يقول شاعر على سبيل المبالغة في مدح رجل كريم: تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت نائله ولو لم يجد في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله ولم يزل الكريم محل مدح وثناء عبر التاريخ، ولم يزل يجد من يخدمه ويسارع إلى إقالة عثرته لاسيما من قبل الذين يقدرون الكرام من الرجال ولكن في المقابل نجد البخيل يتبرم ويغضب ويشكو لطوب الأرض من عقوق من حوله لأنه طلب منهم مساعدته في أمر من أمور حياته فلووا رؤوسهم وصدوا عنه صدودا مع أن ما حصل ضده من تجاهل وتخل وجفاء أمر طبيعي لأن العرب تقول «لا يخدم بخيل»، لأنه أناني لا يحب إلا نفسه ولا تهمه أحوال الآخرين فكيف يلومهم إن هم لم يهتموا بأحواله وتخلوا عنه وقد تخلى عنهم من قبل! وأقبح أنواع البخل المعنوي وهو أن يبخل إنسان ما بشفاعته الحسنة لقضاء حاجة إنسان آخر جاء طالبا شفاعته في أمر من أموره ودافعه للبخل المعنوي أنه يريد الاحتفاظ بجميع أوراق الشفاعات الحسنة التي يملكها لنفسه ولولده وربما لنفسه فقط فيتهرب من بذل الشفاعة الحسنة وتدور عيناه كالذي يغشى عليه من الموت حتى ينصرف طالب الشفاعة بائسا فيهتف البخيل: «علة وانزاحت!!». ومن البخلاء من يسخر من تحت يديه من مرؤوسين وضعفاء لخدمته وقد يكون بعضهم غير مطلع على خلائقه في البخل، فإذا أتموا ما طلبه منهم لم يحظوا منه حتى بكلمة شكر وتقدير لأن بخله المادي والمعنوي يملي عليه حبس الكلمة الطيبة عنهم حتى لا يطمعوا في الجائزة، ومنهم من يقدم لمن خدمه الشكر «حافا»، فينطبق عليه ما قاله شاعر مغن ظل ينظم القصائد ويغنيها بين يدي غني بخيل ويسمع منه عبارة: أحسنت زدني، حتى إذا جاء موعد العشاء قام البخيل إليه وترك شاعره المغني وراءه دون أن يقول له: تفضل الله يحييك، فلما تكرر هذا الموقف من الغني البخيل قال: إن تغنيت قال: أحسنت زدني وبأحسنت لا يباع الدقيق!