أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة يرحب باعتماد الجمعية العامة قرار سيادة الفلسطينيين على مواردهم الطبيعية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يدعو الدول الأعضاء إلى نشر مفهوم الحلال الأخضر    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    جرائم بلا دماء !    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الحكم سلب فرحتنا    الخرائط الذهنية    «خدعة» العملاء!    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    عاد هيرفي رينارد    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    لماذا فاز ترمب؟    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    علاقات حسن الجوار    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    هاتفياً.. ولي العهد ورئيس فرنسا يستعرضان تطورات الأوضاع الإقليمية وجهود تحقيق الأمن    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    انعقاد المؤتمر الصحفي للجمعية العمومية للاتحاد الدولي للخماسي الحديث    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    عصابات النسَّابة    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    أجواء شتوية    مقياس سميث للحسد    الذاكرة.. وحاسة الشم    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العقود.. تأخر الاستحقاقات.. ضعف المواطنة.. بطء التقاضي وراء تعثر المشاريع
نشر في عكاظ يوم 15 - 04 - 2013

لماذا تتعثر المشاريع في بلادنا؟ ولماذا تكلفة المشاريع العامة لدينا أعلى من نظيراتها في الدول الأخرى؟
سؤالان كبيران يطرحهما الجميع في المجالس والمكاتب وفي كل مكان بطول وعرض الوطن، الجميع يشخص الداء، والجميع يبحث بحيرة عن الدواء ولا يجده، لماذا؟
تناقش ندوة «عكاظ» هذين السؤالين في محاولة لإيجاد وصفة دواء حقيقية ودقيقة لداءين عضالين يثقلان كاهل الوطن ويستنزفان المال العام.
هناك من يلقي باللائمة على الآلية التي تنتهجها وزارة المالية، ويتهمها بالتأخر في صرف المخصصات ويطالب بإعادة النظر في عقود الأشغال العامة، وآخرون يشخصون الداء بنوعية المقاولين الذين ينفذون المشاريع ويصفونها بالرديئة وغير المؤهلة، وغيرهم يلقون باللوم على الوزارات والجهات الحكومية نفسها، أين هو مكمن الخلل؟
- د. صدقة فاضل: أعتقد أن وراء تعثر المشاريع عوامل كثيرة في المجتمع، هناك معطيات في البيئة التي نعيش فيها تؤدي ليس إلى تعثر بعض المشاريع العامة وحسب، ولكن إلى تعطل الكثير من التطلعات العامة، ويمكن القول بأن هناك ثلاثة أطراف رئيسة، هي:
أولا: الجهة الحكومية المسؤولة وتتمثل في الوزارة أو الهيئة أو المؤسسة الحكومية، هذه الجهة أو الحكومة هي الطرف الرسمي صاحب المشروع والمشرف على إقامته وتنفيذه، وقد يكون المشروع طريقا أو مدرسة أو حديقة أو مستشفى، إلى آخره من عناصر البنية التحتية للبلاد، ما يعني معظم المشاريع،خاصة أن البنية التحتية لدينا ما تزال بحاجة إلى إنشاء، ولا أقول إلى تطوير؛ لأنه في بعض مناطق المملكة لا توجد بنية تحتية تذكر أو يمكن الحديث عنها، والمشاريع العامة لا تقتصر فقط على البنية التحتية، وإنما هناك مشاريع نفعية في مجالات مختلفة، لا أريد الدخول في تفاصيلها.
ثانيا: الجهة المنفذة للمشروع، وهي الشركة أو المؤسسة أو الطرف الذي يتولى المشروع على أرض الواقع مقابل تكلفة معينة متفق عليها، وغالبا ما تكون هذه الجهة مقاولا أو يندرج أو يدرج ضمن ما يعرف بالقطاع الخاص.
ثالثا: الوسط الذي تقام فيه المشاريع، أي البيئة التي تتم فيها ولها إقامة المشروع المعني، ويشمل الوسط المكان والزمان الذي يقام فيه المشروع.
وإذا اعتبرنا هذه هي الأطراف الرئيسة فيما يتعلق بالمشاريع الحكومية، خاصة في بلادنا، نحاول أن نشخص أو نرى لماذا تتعثر هذه المشاريع؟
أولا: أعود إلى ما بدأت به حديثي، أن بيئتنا فيها معطيات تؤدي إلى تعثر ليس فقط المشاريع، ولكن الكثير من أمورنا التنموية المختلفة، والدخول في تفاصيل هذه المعطيات ربما ليس من ضمن موضوع ندوتنا هذه، ولكن تعثر أي مشروع حكومي في بلادنا يمكن أن يتسبب فيه الطرف الحكومي أو المقاول المنفذ أو الوسط أو كل هذه الأطراف الثلاثة مجتمعة، فالحكومة تسير حسب العقد وكذلك المقاول، ولكن قد تجد في البيئة معطيات تؤدي إلى تعثر المشروع، فالطرف الحكومي قد يتسبب بتعثر المشروع بترسيته على منفذ غير مناسب، أو بعدم الوفاء بشروط العقد، أو بالتأخير في متطلبات وشروط عقد التنفيذ، أو بغير ذلك من تعطيلات بيروقراطية.
أما الطرف المنفذ للمشروع أو المقاول، فقد يتسبب في تعثر المشروع أو حتى في إجهاضه بسبب تواضع إمكاناته وعدم ملاءمتها لحجم المشروع، أو لعدم وفائه بشروط العقد ومماطلته وتأخيره، وما إلى ذلك.
وقد يتسبب الوسط في تعثر وقتل المشروع سواء في بدايته أو بعد الشروع في تنفيذه، نتيجة تغير في هذا الوسط أو في النظم، أو في القوانين أو في المسارات العامة للأحداث.
ونأخذ مثالا على تغير القوانين، عندما صدر قرار بأن كل عامل أجنبي يدفع 200 ريال في الشهر، هذا تغير في الوسط، انعكس بشكل أو بآخر على بعض المشاريع بالسلب، وأدى إلى تعثرها، وهذا مثال واضح كيف أن الوسط يمكن أن يتسبب في التعثر.
الفساد الإداري
ويضيف فاضل: أعتقد أن أغلب حالات تعثر المشاريع العامة تأتي من الطرف المنفذ للمشروع أو المقاول، لكن حالات التعثر قد تحصل من الجهات الحكومية أيضا، ومن الوسط، خاصة في بلادنا،وفي هذه المرحلة التي تكون فيها بعض المشاريع غير مدروسة في الواقع وبعضها مرتجل، وهذا لا يعفي الطرف الحكومي من المسؤولية، بسبب ما قد يبديه من تقاعس أو لعدم اختيار للمقاول المناسب، أو لعدم محاسبة المقصرين، بسبب المحسوبية والواسطة أو غير ذلك من الأسباب، التي قد يأتي الفساد الإداري في قمتها، وهو سبب رئيس من أسباب كل بلية في هذا المجتمع، بما في ذلك تعثر المشاريع، وتأثير الفساد السلبي لا يقتصر على تعثر المشاريع، وإنما يمتد ليشمل كل قطاعات الحياة في الواقع، وأظن أن مساهمة الوسط في تعثر المشاريع العامة تقل كثيرا عن مساهمة الجهة الحكومية أو المقاول المسؤول عن التنفيذ.
هناك في مجتمعنا معطيات تؤدي إلى التعثر، وإلى مشاكل أخرى في شتى مجالات الحياة العامة، وشخصيا أضع على رأس هذه المعطيات عدم وجود مساءلة حقيقية للمقصر، وغياب المحاسبة المناسبة التي تتلاءم وتقصيره.
من المسؤول؟
«عكاظ»: ولكن الطرف المنفذ – كما نسمع – غالبا ما يكون مقاولا من الباطن، يكون قد قبض ثمنا بخسا لتنفيذ المشروع، بعد أن اقتطعت سلسلة طويلة من المقاولين قبله الجزء الأكبر من كعكة المشروع، ما يسبب التعثر ورداءة التنفيذ، أليس كذلك؟
- د. وديع كابلي: في الحقيقة، كل الأسباب الواردة في تقديمك مجتمعة تتسبب في التعثر، وهناك تعثر عام وليس فقط مشروعات البنية التحتية والمقاولات في الجهات الحكومية، وإذا أردنا أن نضع النقاط على الحروف يجب أن نكون واضحين في تحديد المسؤولية؛ لأن هناك جهة قوية ومسيطرة وجهة ضعيفة، جهة تقود وتأمر ولها سلطات تنفيذية وجهات أخرى تتلقى وليس لها القدرة على أن تحرك الأمور بينما هي تابع وليست محركا رئيسيا، وبلا شك إذا أردنا أن نحدد جهة معينة نقول إن وزارة المالية تلعب دورا كبيرا في تعثر كثير من المشاريع لعدة أسباب، منها أن وزارة المالية ليست مؤهلة لأن تقرر السياسات الاقتصادية للبلد، والدور الحقيقي المناط بها مجرد أن تصرف المبالغ المقررة، والمفروض أن هناك جهات أعلى وهي وزارة التخطيط، هي التي يجب أن تخطط للمشاريع على مدى الخمس سنوات المقبلة، وتحدد الأولويات، وما الذي ينفذ هذه السنة، وما الذي ينفذ السنة المقبلة، وما على وزارة المالية غير أن تصرف تلك المبالغ للجهات التي قررت الجهات الرسمية العليا أن توكل لها تنفيذ تلك المشاريع.
ولكن مع الأسف، في كثير من الأحيان تتدخل وزارة المالية بإدارة شؤون الاقتصاد الوطني، وهذا ليس من تخصصها، إنما من تخصص وزارة التخطيط والاقتصاد الوطني؛ لأن مهمة إدارة الاقتصاد الوطني مهمة كبيرة وأكبر كثيرا من مؤهلات وإمكانيات وزارة المالية التي دورها أن تتحصل على الإيرادات وتقوم بإنفاق المصروفات للجهات المختصة، وهذا سبب أيضا في خروج المسار عن الخطط المرسومة، وتدخل وزارة المالية في تأجيل بعض المشاريع وتقديم بعض المشاريع، وإعطاء بعض الوزارات ما تطمح إليه وأكثر، وبعض الوزارات أو الجهات لا تعطيها، كما هو ملاحظ من شكوى بعض البلديات وغيرها، وكل وزارة ترفع بميزانيتها لوزارة المالية لتناقشها فيقوم المسؤول – وبعض الأحيان لا يكون له علم كبير بمتطلبات هذه الوزارة – فيقول له مثلا نريد مستشفى 500 سرير، فيقول له: لماذا 500 سرير، 250 سريرا تكفي، ويتحول الموضوع إلى مفاصلة لتخفيض المصروف، وعندما تطرح المناقصات تطلب أقل الأسعار، وعندها ستأتيك أردأ النوعيات ويتقدم إليها من هم غير مؤهلين، لأن الشركات المؤهلة لا تستطيع أن تغطي نفقاتها؛ لأن لديها مهندسين وعمالا مؤهلين ومعدات، ولا تستطيع أن تنافس الشركات العشوائية التي ليس لديها مهندسون ولديها عمالة رديئة، فيحصل أن هذه المناقصات يأخذها من يتقدم بأقل عرض ممكن، وهذا أسلوب خاطئ؛ لأن المفروض أن المشاريع لها مواصفات معينة ويجب أن تستوفي تلك المواصفات كما تفعل شركة أرامكو مثلا، فهي لا تقبل المؤهلات الضعيفة، ولكن تنظر إلى الشركة وإلى العرض، وتقول مثلا: إن هذا المشروع سيكلف 100 مليون ريال تقريبا، فتأخذ بهذه الحدود، أما أن تأتي شركة وتقول أنا أنفذ المشروع ب50 أو ب70 مليونا، وأنا أعرف أن هذا غير ممكن بحسب المواصفات التي وضعتها، فهذا معناه إهدار للموارد وليس توفيرا؛ لأنك بهذا الشكل تهدر المبلغ وفي النهاية لن ينفذ المشروع أو ينفذ بمواصفات رديئة؛ لأن المبلغ لن يكفي، وهذه مسؤولية وزارة المالية وتدخلها في هذه الأمور أدى إلى تعثر كثير من المشاريع، وهذا طبعا لا يرفع اللوم عن المقاولين المتعثرين ولا عن الجهات التي رفعت بهم للمالية، والمشكلة أن كثيرا من المقاولين لا يوفون بالتزاماتهم، أو يأخذون المشروع برغم أن التكلفة مجزية، ولكن الجشع يؤدي به إلى أنه لا ينفذه بالشكل المطلوب.
مركزية التنفيذ
ويضيف كابلي: لا شك أنه كما ذكر الدكتور صدقة، الفساد الإداري والواسطة تلعب دورا كبيرا في تعثر بعض المشاريع، حيث تتغلب المصلحة الخاصة لبعض الأفراد على المصلحة العامة للبلد، هناك مواضيع متعددة لا أريد أن آخذ الوقت الطويل للحديث عنها لأنها ستأتي أثناء النقاش، لكن إذا كانت هناك مركزية في التخطيط والمتابعة والإشراف، فيجب أن تكون لدينا عدم مركزية في التنفيذ، بمعنى أن الميزانيات تعطى للمنطقة أو للإمارة أو للجهة، ثم كل جهة مسؤولة عن مشاريعها، وما على الجهات المركزية غير التخطيط وتسليم المشاريع المطلوب عملها والمدد الزمنية ومتابعتها والإشراف عليها، مع محاسبة وشفافية كاملة، بحيث يظهر ما الذي نفذ وما الذي لم ينفذ، وتعطى بذلك لتلك الجهات صلاحيات كبيرة، أما أن تضطر للرجوع لوزارة المالية، فهذا فيه تعطيل وفيه إفساح مجال للفساد الإداري.
وزارة الأشغال
«عكاظ»: هل الحل في عودة وزارة الأشغال العامة لتتولى تنفيذ المشاريع، كما اقترح - الدكتور صالح بن سبعان - في مداخلته الهاتفية، بعد أن حال عارض صحي ألم به دون مشاركته معنا؟
- د. نبيل عباس: وزارة المالية جزء من المشكلة وليست كل المشكلة وكونها هي غير مؤهلة لوضع الخطط فهذا شيء طبيعي، فلا تستطيع أن تأتي لطبيب وتقول له ارسم لي خريطة بيت ولا العكس، ولا تأتي للمهندس وتقول له عالج ابني، ووزارة المالية لها دور مختلف تماما عن التخطيط الذي هو مطلوب من وزارة التخطيط والاقتصاد، ووجهة نظري أن هذه جزئية صغيرة «مشكلة وزارة المالية ووزارة الأشغال»، ولو فككنا المشكلة قليلا، نأخذ من كلام الدكتور صدقة الذي بدأ به، أن هناك ثلاثة أطراف في صناعة التشييد هم المقاول والمالك والاستشاري، يحكمهم نظام هم يختارونه ليكون قانونهم، يشمل عقدا ومواصفات وإجراءات وخلافه، وهؤلاء ليسوا موجودين في فراغ، بل موجودون في مناخات مختلفة، وأقرب مناخ لهم هو صناعة التشييد، ويجب معرفة هل هذه الصناعة متطورة وناضجة أم ما تزال تحبو؟، هل هي كثيرة الاستخدام للأيدي العاملة أم للمعدات والتقنيات؟، وهكذا، وخارج هذا هناك نظام اقتصادي في البلد، وقوانين فيها رواج أو كساد، وهذه كلها مؤثرة سلبا وإيجابا على عملية البناء، وخارج هذا كله أيضا لدينا مناخ التشريعات والقوانين والقضاء، وخارج هذا كله هناك مناخ عام للدولة، وكل واحد من هذه المناخات يؤثر سلبا أو إيجابا على المناخ الذي بعده، وعلى صناعة التشييد، وعلى المشروع في نهاية المطاف.
ويضيف عباس: أجريت بحثا في السابق خلصت فيه إلى أن هناك قرابة 80 سببا يمكن لها أن تسهم في تعثر المشاريع، فإذا قلنا مثلا: هل تأخير استحقاقات المقاول هي السبب؟ نعم، هو أحد الأسباب، وقد يكون هو أهم الأسباب، وقد قرأت في أبحاث دولية أن في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أهم سبب لتأخير المشروعات هو عدم تسليم المقاولين مستحقاتهم في وقتها، لكن عندهم هناك أنظمة مختلفة، وليس بالضرورة أن يكون في كل مشروع متعثر عندنا ال 80 مشكلة موجودة، ومن هذه الأسباب:
- شيء يخص المقاول نفسه، كضعف مستواه الإداري، مستواه الفني، قدرته المالية، وهكذا.
- شيء يرجع للمالك، كقدرته المالية، إدارته، الأفراد الذين يعملون عنده، ونفس الشيء بالنسبة للاستشاري.
ينظم عمل هؤلاء جميعا عقد، هذا العقد قد يكون جيدا أو سيئا، المواصفات والرسومات وهكذا، بمعني أن تكون مستندات التعاقد سيئة، جيدة، صحيحة، خاطئة، وناقصة، هذا كله يسبب مشاكل، وخارجا عن هذا كله لدينا إطار اللوائح المنظمة للعمل التشييدي في الدولة، نظام المشتريات الحكومي، القوانين المنظمة للعمالة، والاستيراد، هذه كلها عوامل مؤثرة سلبا وإيجابا.
وكل هذا داخل إطارات القضاء والقوانين، ولو قارنت صناعة التشييد فقط في المملكة ستكتشف أن لدينا فقرا تشريعيا هائلا جدا، مقارنة بالدول التي نظمت صناعة التشييد منذ زمن، أولا ليس لدينا شيء اسمه قانون التشييد، ليس لدينا قوانين، قانون أو نظام المرور مثلا صدر قريبا، وما نزال حتى اليوم ليس نظام تشييد ينظم كل ما له علاقة بالتشييد، لدينا حداثة في صناعة التشييد مقارنة بأمم أخرى، فبريطانيا مثلا لديها عقود نمطية ممتازة منذ 120 سنة، ونحن إلى الآن ليس لدينا عقد نمطي جيد، لدينا عقد نمطي واحد له 30 سنة أو 40 سنة، لكنه سيئ جدا تسبب في كثير من المشكلات، تخيل لو أن عندك نظام مرور سيئ جدا، ماذا تتوقع أن تكون النتيجة، الناس كلها تتصادم والشوارع تصير فوضى، وهكذا هي صناعة التشييد عندنا غير منظمة وغير ناضجة وحديثة جدا وفيها مشاكل كثيرة، لأن هذه الانظمة غير موجودة.
- د. وديع كابلي: تقصد عقد «فيديك»؟
- د. نبيل عباس: عقد «فيديك» أحد العقود النموذجية الدولية المنظمة للعلاقة بين المالك والمقاول، ولكن المشكلة أن المقاول في العقد الحالي للدولة يقولون له إذا تأخرنا في دفع الأموال لك ليس لك الحق في أن تتوقف، لو حدثت أي مشكلة في العالم ليس لك الحق في أن تتوقف ولن أعوضك عن أي شيء مهما حصل، والحل الوحيد أمامك أن تذهب للقضاء، ما يعني استمرار معاناته من 5 إلى 10 سنوات، وهذا كله تم تلافيه في العقود الدولية ومنها عقد «فيديك» وهو أشهرها، حسنوا كثيرا من العلاقة بين المالك والمقاول ووجدوا أن 90 في المائة من كل المشكلات تحل فورا في كل مشروع، بينما لدينا 90 في المائة من المشكلات لا تحل أبدا، تذهب إلى القضاء وتبقى عشرات السنين.
ويضيف عباس: صناعة التشييد لدينا كل مكوناتها حديثة، وليس لدينا مهندسون استشاريون ممتازون ومهيئون، وليس لدينا عدد كبير من المقاولين الجيدين، والمناخات كلها غير مساعدة، لذلك تتفاقم المشكلات،والدولة أخيرا وبضغط كبير من لجان المقاولين الوطنية غيرت من العقد وقدمت مسودة من العقد الجديد حسنت فيه 60 في المائة من المشكلات وأبقت 40 في المائة كما هي، لكن المسودة لم تقر بشكل نهائي، ويبدو أنه اعتبارا من السنة القادمة إن شاء الله سيبدأ استخدامه، وأتصور أنه سيكون بداية جيدة لصناعة التشييد في المملكة.
العطاء الأقل
«عكاظ»: أشار الدكتور وديع إلى أن وزارة المالية تعتمد مبدأ اعتماد العطاء الأقل، ومع ذلك نعتبر الدولة الأعلى تكلفة في المشاريع، وفي النهاية نحصل على تنفيذ رديء، لماذا؟
- د. عبدالملك الجنيدي: في البداية، اسمحوا لي أن أفرق بين المتعثر والمتأخر، وأعتقد أن هناك خلطا بين التسميتين، المشاريع المتعثرة قليلة لكن المتأخرة هي الكثيرة، والتي لا يتم تنفيذها في المدة المحددة.
الأمر الآخر، أن في المشروع عدة شركاء، مالك المشروع وما يتبعه من مشاكل، إدارة المشروع، المصمم، الشركة التي ساهمت في التصميم، الاستشاري، المقاول، صناعة البناء، الأنظمة واللوائح التي تستجد وتتغير من وقت لآخر.
أما أسباب التعثر فيمكن تلخيصها في عدم اعتماد الميزانية أو اعتمادها على مراحل، الضغوطات التي تأتي على الوزارة، المفاوضات التي تتم بين القطاعات الحكومية أو الوزارات مع وزارة المالية، تعثر طرح المشروع مع أن لديه اعتمادات، فلا يطرح، لماذا؟ لأن الجهة المشرفة على المشروع أو المالك لم يطرحه، وهناك أسباب داخل القطاعات نفسها تتمثل في عدم المهنية وعدم تأهيل المهندسين الذين يشتغلون في قطاعات المشاريع ويحتاجون إلى تطوير، حتى أن بعضهم لا يستخدم البرامج العالمية في متابعة المشاريع أو اعتماد صرف الميزانية ومتابعتها، ومن الأسباب كذلك عدم توفر الموقع المناسب، وهذا ما يحصل في كثير من القطاعات، أو أن يكون الموقع متنازعا عليه، وما أن يعتمد المشروع وتبدأ البلدية أو وزارة الصحة أو غيرهما في العمل حتى تبدأ قطاعات أخرى أو أشخاص بالشكاوى، وعدم وجود آلية لحل الخلافات يدخل هذه المشاريع في نفق طويل، بالخلاف على الموقع أو على ما يوجد داخل الموقع، تخاطب الأمانة مثلا، القطاعات ترد الاتصالات أوالكهرباء– مثلا - لا يوجد لنا كيبل هنا ويبدأ المقاول يحفر ويفاجأ بوجود كيبل، وفجأة تجد الكهرباء يقولون: آسفين لم نكن نعرف عنه، ثم تجد أن المقاول يحتاج من 5 إلى 20 مليون لنقل الكيبل، لم تعتمد له في الميزانية، فيدخل في دوامة من التأخير والتعطيل.
ويضيف الجنيدي: وكذلك الشركاء، أحيانا يحصل بينهم خلاف فني أو إداري فتنفض الشراكة ويحصل فيها صعوبات مختلفة، أما الخلل في التنفيذ فهو قليل نتيجة للاشتراطات الكثيرة ووجود مصمم واستشاري ومراقب للتنفيذ، ولا يكاد يذكر الخلل، لكن البيروقراطية في التنفيذ والاعتمادات الحكومية، التي لو استعرضناها سريعا لوجدناها تبدأ من حجز المبلغ من وزارة المالية، الإعلان عن المشروع، فتح المظاريف، الدراسة الفنية، الارتباط المالي، فحص العروض، والتأكد من أنها مطابقة، بعد ذلك ترفع للوزير بمحضر لاعتماد خطاب الترسية والضمان المالي وموافقة وزارة المالية وتوقيع العقد وتسليم الموقع، تصل هذه الإجراءات في أحسن الظروف إلى 9 أشهر، وربما إلى سنة كاملة، وهذه بيروقراطية طويلة ولا يلوح في الأفق آلية لتسويتها أو تقليلها.
وجزء كبير من هذه الأنظمة، والعقود تكاد تكون مجحفة بحق المقاول، وهذا ما حدا في النهاية بإمارة منطقة مكة المكرمة أن تعتمد على أرامكو لتنفيذ بعض المشاريع السريعة، وألا يوجد شركة عالمية تقبل بالعقود الموجودة لدى وزارة المالية، نحن نعرف الصعوبة أين، ولا بد لوزارة المالية من تغيير هذه العقود واعتماد العقود العالمية، لتتمكن الشركات العالمية من أن تأتي وتشتغل في المملكة، والتي لا يمكن لها أن تأتي بهذه الشروط المجحفة.
خلاف التسميات
- د. وديع كابلي، متداخلا: لدي تعقيب بسيط على الدكتور عبدالملك الجنيدي، حسب التصنيف الذي أعرفه هناك مشروع متوقف، ومشروع متعثر، لا يوجد شيء اسمه مشاريع متأخرة، التأخر هو التعثر، وبما أن هناك تأخيرا في المشروع فهذا نوع من التعثر.
كما أنكم في المجلس البلدي ليس لديكم أي صلاحيات بصراحة، والمفروض أن يكونوا هم المسؤولين، وكل منطقة مسؤولة عن نفسها وتحاسب محاسبة دقيقة، وعندما أنفذ مشروعا وأسأل شركة الكهرباء أو الهاتف، وتقول لي: ليس لدي كيبل هنا، ثم أكتشف أنه موجود، أوقع العقوبة على شركة الكهرباء أو الهاتف فورا، وتتولى شركة الكهرباء إزالة هذا الكيبل ب 20 أو ب 50 مليون وتخصم منها، والأشخاص المسؤولون عن معرفة وجود الكيبل لا بد من محاسبتهم، ويجب أن تحدد المسؤولية.
أما ما قاله الدكتور نبيل عن موضوع العقود، فهذه تسمى عقود إذعان، وهي عقود غير موضوعية، كيف تقول للمقاول يجب أن تنفذ المشروع ولو حصلت أي مصيبة وتأخر المشروع تفرض عليك الغرامات، وعندما تتأخر الدولة لا تغرم، لا يمكن أن تفرض هذا العقد غير المتوازن، وتتوقع من المقاول تنفيذه كما تريد.
ويضيف كابلي: لدينا في المملكة تجربة سابقة، في الطفرة الأولى عندما لم يكن لدينا شيء قبل عام 1975م، قبل الطفرة البترولية الأولى وارتفاع أسعار البترول عامي 73- 1974م، أنشأنا كل هذه المطارات، والطرق، والموانئ، والمدارس، والمستشفيات خلال 10 سنوات من عام 75 إلى 1985م، كل المملكة أنشئت في تلك الفترة، من أقصاها إلى أدناها، وكانت تضرب بها الأمثال في كل أنحاء العالم، كيف كانت تنفذ المشاريع بلمح البصر، طريق المدينة 425 كيلومتر بالكباري وبمواصفات عالمية نفذ خلال سنتين ونصف، واليوم لكي تنفذ كوبري على طريق المدينة تستغرق 5 إلى 6 سنوات، والمفروض يكون مقرر له سنة أو 6 أشهر.
هناك خطأ كبير، هناك مشكلة، وأن نقول في عام 2013 أن عندنا مشكلة بينما في عام 1975 لم يكن عندنا مشكلة، هذا معناه أننا تخلفنا، مع أن اليوم لدينا متعلمين أكثر ودكاترة أكثر وخبراء أكثر، إذن نرجع للماضي ونطبق خبرات الذين أداروا التنمية في البلد حينها، الشركات الأجنبية كانت تأتي وتنفذ المشروع من أوله لآخره بأقل من تكاليف اليوم، وتنفذه وتأخذ عمالتها ومهندسيها وتذهب، أما اليوم تجد المقاول يستقدم عمالة رخيصة ب 500 ريال للعامل، ثم يتركه في البلد ويمضي، وهذا يجعلنا مقبلين على كارثة ليس على مستوى المشاريع المتأخرة وحسب، ولكن لها نتائج اجتماعية وسياسية واقتصادية كبيرة تضر البلد وتشده إلى الوراء، وإذا لم ننتبه لها ستتولد ظواهر خطيرة سندفع جميعا ثمنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.