بعد أن صرفت الأندية السعودية أكثر من حوالى مليار ريال في سنة واحدة من سنوات الاحتراف الطويلة، جاء اليوم الذي تعلن الأندية السعودية المطبقة لنظام الاحتراف إفلاسها المادي بعد أن عاشت سنوات في (وهم) الاحتراف والذي أكل الأخضر واليابس مع الأسف الشديد، ولم نجنِ منه سوى مزيد من الخزائن المثقلة بالديون والشكاوى التي امتلأت بها أدراج لجنة الاحتراف، إضافة إلى الشكاوى المقدمة من لاعبين وأندية خارج الوطن للاتحاد الدولي (فيفا). وهذا بطبيعة الحال له أسباب وتراكمات كبيرة وكثيرة جدا صاحبها سوء في التدبير والتصريف في الإدارة علاوة على افتقار بعض مسؤولي هذه الأندية للفكر الرياضي الصحيح المتخصص وغياب العمل المؤسساتي الذي يضمن وبشكل كبير غياب الأخطاء الكوارثية التي أوصلت الأندية لهذا الحال والوضع المزري وجعلها غير قادرة على الالتزام بأمورها المالية، ومع هذا لازالت الأخطاء تتكرر والعقود الضخمة يتم توقيعها دون اكتراث بمداخيل الأندية التي هي في واقع الأمر شبه معدومة، عدا ما يدخل خزائنها من فتات أعضاء الشرف ومداخيل الاحتراف المتمثلة في الجماهير والنقل التلفزيوني، وهي مبالغ لا تكفي لدفع مقدم عقد أحد لاعبيها مع ما يأتي من مداخيل الاستثمار (الخجول) في رياضتنا مع الأسف الشديد فالمستثمر لا يثق برياضتنا والدليل على ذلك كثرة (فسخ العقود) بين الأندية والشركات الراعية لها. ومع كل هذا.. ما هو الحل من وجهة نظر عامة لنصل بأنديتنا لما نريد ونجعلها أندية محترفة بكل شيء؟ نسلط الضوء على هذا الجانب من خلال آراء الشارع الرياضي السعودي ومن جميع المنتمين لهذا الوسط لنعرف متى تصل أنديتنا لمرحلة (الخصخصة) التي نرددها ونطالب بها ولكنها حتى الآن لم تظهر. في البداية يقول سلطان المهوس ناقد رياضي بصحيفة الجزيرة: «إن الأندية من الطبيعي أن تفلس لأن الضوابط المالية للصرف على مزاج رئيس النادي أو المتنفذين، وليست إدارة مالية رسمية محاسبية تضبط أمور الصرف وإيرادات الاستثمار والدخل.. لذلك فإن هروب الرعاة شيء طبيعي جدا لأنه يحتاج إلى جو من الثقة والوسط الرياضي حالته الإدارية متهلهلة وتسير بنظام (شختك بختك)، ومن الممكن أن يرحل أي رئيس ويدخل المستثمر في دوامة لأنه يريد أرضية واضحة ومعتمدة، إضافة إلى عدم وجود جهة تحكم محايدة لحل إشكالات الأندية والرعاة لو حصلت، إنما تقوم العملية على حب الخشوم أو العلاقات العامة، لذا فإن الحل يكمن فقط في (الخصخصة) لقطع دابر الفوضى المنتشرة في أنديتنا والتي تظل في تزيد بكل أسف». ومن جانب فني أكاديمي يعدد البروفيسور عاصم صابر حمودي أستاذ التربية البدنية بجامعة حائل - المتخصص في مناهج وطرق تدريس التربية البدنية وكرة القدم - أسباب إفلاس الأندية السعودية بنقاط هي: - تضخم عقود اللاعبين السعوديين في الدوري بعد أن وصلت لأرقام كبيرة مقارنة بما هو معتاد في الأندية السعودية. - عدم توافر الرعاية من شركات ومؤسسات كبيرة. - ضعف أعداد حضور المباريات. - انخفاض أسعار تذاكر الدخول للمباريات. - عدم استقرار حقوق النقل التلفزيوني وعدم الاتفاق على طريقة مناسبة لتوزيع مقابل النقل التلفزيوني على الأندية. - زيادة حجم مصروفات الأندية التي تفوق مواردها المالية. - الاعتماد على التبرعات من رئيس النادي وأعضاء الشرف، وعدم وجود مؤسسات كبرى تجارية واقتصادية للأندية الرياضية السعودية. - إهمال فرق الناشئين والشباب بالأندية وعدم الاعتماد عليهم لدعم الفرق الكبرى. - الصرف ببذخ على كرة القدم خاصة في الدوري الممتاز وإهمال الألعاب الرياضية الأخرى، لأن كل رئيس نادٍ لديه رغبة في أن تكون فترة رئاسته للنادي هى الفترة المثالية وفترة البطولات في كرة القدم. وعن الحلول المقترحة لحل مشكلة إفلاس الأندية السعودية: - البدء في تنفيذ مشروع خصخصة الأندية الرياضية في أسرع وقت. - توفير عقد رعاية مع إحدى الشركات أو المؤسسات الكبرى ليخفف من أعباء المصاريف المالية الكبيرة للأندية. - تفعيل دور الشركة التسويقية المختصة (صلة) المسؤولة عن توفير عقود استثمار للأندية والاتحاد السعودي ورابطة دوري المحترفين، أو البحث عن شركة تسويقية أخرى تقوم مقامها، وإيجاد مسوقين في الاستثمار الرياضي بشكل عام. - أن تصنف الرياضة السعودية (رياضة مؤسسات). - الاستعانة بوكلاء اللاعبين لاستقطاب نجوم كرة القدم العربية للعب في المسابقات والدوري السعودي نظرا لضعف سوق الانتقالات المحلية العربية ولتواضع المقابل المالي مقارنة باللاعبين الأجانب وبخاصة لاعبي أمريكا اللاتينية وشرق أوروبا. - تدخل الرئاسة العامة لرعاية الشباب والاتحاد السعودي لوضع سقف أعلى حتى لا تستمر الزيادة في عقود اللاعبين السنوية. - أن نجعل من الأندية الرياضية السعودية مؤسسات تجارية واقتصادية مستقلة. - الالتزام باللائحة المالية في الصرف على الأنشطة الرياضية في النادي حتى لا يزيد حجم المصروفات عن حجم الموارد. - الاهتمام بفرق الناشئين والشباب بالأندية والاعتماد عليهم لدعم الفريق الأول وتوفير المبالغ الطائلة للتعاقد مع لاعبين من خارج النادي. - العمل على استكشاف اللاعبين المميزين في المدارس والاهتمام بهم لدعم فرق النادي في الألعاب الرياضية المختلفة. من جانبه يقول عبدالعزيز الخالد المدرب الوطني والمحلل الفني: «إن عبارة (إفلاس الأندية) تعبر عن واقع الأندية السعودية، فمصروفاتها أكبر من دخولها، وهنا الخلل الكبير والذي حذرنا منه سنوات وقلنا إن الأندية قد تصل لمرحلة لا تستطيع معها الوقوف على قدميها بالنسبة للرعاة، لا نلومهم إن هم تركوا الأندية، فليس في رياضتنا بكل أمانة ما يشجع على الاستثمار في ظل التخبط الواضح في توقيع عقود احترافية كبيرة مع لاعبين لا يستحقون هذه العقود، ولابد من إعادة صياغة الأمور من جديد وتطبيق الخصخصة وقبل ذلك تجهيز الأندية لهذه المرحلة المهمة، أنديتنا فقيرة ولولا دعم الشرفيين ورجال الأعمال لأصبحت في حكم (المتسولة)، لذا فالبداية تكون من الصفر إن نحن أردنا أندية محترفة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، نحتاج للخصخصة ولكن ليس بالوضع الحالي لأنديتنا». ويرى محلل القنوات الفضائية اللاعب الدولي السابق فيصل أبوثنين أنه «ومع الأسف الشديد أنديتنا الرياضية أفلست لأنها تصرف دون وجود مصادر مالية ثابتة ودخول لها هي فقيرة وتعتمد على الأشخاص، نحن نعترف بأن هناك أخطاء، ولكن يجب ألا ننسى أن من يديرون الأندية التي تعتبر محترفة أشخاص غير محترفين وغير اقتصاديين، والأمور تسير بالبركة، وبالنسبة للرعاة يوجد في أنديتنا ما يشفع لحضور الرعاة فليس هناك منتجات يمكن تسويقها ونحتاج لوقت طويل لنصل لعلامة الرضا كاملة عن الأندية، وهناك نقطة يجب أن ننتبه لها تكمن في ارتفاع العقود على مستوى العالم كامل، وليس لدينا فقط، انظر لدول الخليج المجاورة تصرف ملايين الدولارات على صفقاتها لكنها تختار لاعبين معروفين، فيما أنديتنا لديها مشكلات كبيرة تتعلق بمقراتها باستثناء أندية قليلة غنية، أما البقية فهم مع الأسف الشديد يعيشون أوضاعا مادية صعبة للغاية بسبب عدم قدرتهم على مجاراة الأندية الكبيرة، وعن الخصخصة فنحتاج (للتأهيل) قبل الدخول لهذه المرحلة التي فيها فائدة كبيرة لأنديتنا لكنها بعيدة عنا لأننا غير جاهزين فعليا لذلك، لن نكون متشائمين جدا لكن أتمنى دعم الأندية من الدولة ماديا وتجهيز مقراتها ومن ثم إدخالها بنظام الخصخصة التي طال انتظارها وزادت المطالبة بها ولكنها صعبة في هذا الوضع الحالي الذي نراه الآن». وفي سؤالنا لأصحاب الشأن يجيب رئيس لجنة الاحتراف الدكتور عبدالله البرقان بأن «الأندية هي من أوصلت نفسها لما هي فيه بسبب الصرف العالي وغير المقنن في صفقاتها والدليل على ذلك كثرة الشكاوى التي منعت بعض الأندية من تسجيل اللاعبين، إضافة إلى تجميد الحسابات وهي أشياء لم نكن نعرفها، وطبعا هي تراكمات لسنوات مضت من العمل العشوائي والذي تعاقبته إدارات الأندية تباعا، بطبيعة الحال نحن نتمنى أن تكون الأندية غنية وقادرة على تسيير أمورها بدون مشكلات مالية وبتخطيط مسبق، وشاهدنا المشكلات التي حصلت في فترة التسجيل الماضية وحرمان بعض الأندية من التسجيل حتى أن نادي الاتحاد كان هو آخر نادٍ سمح له بالتسجيل وشارك بجولتين أو ثلاث دون لاعبيه الأجانب واللاعبين المحليين والذين تم تسجيلهم قبل الفترة، كذلك الفترة القادمة لن تخلو من المشكلات وأتمنى من الأندية تنظيم عملها وصرفها المالي بشكل دقيق لأن المرحلة المقبلة ستطبق فيها أنظمة صارمة. وبالنسبة للرعاة فأتمني توجه الشركات والمؤسسات للأندية والاستثمار فيها خاصة في الوقت الراهن لأن احترافنا وأنديتنا بحاجة لمثل ذلك، كما أنها ستستفيد من المردود المادي. وبشأن الخصخصة أعتقد أن الوقت لازال مبكرا لمثل هذا الأمر ولازالت البيئة الرياضية بحاجة لمزيد من التنظيم في منظومتنا الاحترافية لكي نقدم على الخصخصة التي بلا شك ستكون أفضل من الوضع الحالي». وأخيرا يؤكد عدنان المعيبد عضو الاتحاد السعودي لكرة القدم وعضو مجلس إدارة نادي الاتفاق مسؤول الاستثمار بالاتحاد أن موضوع إفلاس الأندية كبير ويحتاج لنقاشات كبيرة، وأرى أن مصطلح إفلاس غير صحيح فالإيرادات جيدة وفي تطور مستمر وهناك أندية وضعها المادي ممتاز ولكن الأندية التي تعيش على التبرعات هي (المفلسة) وفي السنوات المقبلة ستكون أفضل بدون شك، والمشكلة أن هناك أندية تصرف أكثر من دخلها وهنا المشكلة، فمداخل الاحتراف والنقل التلفزيوني والإعلانات بالملايين ولكن الصرف عالٍ جدا، وللمعلومية المداخيل ستزيد أكثر لكن يجب أن يقابلها صرف متزن، ولك أن تتخيل أن مصاريف الأندية في العام الماضي 940 مليون ريال يقابلها مداخيل 420 مليون ريال، يعني أن الفارق يأتي من التبرعات ودعم أعضاء الشرف وهذا بطبيعة الحال لن يستمر، فعضو الشرف قد يدعمك فترة ولكنه لن يستمر بالدعم بطبيعة الحال لأن عضو الشرف ما يقدمه هذا العام قد يتوقف يوما ما وهذه المصادر المالية بطبيعة الحال غير ثابتة وهنا المشكلة. بالنسبة الرعاة لم يخرجوا من الأندية كما يتردد دائما ولكن هذه شركات تسوق لمنتجاتها وبعد فترة تعيد النظر إذا وجدت أنه غير مجدٍ لها وهي بالتالي شركات استثمارية، ثم لماذا يحمل المسؤولون في الاتحاد مسؤولية جلب الاستثمارات؟ وأين دور مسؤولي الاستثمار في الأندية الرياضية؟ لماذا لا يصلون للشركات الكبيرة ويقدموا أنفسهم وأنديتهم؟ لذلك يجب عدم الاتكال على مسؤولي الاستثمار في الاتحاد السعودي فالعملية متاحة للجميع. وبالنسبة للخصخصة فهي مرحلة لم نصل لها بعد ولا يمكن خصخصة أندية تعتمد على التبرعات وبنيتها التحتية ضعيفة ومتهالكة».