أثير جدل بين العلماء والمختصين حول الآثار الإسلامية بعد أن أوضح شرعيون أننا لسنا مأمورين بإزالة الآثار حتى إن كانت غير إسلامية، قائلين: تعريف الأجيال بحضارتنا وإبقائها أولى من جعلهم يؤمنون بالحضارات غير الإسلامية كالفرعونية والبيزنطية. وزادوا، آثارنا الإسلامية تعرّف الأجيال بتاريخهم، ويرسخ في الأذهان وخصوصا للفئات التي لا تهتم بالقراءة ما بلغت إليه الأمجاد الإسلامية، كما أن بعض المسلمين في حقب ماضية حافظوا على آثارهم حرصا على تعريف اللاحقين بما بذله الأولون. واعتبر شرعيون الاحتجاج بأن الآثار تقود إلى الشركيات وويلات كانتشار الخرافات والتبرك غير مبرر له، أو أن بعض الآثار المنسوبة إلى رموز العالم الإسلامي لا تكون صحيحة، مما يسهم في ترسخ معلومات غير دقيقة في نفوس الأجيال، إذ قال المؤيدون للآثار «البدع تكون حتى أمام الكعبة المشرفة، وبالتالي الحل هو التثقيف وليس في الهدم». ولفتوا إلى أن مكةالمكرمةوالمدينةوالمنورة لهما وضع خاص، إذ يرتادهما الملايين مما يتطلب أحيانا شق الأنفاق في بعض الجبال، وإزالة بعض الآثار بهدف التوسعة على المسلمين، الأمر الذي يسهم في تحقيق فائدة أكبر من الحفاظ عليها، كما طالبوا المعارضين تقديم حلول تمنع حدوث الأخطاء من قبل العوام، وتطور في الوقت ذاته أساليب الحفاظ على ما نملكه من آثار، منوهين بأن الآثار ورد ذكرها في القرآن بأنها تورث العبرة بالاطلاع على حال الأقوام البائدة. تفادي السلبيات وطالب عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان معارضي الحفاظ على الآثار بأهمية تقديم مقترحاتهم المسهمة في تفادي السلبيات التي يتخوفون منها، للتمكن من الحفاظ على الآثار حتى يتعرف الأجيال عليها، قائلا: تقديمهم للمقترحات سيسهم في منع ما يمكن من وقوع الشركيات، وسيطور في الوقت ذاته أساليب الحفاظ على ما نملكه. وأضاف: حينما نحافظ على الآثار فإننا نكوّن لأنفسنا سجلا يتعرف من خلاله أبناء الأمة على ما بلغت إليه الحضارة الإسلامية. وزاد: أسهمت الآثار التي حافظ المسلمون عليها في تعريف الأجيال بما وصل المسلمون إليه في القرون الماضية، وبما مر عليهم في الفترات العصيبة، كما عززت من صدق انتماء الأجيال. وبين أن الأمم تفاخر بآثارها لأنها تتذكر بها جهود الأجداد، كما تترسخ عند الحفاظ على الآثار تاريخ الأمة المجيد، مشددا على أهمية الاهتمام بالمعالم الإسلامية خصوصا التي شهدت أحداثا حاسمة في تاريخ المسلمين. وأردف: التشكيك في الآثار يسهم في تشويش عقول أبناء المسلمين، ويدخل الشكوك إلى النفوس، وهذا يضر تاريخنا، مبينا أن الآثار التي تقرأ في الكتب وتصحبها الرؤية بالعين، تعد دليلا واضحا للأبناء بما بذله الأولون. تقوى الإيمان من جانبه عارض عضو هيئة كبار العلماء عبدالله بن منيع المشوهين للآثار، قائلا يجب الوعي بأن الآثار من أعظم ما تمتلكه الأوطان، كونها تشير إلى حضارة الدول في الماضي. وأشاد بالجهود التي تبذلها هيئة السياحة والآثار، والتي تعمل على إبراز حضارات الأمم السابقة، وتعطي العبرة في النفوس وتقوي إيمان العبد حينما يطلع إلى بعض الآثار ومصير الآخرين. وردت في القرآن ووافقه عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالله المطلق بقوله بعض الآثار وردت في القرآن الكريم، وقد حث الله على العبرة منها في كتابه الكريم، معتبرا التعدي على الآثار إساءة لثروات البلاد، محذرا الوقوع في الإثم من أعمال بعض المعتدين، كما نوه بأن الآثار تعين على فهم التاريخ والعظة، كما تجعل المرء يبني معلوماته على أسس علمية. واستاء ممن لا يدركون القيمة الحقيقية للآثار والعبث عليها بطرق مختلفة كالكتابة عليها، لافتا إلى أن مثل هذه الأعمال تصدر من أشخاص لا يقدرون المعنى الحقيقي لها، موضحا أن التعدي على الآثار يضر بالوثائق التاريخية، كما أشاد بالجهود التي تبذلها هيئة السياحة والآثار للحفاظ على الآثار. وأشاد بجهود هيئة السياحة والآثار ممثلة برئيسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، كون جهوداتهم تتوافق مع الشريعة الإسلامية، متمنيا من الأجيال الاهتمام بصورة أكبر بهذه الآثار بما يمكنهم الكشف عن معلومات تاريخية للأمم الغامضة التي ينقص بعض المعلومات عن تاريخها. جهات مختصة أما الباحث المختص في تاريخ المدينةالمنورة الدكتور تنيضيب الفايدي فطالب في وقت سابق تخصيص جهة رسمية تتلقى مقترحات مختصي الآثار للحفاظ على ما نملكه، تقف هذه الجهة على المقترحات لتنفيذها عمليا وإعادة بناء ما يمكن، وفقا لما ورد في المرسوم الملكي الذي يقضي بالحفاظ على المواقع الأثرية والتاريخية، قائلا ينبغي أن يعمل بهذا المقترح تحت إشراف هيئة السياحة والآثار. ونوه بأن الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين حافظوا على الآثار والأماكن التي شهدت أحداثا حاسمة ولم يعارضوا بقاءها وهذا يدعونا إلى اقتفاء عملهم لما لتلك المواقع من أهمية في حضارتنا الإسلامية، كما طالب بتعريف طلاب المدارس بتلك الآثار عبر الزيارات الميدانية إليها. موقف محايد إلى ذلك اتخذ الباحث الإسلامي مهند صالح موقفا محايدا تجاه الحفاظ على الآثار قائلا: ديننا يقوم على عقيدة خالصة، ولا يعزز من قوته أو يسهم في وهنه وضعفه النظر إلى الآثار أو عدم التعرف عليها. وأضاف أهم ما نمتلكه هو كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لافتا إلى أن تعرف المسلمين على هذين المنهلين يعني أنهما في قمة الأمم وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي». وأشار إلى عدم وجود مانع من الحفاظ على الآثار، لكن ينبغي أن يقوم تحت إشراف مختصين وعلماء، يدعمهم في ذلك هيئة السياحة والآثار لكونها الجهة المختصة، قائلا لو منعت أساليب الجهل والتبرك وأدت هذه الآثار وظيفتها في تمكين المسلمين من التعرف على حضارتهم فقط فسيسهم ذلك قدما على ثقافة المسلمين، إذ أن النظر إلى الشيء أكثر رسوخا في الذهن من التعرف عليه سماعا، متخوفا في الوقت ذاته من تعريف المسلمين ببعض الآثار الخاطئة المنسوبة لرموز الأمة، والتي تسهم في إكساب بعض المعلومات الخاطئة. وخلص: يسهم التعرف على أمجاد المسلمين عبر السماع فقط في تخيل كل مسلم لآثاره بصورة تختلف عن الآخر، وهذا يعطي صورا متنوعة في الأذهان لا ترقى إلى حقيقة وعظمة الصورة الحقيقية أحيانا. لا موانع وقال مدير مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عياض السلمي ليس هناك في ديننا مايدل على ضرورة إزالة الآثار سواء الإسلامية وغير ذلك، قائلا وجود الآثار الإسلامية حتى اليوم يؤكد عدم وجود مانع من بقائها. وذكر أن الآثار إذا لم يصحبها شركيات فلا ينبغي إزالتها، خاصة وأنها تحوي على جوانب إيجابية كتعريف المسلمين بآثارهم، منوها بأن الآثار الإسلامية في الدول الأخرى التي فتحها المسلمون مازالت باقية. ولفت إلى أن الآثار في مكةالمكرمة تزال أحيانا لهدف التوسعة على المسلمين كشق الأنفاق وغيره وهذا يوسع على المسلمين ويحقق نتائج إيجابية أفضل من الاقتصار على الآثار. التعرف على الماضي الداعية والباحث الإسلامي الدكتور عبدالله فدعق فاقتصر على أن هذا الموضوع خاض المختصون فيه، وبات حاليا أكبر من النقاشات، لأنه بيد ولي الأمر، مبينا أن رأيه في الموضوع يقتصر على قول: من لا ليس له ماض فلا حاضر له، ومن لا حاضر له فلا مستقبل لديه. تاريخ حقيقي الباحث الشرعي الدكتور رضوان الرضوان استنكر معارضة البعض بهدم الآثار بحجة التبرك بها أو حدوث الشركيات، قائلا: لو أخذنا بحجتهم فنحن مخطؤون لأن هناك بدعا يحدثها جهال المسلمون حتى أمام الكعبة المشرفة. وبين أنه لا يوجد تاريخ حقيقي كتاريخ الإسلام ومكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، وإبقاء هذه الآثار خصوصا في هاتين المدينتين يعلم أبناءنا تاريخهم الحقيقي ويعرف بقصص الرسول صلى الله عليه وسلم في مكةالمكرمة، والمدينةالمنورة كغزوة بدر وأحد وغيرهما لكونها أرسخ في أذهان الأبناء، ويؤصل التاريخ الحقيقي للإسلام، بدلا مما تربى عليه بعض أبنائنا بأن الحضارة هي تلك الفرعونية أو البزنطية التي قامتا على الشرك وعبادة الأحجار، قائلا لابد من إبعاد الناس حال تعرفهم على حضارتهم الإسلامية من الشركيات والتبرك. ولفت الرضوان إلى أن المملكة تشجع الحفاظ على الآثار كونها تدرك القيمة التي تزخر بها هذه البلاد والتي تجعل المسلمين يفخرون بتاريخهم، كما تمكن الآثار التي تمتلكها المملكة من تعريف النشء بحضارتهم الحقيقية.