وإن تكن قصة معروفة، فلا مانع من الاستزادة منها. فقد نلتفت إلى معنى لم نعره بؤرة اهتمامنا، لأنه كان خارج نطاق نظرنا وتركيزنا، وربما معرفتنا ببواطن الأمور. فماذا تروي الحكاية التي نقلتها المصادر؟ إنه في إحدى الليالي خرج عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى طرقات المدينة. وكان قد نهى عن خلط اللبن بالماء. فإذا بامرأة تقول لابنتها: ألا تمذقين لبنك؟ وتقصد تخلطينه. فقالت الجارية: كيف أمذق وقد نهانا أمير المؤمنين عنه! فقالت الأم: قد مذق الناس فامذقي، فما يدري أمير المؤمنين؟ فقالت الابنة: إن كان عمر لا يعلم، فإله عمر يعلم. فوقعت مقالتها من عمر. فلمّا أصبح دعا عاصماً ابنه، فقال: يا بني، اذهب إلى موضع كذا وكذا، فاسأل عن الجارية. فذهب عاصم، فإذا الجارية من بني هلال. فقال عمر: اذهب يا بني فتزوجها. فما أحراها أن تأتي بفارس يسود العرب. فتزوجها عاصم بن عمر. فولدت له أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. فتزوجها عبدالعزيز بن مروان، فأتت بعمر بن عبدالعزيز. فراسة ابن الخطاب توقعت أن نسل تلك المرأة الصالحة بالتزاوج مع دمه سيثمر نسلاً طيب الأعراق. وقد كان، وليس في الأمر نبوءة. وإنما معرفة الرجال بالعرق الأصيل والمعدن الذي يستمر بالتوارث. فالعرق دسّاس في الحُسن وفي غيره. وهذا ما نهمله عند اختيارنا للشريك. فأول مطلب للرجل جمال المرأة، وللمرأة مال الرجل. وكأن ما عداهما حقائق ثانوية ليس لنا حاجة في بعثها وبحثها. وفي ذلك تحضرني قصة لامرأة منّ الله عليها بنعمة الأبناء وكانوا صبياناً. فحمدت الله على عطيته وانكبت هي وأبوهم المهندس الناجح على تربيتهم. فإذا بالأيام تفاجئ الأبوين بما لم يجدا له تفسيراً يقنعهما. فنزعة الشر والإجرام التي بدأت تتضح معالمها في شخصيات الفتيان لم يكن لها من مبرر منطقي. إلى أن وقع الأب – مصادفة- على معلومة تقول إن جده الذي لم يره يوماً كان من قطاع الطرق وكنيته «تأبط الشر ومشى». فأتى المهندس بكتب علم الوراثة ليقرأ عن الجينات الوراثية التي تنتقل إلى الأبناء والأحفاد. ومذ حينها لم يعد له من سالفة سوى سؤال أصدقائه الأطباء وذوي الخبرة عن توارث الصفات والطبائع. ومتى تكون الصفة متنحية ومتى لا تكون. وما أسباب تنحيها أو ظهورها من جديد. وما «الأمراض» التي تنتقل بالوراثة لا محالة. فعِيل صبر الأم، ولكنها احتسبت الأجر عند الله، ولسان حالها: وهل أخطأ أبي لأنه لم يتحرَّ عن سلسلة نسب زوجي حين خطبني؟! ففي دراسة حديثة للمخ وتلافيفه تم الاهتداء إلى تحديد جين الإجرام وموقعه في الرأس. في منطقة داكنة على ما يبدو أنها المسؤول الأول عن عمليات إبليس في المخ. وهذا السواد أو الجين إنما ينتقل بسواده من مخ إلى مخ. قد يكمن أحياناً، ولكنه لا يختفي. وكلنا نعاني من السواد ذاته، إنما المسألة نسبية. فهذا يعيش بمنطقة أظلم في مخه من غيره. وذاك يتقلص ظلامه. فكيف السبيل إلى البعد عن الشر؟ يا ليتها بهذه السهولة، لكنا عزلنا الوحوش «مع بعضيهم». والحلوين الطيبين «مع بعضيهم». ولكن الحقيقة والواقع العلمي يعترف بأن السيطرة على انتقاء الجينات، وفرز الصالح منها عن الطالح لا يكون كمن يطرح التفاح المعطوب خارج الصندوق. ومع ذلك، على الفَطِن أن يؤدي ما عليه في تتبّع نسل من سيرتبط بهم بالمصاهرة. فيكون في تفضّل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على أبنائه قبل ولادتهم بانتقائه أمهم أولاً، (كما أخبر بنفسه) المرأة التي سينتمون إليها حتى آخر العمر. فماذا عن المرأة؟ أيلزمها التقصِّي أيضاً عن عرق رجلها قبل الارتباط؟ نعم، وهي أهل لهذا التفكير. فعليها قبل أن يغريها مال الرجل وشكله، أن تسأل عن سيرته وامتداد نسبه. ولو كلفها السؤال جهداً ووقتاً وملامة. صحيح، قد لا يأتي الابن بعطل أبيه وجده وعللهما، ولكن الاحتمال الوارد بامتداد العرق أكبر من تجاهله. وفي عصر المعارف والعلوم، يجب التدقيق في مسألة الزواج وسلامة النسب بوعي أنضج للمستقبل وعواقبه. كاتبة سعودية [email protected]