في مقال تم نشره في «عكاظ» تحت عنوان ( البونس .. بين المحسوبية ومكافأة المتميزين )، طالبت في مثل هذا التاريخ من العام الماضي مؤسسات الأعمال بضرورة إعادة النظر في المعايير الخاصة بمنح البونس وهو مكافأة الأداء السنوي للموظفين التي ينتظرها منسوبو الشركات في الفصل الأول من كل عام بعد إعلان الشركات لنتائجها المالية، ومعرفة مستوى التقييم السنوي لكل موظف، وذلك بعد تزايد شكاوى موظفين في القطاع الخاص من تدخل اعتبارات شخصية وعوامل غير مهنية في تحديد استحقاق البونس أو مقداره وعلى نحو لا يحقق العدالة بين الموظفين حتى وإن أدى لتحقيق المساواة بينهم !. ولأن صرف البونس لا يتعلق فقط بتحفيز العاملين بل ينعكس أيضا وبشكل وثيق على أداء الشركات وأرباحها، فقد بادرت بعض مؤسسات الأعمال لاسيما الكبرى منها إلى تطوير معاييرها الخاصة بمنح البونس على نحو يحيد عوامل المحسوبية البغيضة والشللية الممقوتة أو حتى القرارات المزاجية البعيدة عن تحقيق العدالة وذلك بوضع قواعد مهنية واضحة لصرف مكافأة الأداء ؛ تسري على جميع الموظفين باختلاف درجاتهم الوظيفية. ورغم التقدم الملحوظ الذي تم إحرازه على آلية استحقاق البونس وتحديد مقداره، إلا أن بعض الشركات التبس عليها الأمر في هذا الخصوص بين تطبيق معياري المساواة والعدالة حيث نجحت في تحقيق المبدأ الأول وهو (المساواة) في حين غاب عنها بدون قصد تحقيق المبدأ الثاني وهو (العدل) بعد أن ربطت فقط بين مقدار البونس من جانب، وبين مستوى تقييم الأداء الذي حصل عليه الموظف من الجانب الآخر وبدون أن تضع في الحسبان بعض الاعتبارات الأخرى الهامة وذات الصلة. والإشكالية فيما تقدم هي أن معيار المساواة رغم أهميته قد لا يحقق بالضرورة معيار العدل لأن منحك مصروفا متساويا لأبنائك على سبيل المثال قد لا يؤدي للعدل بينهم رغم المساواة الظاهرة فيه! إذ لا بد من مراعاة الاختلافات والعوامل الشخصية لكل منهم كأعمارهم وجنسهم وطبيعة دراستهم واحتياجاتهم ومعاناة بعضهم من إعاقات أو ظروف خاصة. ولتوضيح ما تقدم فلنفترض أن شركة ما اعتمدت نتيجة تقييم الموظف كمعيار وحيد يتم بموجبه منح بونس مقداره عدد معين من الرواتب لكل موظف حاصل على تقييم محدد، وعليه فإنه وفقا لذلك سيتم مساواة جميع العاملين ذوي التقديرات المتماثلة، في مقدار البونس المستحق، مع استبعاد الوزن النسبي لأهمية الأعمال المختلفة التي يؤديها الموظفون ونتائجها الإيجابية على ربحية الشركة أو تحسين أدائها، وبالتالي عدم احتساب خصائص الوظائف، ودرجة تعقيدها، وأبعاد مسؤوليتها، وندرتها وحساسيتها، ومدى الطلب على شاغليها في سوق العمل، وكذلك من حيث مستوى تأثيرها على مبيعات المؤسسة وأرباحها، أو قدرتها على المنافسة، أوسمعتها وصورتها الذهنية أمام كلٍ من الرأي العام والأجهزة الإشرافية والعملاء. أيضا فإن هناك جانبا آخر مهما للموضوع هو ضرورة تأكد مؤسسات الأعمال من عدالة الأسلوب الذي يتم بموجبه تحديد درجة التقييم الوظيفي باعتباره المحدد الأبرز لاستحقاق البونس وبحيث لا يترك قرار تحديده بالكامل إلى الرئيس المباشر للموظف بدون أن يتاح له حق الاعتراض على التقييم لو وجده ظالما ويضيع عليه حصاد جهد عام كامل لأن من شأن ذلك المغامرة بربط المسار المهني للموظف ومكافآته وأدائه وربما الزيادة السنوية التي يمكن أن يحصل عليها، وأي مزايا مادية أو معنوية أخرى، بشخص واحد هو الرئيس المباشر الذي قد يكون منصفا أو قد يكون غير ذلك، وبذلك فإن تقييمه قد يخضع للأهواء وطبيعة العلاقة الشخصية التي تربطه بمرؤوسيه. وعليه فإنني أعتقد أنه لابد من أن يكون لإدارات مؤسسات الأعمال ممثلة في أقسام الموارد البشرية دور ملموس في تحقيق العدالة بين الموظفين على اعتبار أن الموارد البشرية هي صمام أمان رئيسي لحفظ حقوق كل من المؤسسة والعاملين، وصيانتهما من تعدي بعض المديرين المباشرين أو من بعض الإداريين الذين لا يراعون الله في أداء الأمانة التي أوكلت إليهم، كما يتعين على وحدات الموارد البشرية أن تكون حكما عادلا للفصل في الخلافات التي قد تنشأ بين الموظفين ومرجعياتهم الإدارية. ويجدر التأكيد هنا على أن مخاطر انفراد مسؤول واحد باتخاذ القرارات الهامة لا يقتصر على الحياة الوظيفية للعاملين باعتباره مدعاة للتسلط والانحراف الإداري الذي يؤدي إلى نتائج قد تكون وخيمة على المستقبل المهني للأفراد بل إن خطورته قد تطال أيضا أداء مؤسسات الأعمال، وقدرتها على المنافسة، وحفاظها على رأس المال البشري المتميز الذي يزداد الطلب عليه في بيئة عمل تتسم بالتنافسية الشديدة.. ختاما، فإن حل هذه الإشكالية في تقديري يكمن في قيام مؤسسات الأعمال بتعزيز قيم الشفافية والعدالة إضافة للمساواة عند وضع معايير منح البونس ومقداره، مع ومراعاة الأوزان النسبية للوظائف، وتقدير أهميتها وتعقيدها ودورها في ربحية الشركة، وأن يتم إيلاء هذا الأمر ما يستحقه من اهتمام من قبل مجالس الإدارات ولجانها المعنية بالموارد البشرية إضافة للأجهزة التنفيذية لضمان تحقيق العدل إلى جانب المساواة في كل ما يختص برعيتهم التي سيسألون عنها أمام الله في يومٍ لا ينفع فيه منصب تنفيذي رفيع ولا درجة وظيفية عليا إلا من أتى الله بقلب سليم.