تتبع الدول عدة سياسات واستراتيجيات في حالة وجود فائض مالي في الموازنة السنوية، لصرف المبالغ الإضافية، وذلك للحيلولة دون بقاء هذا الفائض كاحتياطي يؤدي إلى التضخم، ومن أهم هذه الاستراتيجيات هي زيادة المصروفات على مشاريع البنية التحتية التي تخدم الدولة والمواطن لسنوات مقبلة. وقد اعتمدت الدولة، في العام المنصرم 2013م، صرف نسبة كبيرة من مبالغ المصروفات في الميزانية على مشاريع البنية التحتية، ولكن تعثر أكثر من 30 في المائة من المشاريع المعتمدة لعدة أسباب يختلف المحللون على تصنيفها وتختلف الأسباب والحلول، يجعلنا نفكر مليا طرح وابتكار حلول قد تشارك في تجاوز هذا التعثر الذي بات العثرة الأكبر أمام تنمية البنية التحتية من ناحية، وشعور المواطن والتماسه بفائدة تعود عليه من هذه الموازنات الضخمة. وبنظرة عامة، أجد أن هناك عوامل مهمة وأسبابا واضحة لتعثر هذه المشاريع من جهة، وقلة جودتها من جهة أخرى، والتي قد نجد بعض الحلول لها، ومن أهمها عدم تصنيف المشاريع حسب الأولوية، حيث إن كان هناك رؤية لمشاريع مهمة خلال العام الحالي ومشاريع أخرى ذات أهمية بالغة، ولكنها ليست ذات أولوية آنية في التنفيذ، ويمكن أن نصبر عليها لسنة أخرى أو لسنتين في التنفيذ أو الشروع في التنفيذ لخفض الضغط الزمني على الشركات والمقاولين، فمثلا، بالإمكان أن تدخر وزارة المواصلات بعضا من مشاريع الإنارة والترصيف لسنتين أخريين مقابل مضاعفة وتيرة بناء الكباري والأنفاق، وبإمكان البلديات تخفيض مشاريع الحدائق لسنوات قادمة، وتركز في المقابل على ما هو أهم وذو أولوية قصوى في التنفيذ، حيث إن التواصل والتناغم بين استراتيجية الدولة واستراتيجية الوزارة هو أمر في غاية الأهمية، حيث لا يمكن أن تنفرد الوزارة باعتماد مشروع يخالف ولا يخدم توجه الدولة. كما أن السماح بنظام يساعد على تكتلات الشركات الصغيرة لقيادة بعض من المشروعات التنموية هو توجه حيوي وهام، وذلك نظرا لقلة المقاولين من ناحية، واحتكار أعمال المقاولات لدى شركات كبرى فقط، والتي بدورها تسلم هذه المناقصات لعدة شركات صغيرة بالباطن، وهي التي تؤدي الأدوار التنفيذية فعليا وعمليا في العديد من مشاريع البنية التحتية. وهذا، بالإضافة إلى أن المرحلة القادمة تتطلب نوعيا تعديل لوائح وزارة العمل فيما يخص المقاولين؛ لإعطائهم بعض الامتيازات من حيث اشتراطات الاستقدام ونطاقات، ويكون ذلك لمدة محددة على أن يتم مراجعتها بعد عدة سنوات، وذلك نظرا لأن قلة العمالة لدى المقاولين هي من الأسباب الرئيسية لتوقف بعض المشاريع أو بطء تنفيذها. وهناك متطلبات أخرى لضمان مرونة تنفيذ المشاريع ابتداء من نقطة البداية وقبل انطلاقتها، ومنها تصنيف وتأهيل استشاريين عن طريق عدة جهات ذات خبرات واحترافية عالية في التقييم مثل «أرامكو» على سبيل المثال ووضع تصنيف لهؤلاء الاستشاريين. وأيضا تخفيف لوائح الوزارات ذات الصلة المباشرة بالمشاريع كوزارة المالية والتجارة، وجعلها أكثر مرونة في إصدار وإنهاء المعاملات باستعمال التقنية وغيرها. وإعادة تصنيف المقاولين سنويا حسب الأداء، أو وفقا للمشاريع المتعثرة، والسماح بمقاولين من الخارج وتخفيف لوائح واشتراطات استثمارهم داخل المملكة، مع العمل على توظيف خبراتهم وكفاءتهم بآلية جديدة. ولا نغفل تفعيل دور اللجان والهيئات المساعدة كلجنة المقاولين بالغرف التجارية وغيرهم ومضاعفة التواصل معهم من قبل الدولة. وأخيرا.. يجب أن نركز ونوحد رؤيتنا حول الاهتمام بالجودة دائما، وهو المطلب الأهم للحفاظ على هذه المشاريع والمال العام.