في المؤتمر الأول للمصارف الإسلامية المنعقد عام 1993لم يتجاوز عدد المشاركين 120شخصاً من ممثلي المصارف الإسلامية التي كانت مختصة في هذا المجال، أما اليوم ومع انتشار مؤسسات التمويل الإسلامي في كل أرجاء العالم فإن المؤتمر في دورته الرابعة عشرة شهد مشاركة نحو 1000شخصية مصرفية من شتى بقاع الدنيا. وعلى مدار ثلاثة أيام شارك نحو ألف شخصية من 35دولة عربية وإسلامية وغربية في أعمال المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية في دورته السنوية الرابعة عشرة في المنامة نهاية العام الماضي لبحث مستقبل وتطور هذه المصارف التي باتت تنافس البنوك التقليدية في عقر دارها بالدول الغربية والرأسمالية الكبرى. وجاء انعقاد هذا المؤتمر في وقت تشهد فيه المصارف الإسلامية نموا كبيرا يفوق في معدلاته السنوية النمو الحاصل في المصارف التقليدية، الأمر الذي يستدعي إلقاء الضوء على أداء الصناعة المصرفية الإسلامية وأداء المؤسسات المالية الرئيسة وتحديد عوامل النجاح في سوق عالمية شديدة التقلب وفقاً لما أشار له عدنان بركة الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية البحرينية. فخلال العشرين عاما المنصرمة تم تأسيس العديد من البنوك وشركات التمويل الإسلامية في وقت تسابقت فيه البنوك بتوفير الطلب المتزايد للمستثمرين والزبائن على المنتجات التي تخضع لمبادئ الشريعة الإسلامية. فنجاح الصيرفة الإسلامية يكمن في النمو المتلاحق الذي رفد البنوك الإسلامية بأرباح كبيرة في السنوات الخمس الماضية مقرونا بمستويات عالية من السيولة. واقترن توافر هذا القدر الهائل من السيولة بازدياد كبير في المشروعات العقارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليمهدا الطريق إلى تأسيس مستوى متقدم من السيولة. ولكن مع كل هذا النمو المتسارع إلا أن هناك حزمة من التحديات تواجه البنوك الإسلامية يبرز من بينها تعدد المجالس الشرعية والفتاوى إذ يؤدى هذا التحدي إلى الافتقار إلى التناغم في طبيعة بعض المنتجات، وعلى صعيد آخر يؤدي إلى تشكك الزبائن بشأن توافق منتج معين في منطقة ما مع مبادئ الشريعة الإسلامية في منطقة أخرى، ما يعني أن تشجيع نمو قطاع الصيرفة الإسلامية يتطلب المقدرة على احتواء المخاطر وضرورة ذلك كما قال رشيد المعراج، محافظ مصرف البحرين المركزي. وقد توقع المدير الإداري في بنك الاستثمار الإسلامي الأوروبي جون ويجولين أن يستمر النمو القوي للمصارف الإسلامية خلال العام المقبل مع إطلاق مؤسسات كبيرة جديدة للتمويل الإسلامي وتوسيع المؤسسات المصرفية الكبرى لرقعتها الجغرافية بالإضافة إلى تعزيز البنوك التقليدية لمنتجاتها الإسلامية. ويعتبر بنك الاستثمار الأوروبي الذي يتخذ لندن مقرا له أول مصرف مستقل تتوافق عملياته مع الشريعة الإسلامية يحصل على ترخيص بمزاولة عملياته من هيئة الخدمات المالية ببريطانيا. وقد تناول المؤتمر بشكل عام التوجهات الاستراتيجية للصناعة المصرفية الإسلامية مع التركيز بشكل خاص على قطاعات مصرفية محددة كقطاع الخدمات المصرفية للأفراد وقطاع العمليات المصرفية الخاصة بالشركات والاستثمارات. وقال ديفيد ماكلين المدير الإداري لمؤسسة "ميجا" المنظمة لهذا الحدث أن جلسات المؤتمر تناولت فرص تطور كل قطاع من هذه القطاعات وعلى وجه الخصوص الموجة المقبلة من صفقات الصكوك الكبرى.. وتطور سوق التمويل الإسلامي والمنتجات المصرفية المتوافرة فيه بما يمهد لظهور جيل مقبل من الحلول المالية الإسلامية التي ستعزز النمو في قطاع عمليات التجزئة المصرفية. فقد أدى التطور الحالي في الصيرفة الإسلامية إلى تقدم في منتجاته في سوق يزداد فيها التنافس بما يحفز الابتكارات والإبداعات في عروض التمويل الإسلامي المتاحة حاليا في ظل سلوك الصناعة المصرفية حاليا طريق عولمة حقيقي تشجعه الاستراتيجيات الجريئة من قبل قادة السوق لتمكين هذه الصناعة من اكتساب القوة في الأسواق الإسلامية التقليدية في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا واستكشاف الاهتمام المتزايد بهذه التعاملات وبالفرص المتوافرة للصيرفة الإسلامية في المناطق غير الإسلامية. وما لفت النظر أن المؤتمر في دورته الأخيرة شهد لأول مرة افتتاح جناح لبريطانيا برعاية مؤسسة التجارة والاستثمار البريطانية، حيث تواجد وفد كبير من صناع القرار المالي الذين يمثلون بنوكا ومؤسسات رائدة تتخذ من بريطانيا مقرا لها بما في ذلك بورصة لندن التي شهدت إدراج أسهم نحو 40شركة من الشرق الأوسط بالإضافة إلى عدد من عمليات الصكوك بلغت قيمتها نحو 5ر 3مليارات جنيه إسترليني وتهيؤها لاستقبال المزيد من عمليات التمويل الموافقة للشريعة الإسلامية في أسواق بريطانيا. وشكلت مشاركة بريطانيا بجناح في المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية وبحضور بورصة لندن فرصة كبيرة للمؤسسات المالية الرائدة في بريطانيا للاستفادة من فرص التعاون وبناء شراكات قوية مع الشركات المالية العاملة بالمنطقة وشرح مضامين عملية تطوير التمويل الإسلامي في المركز المالي الأكبر في العالم بلندن. وقد اعتبر محللون أن الجناح البريطاني والمشاركة في هذا الحدث يرتبط بالمبادرة الهادفة لجعل لندن مركزا ماليا أوروبيا رئيسا للتمويل الإسلامي ومنصة فعالة للاجتماع بقادة الأعمال المصرفية الذين يقفون وراء الدور الذي تلعبه بريطانيا في التمويل الإسلامي وخصوصا التطور المثير الذي يشهده سوق الصكوك الإسلامية في بريطانيا. وتقوم مراكز التمويل الإسلامي العالمية الجديدة بتطوير قدراتها بشكل سريع لتواكب هذا التطور خاصة أن بريطانيا باتت قريبة من الحصول على خمس تراخيص مصرفية خليجية متوافقة مع الشريعة الإسلامية. ما يعني أن الإقبال الكبير على التمويل الإسلامي في دول غير مسلمة وكذلك المبادرات الرئيسة الحالية في أسواق صاعدة رئيسة في مجال التمويل الإسلامي إضافة إلى أطر العمل التنظيمية بهدف تبادل المعلومات والخبرات بين المشاركين في مجال الخدمات المالية الإسلامية. ووفقا للجنة المنظمة للمؤتمر الذي أقيم تحت شعار "تحرير قدرات السوق...التعزيز والابتكار والنمو"، فقد تحدث خمسون متحدثاً هم خبراء عالميون وإقليميون وبينهم صناع سياسات وأكاديميون ودارسون وقادة الصناعة وخبراء ماليون في نطاق واسع من التخصصات لمناقشتهم وتبادل المعلومات. ويعد المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية الذي يعقد سنويا في البحرين منذ العام 1993أكبر تجمع لرؤساء البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية. وما تجدر الإشارة إليه أن المصرفية الإسلامية بشكل عام حظيت بفرصتها للانطلاق والنهوض، بعد الخطوة الكبيرة التي اتخذتها جامعة الملك عبد العزيز عندما دعت إلى المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي، الذي عقد عام 1976في مكة، وصاحب انعقاد المؤتمر تأسيس أقدم بنك إسلامي يعمل في القطاع الخاص، وهو بنك دبي الإسلامي، وأول بنك إسلامي يعمل في القطاع العام، وهو البنك الإسلامي للتنمية، ما أعطى للمؤتمر دفعة أكبر، ومهد لقيام مؤسسات مالية إسلامية عبر كيانات كبيرة. وعلى صعيد غير منفصل يعتقد كثير من المختصين أن استضافة العاصمة البريطانية لندن فعاليات القمة الأوروبية الأولى للمؤتمر السنوي للمصارف الإسلامية في الثامن من يوليو 2008، ضمن توقعات بمشاركة أكثر من 400وفد دولي مؤشر مهم على تنامي حركة المصارف الإسلامية وقدرتها على الوصول إلى شتى بقاع الدنيا، وقد اعتبر ديفيد ماكلين، المدير الإداري لمؤسسة الاستشاريون الدوليون للشرق الأوسط "ميجا" المالكة للعلامة التجارية للمؤتمر، اعتبر مؤتمر لندن مكملاً للأهداف التي وضعها الحدث العالمي الذي يعقد سنوياً في البحرين، حيث سيتضمن مداولات متعمقة حول القضايا الأساسية التي تواجه القطاع، ومن هنا يتم الحديث والجدل بخصوص التحديات الأساسية التي تواجه الأسواق الأوروبية للصيرفة الإسلامية وتقييم البيئات التنظيمية سريعة التطور وتأسيس الفرص للخبراء الدوليين الكبار من الشرق الأوسط وآسيا والذين يُركزون اهتمامهم الآن على احتمالات النمو السريع للتمويل الإسلامي في أوروبا والتعرف على النظرة المستقبلية للمؤسسات الجديدة في أوروبا والبحث في المشكلات التي تواجه المصارف الإسلامية في أوروبا. ما يستحق الذكر أن أنشطة الصيرفة الإسلامية تشهد تنوعاً في ما يتعلق بعقد الندوات والمؤتمرات المتخصصة فبالإضافة إلى المؤتمر العالمي هناك مؤتمر آخر تستضيفه سورية خلال الفترة من الثاني عشر إلى الثالث عشر من مارس الجاري فعاليات المؤتمر الثاني للمصارف والمؤسسات الإسلامية تحت شعار "الصيرفة الإسلامية.. صيرفة استثمارية"، في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها القطاع المصرفي السوري، وخاصة لناحية فتح المجال أمام المصارف الخاصة للعمل فيه، في ظل تحسن البيئة الاستثمارية للمصارف الإسلامية، ما يجعل سورية من أوسع الأسواق وأشملها باعتبارها سوق خام. ويتطرق المؤتمر إلى عدة محاور منها الخدمات المصرفية الإسلامية، والضوابط الشرعية للتمويل واستثمار الأموال، والطرح الشرعي والتطبيق العملي للتأمين التكافلي، ودور البنوك الإسلامية في تنمية السوق الاقتصادية السورية، وصيغ الاستثمار والتمويل في كافة القطاعات وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، ونحو سوق أوراق مالية إسلامية، ودور المصارف المركزية في الرقابة والإشراف على الهيئات والمؤسسات المالية الإسلامية، ومستلزمات عمل المصارف الإسلامية. وتبرز أهمية المؤتمر كونه الوحيد من نوعه في سورية الذي يكرس جميع محاوره حول التعاملات المالية الإسلامية. ويقام المؤتمر بحضور ما يزيد على 500مشارك من رجال المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية والبنوك التجارية والاستثمارية ومن الهيئات الشرعية، الحكومية والأكاديمية والسياسية والدبلوماسية، إضافة إلى صناعيين وتجار ومختصين في قطاع المال والاقتصاد. ويبقى القول أخيراً أن المصارف الإسلامية ومؤسساتها باتت تستهدف كل قارات العالم، وما عادت مرتبطة فقط بالدول الإسلامية، وما عادت تعاملاتها تخص المسلمين وحسب، بل يسعى لها كثيرون من شتى الجنسيات والأديان والثقافات في كل بقاع الأرض، كما يسعى لها العديد من البنوك والمؤسسات المالية الغربية والتقليدية باعتبار أن زبائن وعملاء المصارف الإسلامية والبرامج المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية يزدادون باستمرار وينتشرون في كل مكان، وقد أشارت الباحثة الإيطالية لوريتا نابوليوني ذات مرة إلى أن التمويل الإسلامي يمكن أن ينقذ الاقتصاد الغربي، وبإمكان المصارف الإسلامية أن تصبح البديل المناسب للبنوك والمصارف التقليدية خصوصاً الغربية، فمع انهيار البورصات في هذه الأيام وأزمة القروض في الولاياتالمتحدة فإن النظام المصرفي التقليدي بدأ يظهر تصدعات واضحة.