ما يحدث الآن في ليبيا شيء طبيعي لأنه نتاج ما أفرزه النظام الدكتاتوري السابق الذي انفرد بالسلطة لمدة 40 عاماً، وردة فعل من جراء إلغاء النظام المؤسساتي والعمل الوطني. وإعادة البناء والاستقرار على كل التراب الليبي ليس بالأمر السهل، وقد تستغرق عودة الهدوء إلى هذا البلد النفطي الغني قرابة الخمس سنوات؛ لأن هناك عدة عوامل تجعل عملية عودة الهدوء في وقت قصير صعبة نسبياً بسبب مساحة البلاد المترامية الأطراف وتعدد القبائل وتفاوت موارد النفط في عدد من مناطقها مما يشجع بعض قبائلها على التحدث بصوت عال لطرح التقسيم بغرض الانفراد بمداخيل الموارد النفطية للمناطق التي يسيطرون عليها. فدعاة الانفصال الفدرالي هم دعاة تمزيق للوحدة وسينعكس سلباً على كل المناطق. فالشعب الليبي يعلم جيداً بأن الوحدة أمر لا بد منه ويعلم بأن هناك أيدي وجهات داخلية ودولية تعمل على زعزعة الاستقرار لأنها خسرت الاستفادة التي كانت تجنيها من النظام السابق. وما يحدث الآن من صراعات قبلية أو مناطقية هي فقط لتحديد النفوذ لكل منطقة أو قبيلة ولكن لا أعتقد بأن الليبيين سيخضعون لقرارات التقسيم والانجرار إلى حرب أهلية. والشعب الليبي يضم بينه العديد من الحكماء والعقلاء وأصحاب الرأي السديد الذين يقفون سداً أمام تمزيق النسيج الليبي. ولا نحبذ أبداً التدخل في الشأن الليبي من قريب أو بعيد فالشعب الليبي هم الوحيدون القادرون على تحمل مفرزات ما يحدث الآن وهم قادرون على استعادة وحدة التراب الليبي. وأي تدخل خارجي في الشأن الليبي سوف يؤدي إلى فتح المجال أمام المصالح الخاصة والتي ستعمل على تعميق الانقسام وتوسيع الفجوة بين أبناء الشعب الواحد وسيكون الشعب الليبي هو المتضرر الأول والأخير من هذا التدخل الذي سيعمل على إضعاف البلاد وإدخالها في نفق مجهول وخطير.