الشكوى من الاختناق المروري في المدن الكبيرة لم تنه بعد.. وأثبتت التجارب أن المخرج من هذه المتاهة يعتمد كثيرا على الحلول الهندسية، بعد أن أوقعنا التخطيط قصير المدى في (حيص بيص)، إذ كانت استراتيجية تخطيط المدن قصيرة المدى ضيقة الأفق، وربما يعود ذلك إلى غياب المعلومة الدالة على النمو السكاني والتنموي، وبسبب ذلك ولدت مدن مخنوقة تماما، وما زالت تعيش في حضانة إنعاش تتلقى أمصالا مختلفة لتتجاوز عاهة غدت مستديمة.. ولو أخذنا مدينة جدة كأنموذج لهذا الاختناق، سنجد أن هذه المدينة تعيش بثلاثة شرايين رئيسية هي: طريق الملك، وطريق المدينة، وطريق الحرمين، وإن جاز لنا الاستمرار في التشبيهات الطبية، فسنجد أن طريق الملك هو الوحيد الذي خضع لقسطرة، فغدا سالكا تتواجد به سيولة مرورية جعلته مهوى السالكين في مناكب مدينة جدة، بينما ما زال طريق الحرمين خاضعا لعملية إصلاح طال أمدها واختنق تماما بسبب تواجد الشاحنات والمركبات الضخمة إضافة إلى كثافة السيارات المنتقلة من الشرق للغرب والعكس أيضا، ولو حدث بهذا الطريق حادث بسيط يتوقف للساعة والساعتين وتمتد طوابير السيارات على مسافة عدد من الكيلو مترات من غير حركة أو إسعاف مروري لصعوبة تدخل رجال المرور، وهذا الطريق يعاني يوميا من صعوبة الحركة وخطورة سير المركبات الضخمة.. أما الشريان الرئيس في مدينة جدة، فهو طريق المدينة وهو منتج لتلك الخطط قصيرة المدى ويمتاز هذا الطريق بكثافة العربات وكثرة المداخل والتقاطعات، فيصبح السير من خلاله إهدارا للوقت وجالبا للضيق ومحفزا لأن تفقد أعصابك تماما مما يحدث فيه من اختناق يبدأ بالقبض على رقبتك وينتهي بتفتيت عضلات قدمك الضاغطة على دواسة البنزين والفرامل.. هذا الطريق لمن ليس لديه خبرة هندسية سوف يعتبره كصديق المتنبي ذلك العدو الذي ليس من صداقته بد، بينما العارف بعلوم الهندسة حتما لديه حل هندسي ما يخرج هذا الطريق من تصلبه وضموره وتكدس السيارات به، خصوصا أن تجربة طريق الملك تؤكد أن هناك حلولا هندسية متى ما تم وجوب أهمية إحلالها، ونتمنى على الجهات ذات الاختصاص النظر لطريق المدينة وإيحاد حلول هندسية شبيه بحلول طريق الملك؛ لكي تسهل على الناس ذهابهم وإيابهم، فبالضرورة هناك حل.. ولو عدنا إلى طريق الملك، سنجد أن سيولة السير به أخذت في التراجع بسبب احتلال السيارات لثلاثة مسارات عند كل تحويلة، بينما تفرغ رجال المرور لمشاهدة ذلك التكدس من غير أن يحدوا منه.. ولو شاهدت بعضهم تستغرب إهمالهم أداء دور مهم في إبقاء الطريق ذا سيولة نموذجية. أخيرا، لو أن تخطيط المدن خلف لنا هذه المدن المخنوقة، فعلينا أن نستعين بالخطط الهندسية لتقليل هذا الاختناق وإبقاء شريين المدينة قابلة لأن تحيا في ظل كل هذه الكثافة الهائلة من العربات.