توقع اقتصاديون محليون أن يوجه النصيب الأكبر من الإنفاق في الميزانية الجديدة إلى قطاعات الإسكان والنقل والصحة التي تمر بمشاريع تطويرية ضخمة في أنحاء المملكة. وقال هؤلاء ل «عكاظ»: إن الفائض في الموازنة للعام المنصرم قد يصل 290 مليار ريال، مشيرين إلى أن سياسة تحويل الفائض إلى الاحتياطي سياسة ناجحة مع أن تحويله إلى صناديق سيادية سيجنب الدولة مخاطر أي انخفاض مفاجئ لأسعار النفط مستقبلا. سراج الحارثي عضو لجنة الأوراق المالية في الغرفة التجارية الصناعية بجدة قال: إذا ما استمرت أسعار البترول كما هي عليه الآن ولم يحدث أي انخفاض أعتقد أن فائض الميزانية سيكون جيدا ولن يقل عن 290 مليار ريال، وسيوجه لمشاريع النقل والإسكان التي تمر بتطوير كبير في أنحاء المملكة هذه الأيام فهما أكبر قطاعين ستعتمد الحكومة الإنفاق عليهما بشكل مركز في الميزانية الجديدة. وحول تحويل فائض الميزانيات في كل عام إلى الاحتياطات، أفاد الحارثي بأنه من المفترض على الدولة أن تركز على وضع فائضها في الصناديق السيادية حتى تحافظ على نفس مستوى الإنفاق على المشاريع الحكومية فيما لو انخفض سعر البترول في أي لحظة خلال الفترة المقبلة، مبينا أنها خطوة تعد أفضل بكثير من تحويل الفائض إلى الاحتياطي أو التوسع السريع في الإنفاق على المشاريع. من جهته، توقع الدكتور عبدالله الغامدي أن يكون الفائض عن ميزانية العام الماضي بحدود 290 مليار ريال، وهو يقل - على حد قوله - عن فائض الميزانية السابقة الذي تجاوز الثلاثمائة مليار ريال. وأضاف الغامدي بقوله: أعتقد بأن الإنفاق الحكومي الفعلي على المشاريع خلال العام الماضي فاق المتوقع بنحو % 23 حيث زادت المصروفات عن المقدر لها بسبب مشاريع تطويرية جديدة، حيث جاءت المصروفات محققة فارقا مقارنة بالإيرادات وبنحو تسعة مليارات ريال، ولكن هذه الميزانية قد تتوازن مصروفاتها وإيراداتها نتيجة الانخفاض النسبي في أسعار النفط. بشكل عام أعتقد أن إجمالي الميزانية سيلامس التريليون ريال. وأوضح الغامدي أن قطاعي الإسكان والصحة هما أبرز القطاعات التي سيكون لها الأولوية في الإنفاق عليها نتيجة المشاريع الكبيرة فيها مثل إسكان المواطنين وبرنامج أرض وقرض إضافة إلى مشروع التأمين الصحي للمواطنين. وذكر أن ديون الدولة التي تقلصت إلى 100 مليار ريال في الميزانية الماضية سيوجه من الفائض الجديد للميزانية جزء لتسديد بعضها. وحول توقعاته بمؤشرات الميزانية المقبلة، قال تركي فدعق المحلل المالي: «سيكون فائض في الميزانية، لكن أعتقد أن حجم الإنفاق الرأسمالي سيكون أقل من العام الماضي، وسيوجه للمشاريع الجديدة. آخر ميزانيتين كانت الأولوية فيها للتعليم والصحة ولذا أعتقد أنها في هذه المرة لن يكون لهذين القطاعين نفس الزخم من الإنفاق، نظرا لأن الإنفاق الرأسمالي ضخم فيما مضى، وسيكون هذه المرة أقل وسيوجه لمشاريع البنية التحتية». ولفت فدعق إلى أن قرار تحويل الفائض من الميزانيات في الأعوام الماضية إلى الاحتياطي قرار سيادي من الصعب تقييمه. أما الأمين العام للغرفة التجارية بالباحة المهندس سفر غرم الله الزهراني فقال: إن المملكة درجت على انتهاج سياسات مالية متحفظة في تقدير حجم الفوائض المالية في موازناتها العامة لما يترتب على تذبذب أسعار النفط من آثار على إيرادات الموازنة العامة. موضحا أن المؤشرات المتوفرة حاليا وفي ظل انتعاش الاقتصاد العالمي واستقرار أسعار النفط فإن التوقعات تشير إلى تحقيق فوائض لا تنخفض على مستوى المائتي مليار ريال. ومن المتوقع أن تستمر هذه الفوائض على مدى الأعوام الخمسة المقبلة اعتمادا على طبيعة الإنفاق وخصوصا الإنفاق الاستثماري الذي تركز عليه الدولة لقدرته على توليد عوائد في المديين المتوسط والبعيد. وقال الزهراني لقد حققت المملكة خلال السنوات العشر الماضية فوائد مالية ضخمة أسهمت بفاعلية في الوفاء بملفات التنمية بالبلاد وأبرزها قطاعات التعليم والصحة وتدعيم رفاهية المواطن وحاجياته من السكن وخلق مزيد من فرص العمل. وحول المشروعات التي يتوقع أن يصرف فائض ميزانية العام الجاري والأعوام المقبلة عليها قال الزهراني: من المتوقع استمرار ارتفاع المصروفات في الميزانية الجديدة بحدود 10 إلى 20 مليار ريال، زيادة على ميزانية العام الماضي التي أنفقت فيها المملكة حوالي 820 مليار ريال. وسيكون الإنفاق الاستثماري داعما للمشروعات الجديدة وتحويلها إلى روافد توسعية في قطاعات الإنتاج وزيادة الناتج المحلي الإجمالي. ومن جانبه قال: لابد أن نشير هنا لحالة التفاؤل التي يمر بها اقتصادنا الوطني مع عدم التقليل من بعض المتغيرات كالعودة المرتقبة لتصدير النفط الإيراني ودخول ليبيا سوق التصدير بشكل أكبر ومع هذا فإن التوقعات تشير إلى تنامي انتعاش الاقتصاد العالمي وتحقيق معدل نمو متوقع من % 3.1 عام 2013م إلى % 3.8 عام 2014م. وعن ما مدى نجاح سياسة تحويل الفوائض المالية في الميزانية إلى احتياطات في السنوات الماضية قال: أثبتت المملكة نجاحها بشكل عام في دفع عجلة الاقتصاد الوطني وتحقيق معدلات ازدهار واستقرار انعكست إيجابيا على رفاهية المواطن وتحسين معيشته عاما بعد عام، مؤكدا أن هذه السياسة الاقتصادية كانت أحدى دعائمها تحويل نسبة من الفوائض كاحتياطات لرفع معدل التحوط المستقبلي لما قد يطرأ وخصوصا أن المملكة تعتمد بشكل أساسي على عوائد النفط. مشيرا إلى أنه بهذا الأسلوب استطاعت المملكة عبور تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وما صاحبها من هبوط في أسعار النفط ومع زيادة الاحتياطات وارتفاع حجمها فمن الإيجابي التفكير في استثمارها لضمان ثبات قيمتها في المستقبل على أن يراعى منهجية الاستثمار الآمن. أما الخبير الاقتصادي مساعد السعيد فقال: إنه يتوقع وجود فوائض بالميزانية السعودية نظرا لسياسة وزارة المالية المعتدلة ومن المتوقع أن توجه الفوائض نحو مشاريع البلديات والإسكان والتي يرى أنها تأتي في مقدمة أولويات اهتمام الحكومة في هذه الأيام موضحا أن البلديات يتعلق عملها بالبنية التحتية والتي يهم المواطن وصول الخدمات إليها. وأوضح السعيد أن أزمة الإسكان باتت تتصدر اهتمامات المسؤولين لمواجهة الفجوة بين الطلب والعرض والتي يعاني منها المواطنون وعن سياسة تحويل الفوائض المالية من الميزانية إلى الاحتياطات، أكد أنه يرى إنشاء صناديق سيادية تستثمر في الأسواق الناشئة ويكون هناك إعلان بشكل دوري لأداء الصناديق الاستثمارية وبشكل شفاف والتي أراها أفضل من أن تستثمر بطريقة مبهمة عن طريق الذارع المالي لوزارة المالية، وأعتقد بشكل عام أن التوازن في الصرف المالي سيهم بخلق فائض مالي سيسهم بمعالجة عدد من المشاريع والقطاعات المتعثرة. فيما شدد الخبير الاقتصادي خالد السويل على أنه بالفعل يتوقع وجود فائض بالميزانية نظرا لسياسة المملكة البناءة وتحديد سعر ثابت لسعر برميل البترول، وهو أمر واقعي جدا، وأسهم طيلة السنوات الماضية في خلق فائض مالي بشكل سنوي أسهم في تنفيذ العديد من المشاريع الجبارة والعملاقة وأعتقد أن القطاعات الثلاثة التي ستوجه بوصلة الفوائض إليها هي التعليم والصحة والإسكان وأتمنى أن تكون هناك رقابة فعلية على تلك المشاريع حيث كما يعلم الجميع بوجود تعثرات للعديد من المشاريع في السنوات الماضية، وعن سياسة تحويل الفوائض قال السويل: إنه يتمنى أن يكون هناك آلية واضحة للاستثمارات التي تقوم بها وزارة المالية وتحديد ماهية المشاريع المراد الاستثمار فيها. وأعتقد أن التوجه نحو الأسواق الصناعية أمر مهم نظير ما للصناعة دور كبير على مستوى العالم وتحويل المملكة لبلد صناعي والتقليل من الاعتماد على النفط لما لذلك من مخاطر قد تطرأ في المستقبل. من جانبه، اعتبر عدد من المتعاملين في سوق الأسهم أن السوق يعمل كرافد رئيس في تمويل عمليات التنمية في الاقتصاد الوطني، وقد استحوذ هذا الرافد على اهتمام الجهات الرسمية خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه يعمل بحساسية مفرطة لأي مستجدات بالسوق العالمي؛ ولهذا تأثر سوق الأسهم المحلي تأثرا شديدا منذ بداية ظهور تأثيرات الأزمة المالية العالمية في البورصات العالمية في 2008، واستمر بالتذبذب منذ ذلك الحين وحتى اليوم. وبناء على ذلك فقد السوق ثقة الكثير من المتداولين نتيجة الخسائر التي لحقت بهم. وتوقعوا أنه في حال تحقيق فائض فعلي كبير في ميزانية 2014 م سيضاف إلى الفوائض المالية السابقة مما يعطي قوة اقتصادية مستقبلية وتصنيفا ائتمانيا متميزا للحكومة والإنفاق الحكومي التاريخي التوسعي للعام المقبل، وسيعطي درجة عالية من التفاؤل والثقة بالاقتصاد السعودي رغم الوضع العالمي المتقلب. وستعمل الميزانية الحكومية على عمل كافة التدابير الوقائية التي تساهم في صيانة الاقتصاد الوطني من حدوث أي تداعيات سلبية أو طوارئ غير متوقعة نتيجة لتطور الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة من خلال تهديدها الدول التي تعاني أزمة المديونية العالمية، وذلك من حيث السعي لاستخدام بعض من النفقات المالية الحكومية المتاحة لتعزيز أوجه الإنفاق الرأسمالي الاستثماري. وأوضحوا أنه في حال وجود فائض سيولد طلبا متزايدا على قطاعات المقاولات والبناء والتشييد والإسمنت وغيره مما يحتاج إليه في تعزيز البنية التحتية للاقتصاد السعودي. وأكدوا أن أرقام الميزانية غالبا ما تنعكس وتؤتي ثمارها بإعادة شيء من الثقة بسوق الأسهم السعودي، وذلك لأن الفائض الفعلي يعتبر فائضا كبيرا ولا سيما في ظل الإنفاق الفعلي غير المسبوق، مما يُعد رافدا قويا للميزانيات المقبلة. واعتبر المتعاملون في سوق الأسهم أن زيادة الإنفاق الحكومي في المملكة هي دعم للسيولة في الاقتصاد السعودي حيث إن أغلب الإنفاق الحكومي يمول عن طريق إيرادات البترول المباع في الخارج. وهذا يعني تدفق سيولة جديدة في الاقتصاد، تسهم في بث روح التفاؤل، وتدعم الاستثمار، وتنشط عمل البنوك في أداء الوظائف المنوطة بها وخصوصا في دعم سوق الأسهم بالسيولة. ويرى المستثمرون في سوق الأسهم أن هناك عدة عوامل منبثقة من الميزانية يمكن أن تعمل على زرع الثقة والتفاؤل في تحسن وضع سوق الأسهم السعودي مثل الفائض المستمر حيث يعد عامل دعم واطمئنان للمستقبل ورافد قوي للميزانيات المقبلة عند الحاجة إليه، ولا سيما وموجودات مؤسسة النقد وكذلك الزيادة في الإنفاق الحكومي المخطط للعام المقبل إلى معدلات تاريخية تبث روح التفاؤل وتحفز الطلب الكلي وخصوصا زيادة الطلب على منتجات الشركات المحلية، كما ستخلق فرصا وظيفية جديدة تستوعب جزءا من العمالة العاطلة. وقالوا: إن للميزانية الحكومية تأثيرا نفسيا إيجابيا في السوق ككل، بسبب أن الإنفاق الحكومي هو القائد الرئيس للنمو الاقتصادي إلى جانب انخفاض الدين العام إلى معدلات لم تعد تشكل قلقا أو زعزعة في الملاءة المالية للدولة، ولا سيما أنه دين محلي ولا يشكل إلا نسبة ضئيلة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي السعودي، بل والفوائض المالية الحكومية المتراكمة تفوق هذا الدين بعشرات المرات. كل هذا دليل على قوة الاقتصاد وعلامة مهمة على سلامة الموقف المالي للاقتصاد في المملكة. وتوقعوا أن تتأثر بعض القطاعات بشكل مباشر بالميزانية الحكومية لتولد طلبا متزايدا على منتجات هذه الشركات والتي منها قطاع البناء والتشييد وقطاع الإسمنت، إلى جانب تزايد تدفقات السيولة للقطاع البنكي مع تزايد الإنفاق المخطط لعام 2014 م وكذلك سداد جزء من الدين العام. ولا شك أن ذلك سيزيد من معدل السيولة المتدفقة لدى البنوك وسيجعلها تبحث جيدا عن منافذ وقنوات استثمارية أخرى. إن هذا التوسع المستمر في الإنفاق الحكومي يجب أن يشعر به المواطن في تحسين رفاهيته من جوانب شتى وخصوصا من خلال تحسن خدمة التعليم والتدريب والصحة والإسكان وخلق فرص عمل تستقطب العاطلين عن العمل وتحولهم من عالة على الاقتصاد إلى دعم وبناء الاقتصاد بالقيام بالدور الإنتاجي المنوط بهم.