زعمت في مقال سابق أن فائض ميزانية العام الماضي سيبلغ حوالى 300 مليار ريال واتضح أنه أقل من ذلك بحوالى 50 مليارا، فرقة البنط هذه قد تصنع موازنات عدة دول صغيرة، لكن يظل المبلغ الأساس متأرجحا اعتمادا على ما لم يصرف على المشاريع للتعثر وغيره، وعلى مدى التحفظ في تقدير أسعار النفط التي حافظت على مستوياتها العالية بعيدا عن تقديرات وزارة المالية، لكن ما دام أن المبلغ هو 250 مليارا، ستضاف للفوائض السابقة المقدرة بحوالى 2500 مليار. بعيدا عن هذه الأرقام الكبيرة لنفترض أن لديك 1000 ريال يمكنك الاستغناء عنها سنويا بمعنى توفيرها من دخلك، هل ستضعها تحت البلاطة ام ستحفظها بالبنك كوديعة، كلا الحلين مرفوض اقتصاديا حتى وإن حصلت على فوائد متدنية من البنك، الألف هذه تعتبر ادخارا وعلم الاقتصاد يقول بوجوب تساوي الادخار مع الاستثمار، بمعنى تشغيل الألف ريال لتوليد دخل جديد. لا يختلف وضع الفرد كثيرا عن تموضع الدولة، معظم تطبيقات المايكرو تنطبق على الماكرو الاقتصادي، حتى الكينزيون الجدد يطالبون بذلك، كيف وأين تستثمرها يعتمد على محددات كثيرة، وقد أصبح الاستثمار علما قائما بذاته، وهناك شركات احترافية تدير استثمارات ضخمة حول العالم. بالعودة إلى مبلغنا الكبير نجد أن معظمه «مستثمر» في سندات وودائع أمريكية، بغض النظر عن حكمة وضع معظم البيض في سلة واحدة، وبغض النظر أيضا عن تهالك الاقتصاد الأمريكي وتآكل عملته، لم التركيز على هذا النوع من الاستثمار متدني العوائد وترك آفاق أكثر حيوية، لم نضيق واسعا ولا نجرب طرقا سبقنا إليها القريب والبعيد ونبدع طرقا خاصة بنا، ليس شرطا صناديق سيادية، الفكرة المرفوضة من وزارة المالية دون أسباب مقنعة، يمكننا تنويع الاستثمار حسب درجات خطورته ومدى احتياج سيولته، يمكننا شراء أصول ثابتة دولية وعقارات والمساهمة في شركات وصناعات كبرى بمبالغ معقولة، يمكننا جلب بعض الصناعات الإنتاجية وفتح فروع لها بالمشاركة التقنية والبشرية مقابل استيرادنا المهول لسلع استهلاكية، يمكننا فعل الكثير ببعض هذه الثروة، أقله إنشاء مدن جديدة لحل مشكلة السكن والعنوسة وربما البطالة وثلاثتهم يعطلون التنمية المجتمعية. [email protected]