصود أو على المجتمع فهو يحمل وزرها يوم القيامة، وعليه ما على المغرد الذي أطلق التغريدة؛ لأن الله إذا حرم أمراً حرم الوسائل الموصلة إليه والموقعة فيه، مُتأسفةً على انطلاق التغريدات من أشخاص يحملون أسماء وهمية، بثت الشائعات والافتراءات العارية من الصحة وخاصة في أوقات الأزمات، ذاكرةً أن ما يؤلم هو الكذب والافتراء في نقل الأخبار غير الموثوقة وتطاير الشائعات حولها من خلال تغريدات لأشخاص لا نعلم من هم والله أعلم بهم. وشدّدت على أهمية الابتعاد عن إعادة التغريد وعدم المشاركة في الإثم، وكذلك كل تغريدة نشك في مصداقيتها، حتى وإن كانت من أشخاص معروفين، خاصةً كل ما من شأنه المساس بالبلد وأهله، مبينةً أننا نعيش في زمن يكثر فيه ترويج الاشاعات ولابد من أن يكون هناك منهج واضح ومحدد نتعامل به مع التغريدات، التي تُعبّر عن الأخلاق التي تربى عليها صاحبها والأفكار التي يؤمن بها. خيال واسع وقال "عبدالله الجارالله" -معلم-: للأسف ما نلاحظه الآن في مواقع التواصل الاجتماعي خاصةً "تويتر" هو "الرتويت" المسيء للأندية ورؤسائها واللاعبين، وكذلك التراشق بالكلمات البذيئة وإطلاق النكات السخيفة بصورة بعيدة كل البعد عن روح الرياضة والأخلاق وتعاليم الدين، وبالذات من حسابات أصحابها اختفوا وراء الأسماء الوهمية، فهذا يكيل والآخر يسب، مبيناً أن هذا التراشق يأتي في المرتبة الثانية بعد تغريدات قضية الطفلة "لمى الروقي"، وبعد أن أطلقوا ما شاء لهم الخيال الواسع أن يطلقوه عنها وأسرتها وما واكب قصتها من أحداث. وتأسف "عبدالرحمن الحامد" -موظف- مما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي بلا استثناء من "الرتويت" الأعمى، وإعادة النشر لأشخاص غير معروفين، خاصةً عندما تكون التغريدة مشكوك في صحتها، مضيفاً أن هناك أناساً قابلين للتصديق ويتفاعلون بشكل عجيب مع كل ما ينشر من روايات اصطنعها أصحابها، والأدهى أنها قابلة للتحريف والزيادة حتى أقلقت الأبرياء.