يترقب عشرات الآلاف من موظفي القطاع الخاص الموسم السنوي لصرف «البونس» خلال الأسابيع القادمة، حيث يمتزج أمل الكثيرين منهم مع القلق. و«البونس» هو حافز مالي أو مكافأة نقدية، غالبا ما يتم صرفه بواقع مرة واحدة في العام، وتقدمه بعض شركات وبنوك القطاع الخاص ولا سيما الكبرى منها لموظفيها المحققين لأهداف الشركة في مجالات أعمالهم وبمختلف درجاتهم على الهيكل التنظيمي؛ في حين يتم استثناء أصحاب التقديرات المنخفضة من الحصول عليه. وغالبا ما تشترط الشركة إكمال الموظف لفترة زمنية معينة في خدمتها قبل تأهله لاستحقاق مكافأة الأداء السنوي. ويتم عادة صرف «البونس» للموظفين في تاريخ يتزامن مع بداية العام المالي الجديد أو خلال الربع الأول منه، وذلك بعد أن يتم الإعلان عن النتائج المالية للشركة، والتي تظهر تحقيق أرباح تتفق مع أو تتجاوز الأهداف الربحية المحددة سلفا. وعلى الرغم من أن الهدف الرئيس هو تحفيز الموارد البشرية لتحقيق المزيد من العطاء والتميز في الأداء، إلا أن هناك جانبا سلبيا ينتقص كثيرا من تحقيق هدف تحفيز الموظفين، وأقصد بذلك عدم عدالة أو ضبابية المعايير التي يتم على ضوئها تحديد مقدار «البونس» في بعض شركاتنا الكبرى، الأمر الذي يترتب علية شبهة الفساد الإداري بسبب غياب المعايير المهنية، وتقدم اعتبارات أخرى لا تمت بصلة للعدالة في تحديد مقدار «البونس»، ومن أبرزها المحسوبية والولاء الشخصي والعلاقات الأسرية. ومن المؤكد، فإن حل مثل هذه التجاوزات في غاية البساطة، ولا يتطلب دراسات ولا بيوت خبرة أجنبية، كما أنه مطبق ومنذ عقود في العديد من الشركات الوطنية وذات السمعة المحترمة في المملكة، ويتمثل في ربط مقدار «البونس» تلقائيا بمستوى تقييم الأداء الذي حصل عليه الموظف، وبحيث يكون لكل مستوى تقييم عدد محدد من الرواتب، على أن ينطبق هذا المعيار على جميع منسوبي المؤسسة بصرف النظر عن تراتبيتهم أو درجاتهم الوظيفية، وبذلك يتم منع حصول كبار التنفيذيين على الحصة الأكبر من «البونس»، في حين لا يتبقى لموظفي الإدارة الوسطى وصغار العاملين إلا الفتات، على الرغم من أنهم الأدوات الأهم في تحقيق أرباح وأهداف الشركة. ويتم تحديد المبلغ الإجمالي ل«البونس» الموزع على جميع العاملين، وفق نسبة مئوية من صافي دخل الشركة، بعد أن يتم الاتفاق بشأنها بين كل من الجهاز التنفيذي ومجلس الإدارة، حيث تتفاوت تلك النسبة بين 1 % و5 % من الدخل الصافي؛ لذلك فإن إجمالي المبلغ قد يصل إلى عشرات ملايين الريالات في الشركات الكبرى ذات الربحية العالية في حين يتجاوز في بعضها مئات الملايين. ومن أبرز الملاحظات التي أمكن رصدها في موضوع مكافآت الأداء هو استئثار كبار تنفيذيي الشركات على النصيب الأكبر من المبلغ الإجمالي المخصص، وهو ما يعرف بال«Pool»، حيث يمكن أن يذهب ما يتراوح بين 25 % و40 % من إجمالي مخصص «البونس» إلى عدد محدود جدا من كبار مسؤولي الشركة السعوديين، ومن في حكمهم من الخبراء الوافدين، في حين يتقاسم مئات أو آلاف الموظفين الآخرين المبلغ المتبقي؛ الأمر الذي يعكس من وجهة نظري خللا تنظيميا وأخلاقيا يتعين على مجالس الإدارات التدخل لتصحيحه من أجل الحفاظ على جاذبية بيئة عمل الشركة وزيادة تنافسيتها حين يتعلق الأمر باستقطاب أفضل المواهب والكفاءات والحفاظ عليها. كما لوحظ أن بعض الشركات والبنوك تفتقر لوجود معايير دقيقة لتحديد مبلغ «البونس»، في حين يتم الاستعاضة عن ذلك بإرشادات عامة تتسم بالضبابية ويسهل التلاعب بها من قبل المديرين لو أرادوا ذلك الأمر الذي يفتح مجالا واسعا لممارسات إدارية غير عادلة بحق الموظفين الأكفاء، ولا سيما إذا كانوا ممن تشوب علاقاتهم الشخصية أو المهنية توترات، سواء مع رؤسائهم المباشرين أو مع قياديي الشركة أو بعض كبار موظفيها المتنفذين. وأختم بأن أهم ما يتعلق بموضوع «البونس» هو أهمية وسرعة تدخل مجالس إدارات الشركات من أجل ضبط وتقنين مكافآت الأداء السنوي للموظفين، وفق معايير واضحة وموضوعية وواقعية، تغلق أبواب الفساد الإداري وتحقق الإنصاف، وتحفز العاملين، وتنعكس إيجابيا على أداء المنشأة، وتسهم في انخفاض معدل دوران موظفيها، وتعزز صورتها العامة لدى كافة أصحاب العلاقة. [email protected]