منذ أن وضعت كتاب «الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه رضي الله عنهم» وأنا أفكر في الكتابة عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وعندما بدأت الآن في مراجعة المصادر استوقفني بعض الروايات التي تستحق تقديمها في حديث الجمعة ريثما يتم لي إصدار مؤلف يتضمن سيرته كاملة، ومن اليوم ولعدة أسابيع قادمة بإذن الله سأستعرض جوانب من سيرة الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، بداية مما روي عن الفاروق رضي الله عنه بهذا الخصوص. كما هي العادة خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع مولاه أسلم يعس في طرقات المدينة فلعل هناك جائعا أو مريضا أو ابن سبيل، أو لعل هناك واحدا من شؤون الرعية قد غاب عنه، والله سائله عنه ويحاسبه عليه يوم القيامة، ذلك هو الخليفة الراشد العبقري الملهم، أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه. وطال تعسسه حتى أضناه التعب، ووخزه البرد، فأوى إلى جدار دار صغيرة، وجلس مع غلامه لينال قسطا من الراحة، ليستأنف مهمته. وهناك سمع حوارا بين أم وابنتها، حول ذلك القدر الضئيل من اللبن الذي جاد به ضرع شاتهما، فقد دعت الأم ابنتها أن تخلط اللبن بالماء، حتى يزداد ويفي ثمنه بنفقات اليوم الجديد، وألقى أمير المؤمنين السمع إلى حوارهما، ويحدث أسلم عن ذلك فيقول: بينا أنا مع عمر بن الخطاب وهو يعس بالمدينة، إذ أعيا، فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها: يا ابنتاه قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء، فقالت لها: يا أمتاه، أو ما علمت بما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟ فقالت: وما كان من عزمته يا بنية؟ قالت: إنه أمر مناديه فنادى أن لا يشاب اللبن بالماء. فقالت لها: يا بنتاه، قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر. فقالت الصبية لأمها: يا أمتاه، والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء! وعمر يسمع كل ذلك، فقال: يا أسلم علم الباب، واعرف الموضع. ثم مضى في عسسه، فلما أصبح قال: يا أسلم، امض إلي ذلك الموضع فانظر من القائلة ومن المقول لها، وهل لهما من بعل، فأتيت ذلك الموضع، فنظرت، فإذا الجارية أيم لا بعل لها، وإذا تيك أمها. وإذا ليس لهما رجل، فأتيت عمر بن الخطاب فأخبرته، فدعا عمر ولده فجمعهم فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه؟ ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقه أحد منكم إلى هذه الجارية. فقال عبدالله: لي زوجة. وقال عبدالرحمن: لي زوجة. وقال عاصم: يا أبتاه لا زوجة لي فزوجني فبعث إلى الجارية، فزوجها من عاصم، فولدت لعاصم بنتا وولدت البنت عمر بن عبدالعزيز رحمه الله. وهكذا تزوج عاصم بن عمر بن الخطاب تلك الفتاة – وكانت من بني هلال – الفقيرة الشريفة، الورعة النبيلة، فأنجبت له فتاة سموها (ليلى) وتكنى بأم عاصم، ودرجت أم عاصم هذه في شباب تقي نقي، حتى تزوجها عبدالعزيز بن مروان، فولدت له الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز. السطر الأخير : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد كان فيمن كان قبلكم من الأمم محدَّثون – أي أناس ملهمون – فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر» متفق عليه.