لدينا مشكلة حقيقية.. هي إهدار الوقت.. وإضاعة وتعطيل حقوق ومصالح الناس.. في وقت نشهد تقدم الكثير من الدول والمجتمعات الصغيرة أو التي ظهرت بعدنا.. لمجرد أنها انتصرت على نفسها.. وأحسنت استغلال وقتها.. ودبت فيها روح المسؤولية بصورة قوية.. وساد عمل أبنائها وحركتها.. عنصر التخطيط والتفاني.. واستغلال كل ثانية في اليوم.. ولم تعد تتحدث عن تنفيذ المشروعات الكبرى فضلا عن الصغرى إلا في حدود شهور وربما أسابيع فقط.. ولم نعد نسمع فيها أن فكرة.. أو عملا.. أو نتيجة بحث.. أو دراسة.. أو تحقيق.. أو صدور حكم يتطلب أكثر من الوقت الضروري الذي لا يتسبب في تعطيل مصالح أو التعدي على حقوق. أقول هذا الكلام بعد أن اطلعت على تصريح أحد المسؤولين في صحة جدة (منشور بعدد يوم الأحد الماضي من هذه الصحيفة) وهو يرد على محرر الجريدة الذي كلف بمتابعة حالة مريضة انتقلت إلى رحمة الله.. وشكا زوجها من تسبب طبيب في هذه الوفاة.. يقول المسؤول الطبي «إن إجراءات التحقيق في قضية السيدة المتوفاة قد بدأت في حينها إلا أن هناك لجانا تقوم بالتحقيق المبدئي في القضية ودراستها ما يستغرق ستة أشهر، وبعد أن يتأكدوا من وجود خطأ طبي تعاد القضية إلى الإدارة الفنية التي تقوم بتحويلها إلى اللجنة الطبية الشرعية التي تقوم هي الأخرى بالتحقيق فيها لفترة ستة أشهر أخرى ولدينا آلاف الحالات المماثلة وكلها تحتاج إلى وقت». يا للهول (!!) هل تصدقون هذا الكلام؟! نعم.. هذا هو حال ثقافة الإجراءات البيروقراطية السائدة ليس فقط في مثل هذه الحالات.. وإنما هي الأمر السائد في كل مكان وموقع وجهة.. وفي تقديري أن أخطر ما في هذا الأمر هو.. أنه أصبح بمثابة ثقافة مألوفة وسائدة.. وأن أي إنجاز يتم في مدد أقل من هذه المدة هو أمر خارق وغير مألوف.. بل وغير متوقع.. هناك إذن مشكلة بنيوية.. في التفكير.. قبل أن تكون في الإحساس بالمسؤولية أو في إدراك أهمية عنصر الوقت.. وهذا - بكل تأكيد - يحتاج إلى علاج جذري.. يبدأ باعتناق فكر إداري جديد.. حتى وإن احتجنا إلى اقتلاع جذور ذاك التفكير السائد بعمليات قيصرية.. وتصحيحية تقوم بها جهات التنظيم وتسن معها أشد العقوبات.. وتحرك البلد المعطلة قدراته تماما.. والمهدرة إمكاناته بفعل سيطرة فكر تواكلي.. ومتخاذل.. ولا قيمة للزمن عنده.. ضمير مستتر: لا حاجة للوطن بأناس يعطلون حياته.. ويوقفون مسيرته.