ما رأيكم في إنسان يمشي (جنب الحيط) فإذا بالحائط يقع عليه - وإنسان آخر يلزم داره فإذا بالأذى والظلم والبهتان يطرق بابه.. ومع هذا إذا قابلته رأيته هاشا باشا محبا لكل الناس وكأنه لم يمسه ضر ولم يلحقه ضيم. قلت له: ما بالك لا تجزع ولا تغضب ولا تشكو وأنت على ما أنت فيه من ضيق وكرب؟ قال: لقد اخترت أن أتوكل على الله في كل أموري صغيرها وكبيرها.. حسنها وسيئها .. ثم أنشد يقول: توكل على الرحمن في الأمر كله فما خاب حقا من عليه توكلا وكن واثقا بالله واصبر لحكمه تفز بالذي ترجوه منه تفضلا قلت: إنك لا تدافع عن حق هو لك .. أو ضيم وظلم لحقا بك .. أو فرية افتراها أحد عليك. قال: وما حاجتي إلى دفع مكروه أراده ربي لي .. والله ما كان ليصيبني إلا ما قدره الله .. وأنا راض بقضاء الله وقدره. قلت: ولكن السكوت على الظلم مذلة.. قال: ومن الذي أخبرك أنني سكت.. لقد رفعت شكواي إلى من هو أكثر عدلا وإنصافا من كل البشر .. إلى الله تعالى .. ألا يكفي هذا؟ قلت: بلى.. ونعما بالله تعالى .. - قال مبتسما متهللا: هل عرفت الآن لماذا لا أجزع ولا أشكو لأحد من خلق الله؟.. لأني اخترت الشكوى لمن خلقني وخلقهم .. وهو الحق وهو العدل .. وما خاب من قصده وطرق بابه .. فلا أوسع ولا أشمل من رحمته وعدله وإنصافه .. إن من توكل على الله كفاه شر عباده .. ولست أحزن إن شاء الله من مقدور قدره الله لي .. ولا من بلية ابتلاني بها .. فعقب كل ذلك يأتي الفرج وتأتي الرحمة .. ويأتي الخير .. فما خاب من قصده ..ولا ذل لمن أعزه الله وأكرمه.. ثم التفت إلي وقال ضاحكا: والآن انصرف.. فليس لدي ما أزيد.