هناك ثلاثة محاور رئيسية تسيطر على مدى نجاح تنفيذ مشروع هندسي بصفة مباشرة، ويتمركز المحور الأول حول آليات التحكم بصرف المخصصات المالية المجدولة لمشروع ما، المحور الثاني يرتبط بدقة التفصيل في الجدولة الزمنية المتاحة لخطوات العمل الخاصة بذات المشروع، والمحور الثالث يرتكز على العمق المعرفي الشخصي لمدير المشروع المسؤول عن تنفيذه ومدى قدرته على التعرف التفصيلي لكامل المواصفات والاحتياجات التقنية الخاصة بالمشروع القائم عليه والتي تتطلب مهارة عالية وعمق نظر لقراءة المتغيرات التي تطرأ عبر الفترات الزمنية المتعاقبة للمشروع حسب تسلسلها الزمني والتغيير التكتيكي بأقل الخسائر المادية الممكنة لمواكبة أثر المتغيرات على فاعلية سير تنفيذ خطوات العمل الخاصة بذات المشروع نفسه، وبالتالي فإن قوة إدراك وتطبيق هذه المحاور الرئيسية ومستوى التمكن منها تعكس الصورة المستقبلية لمدى نجاح تنفيذ المشاريع ومقدار الهدر المالي في الموازنة السنوية العامة للدولة. كما أن التفاوت المعرفي لتلك المحاور لا ينحصر في دولة معينة دون أخرى فعلى سبيل المثال مشروع إنشاء قصر بكنغهام في بريطانيا عام 1800م تعدت مصروفات إنجازه 300 في المائة مبلغ الميزانية المخصصة له واستغرق 29 عاما لإكماله بالشكل النهائي سنة 1829م. وحسب دراسة أجراها السير إيقان المتخصص والمسؤول في هذا الشأن، فإن القيمة الرقمية لمتوسط نجاح تنفيذ المشاريع في بريطانيا تتراوح ما بين 40 إلى 60 بالمائة كنسبة مئوية، حتى أن القيمة الأولية المخصصة لمشروع تشييد سد نهر التايمز في بريطانيا سنة 1960م كانت تتراوح ما بين 13 و18 مليون جنيه إسترليني بينما التكلفة الفعلية للمشروع عند الانتهاء من تشييده بلغت 440 مليون جنيه إسترليني 70 في المائة من التكلفة كانت بسبب القيام المستمر غير المحكم في إعادة تنفيذ خطوات العمل المجدولة في حلقة مفرغة وتكرار الأخطاء من غير ترتيب في خطوات العمل بشكل غير انسيابي الذي كان يجب أن تكون عليه، وفي المقابل وبعد مرور أكثر من أربعة عقود نجد قصة نجاح تنفيذ الصالة الخامسة لمطار هيثرو التي تم تشييدها في نطاق الميزانية الأولية المرصدة لها حسب الخطة الزمنية المجدولة من دون تأخير ومطابقة لجميع المواصفات والمقاييس الهندسية المخططة للمشروع. وعند مقارنة المشروعين ودراسة عوامل النجاح يمكن تلخيصها في نقطة محددة ألا وهي عرض مصروفات المشروع المخصصة بشكل دوري معلن ومستمر مما يساعد على زيادة الشفافية اللازمة لإنجاح تنفيذ المشروع وتلافي الوقوع في أخطاء متكررة تنجم بسبب سوء تخطيط سير خطوات العمل. إضافة لذلك فيما يخص المشاريع القائمة تحت التنفيذ هنا في المملكة، نلاحظ أن تفاعل قطاع الأعمال لا يساعد القطاعات الحكومية على تنفيذ مشاريعها الضخمة بالشكل المستهدف من المنظور الزمني لإنهاء المشاريع في الوقت المحدد حسب الخطة الزمنية المجدولة. وكذلك نلاحظ أيضا أن قطاع الخدمات المصرفية للشركات في السعودية لا يساهم في إنماء المشاريع الحيوية بالشكل الذي يطمح إليه أفراد المجتمع والمتمثلة في تيسير آلية التمويل للشركات المنفذة للمشاريع الحكومية الضخمة المخصصة لأفراد المجتمع. وعلى سبيل المثال، دعم شركات التطوير العقاري للحصول على السيولة المالية الكافية وبآلية تمويل أكثر اعتدالا لمساعدة وزارة الإسكان في تحقيق هدفها ببناء 500 ألف وحدة سكنية حيث إن المنفذ منها بلغ حوالي 12 في المائة فقط من إجمالي المستهدف، وبالتالي فإن تفاعل قطاع الخدمات المصرفية للشركات مع وزارة الإسكان أصبح مطلبا وطنيا للعمل التكاملي البناء لاستكمال بقية ال 88 في المائة عن طريق تسهيل آلية التمويل لشركات التطوير العقاري وضخ المزيد من السيولة المالية.