في المدن الكبرى يشتعل فتيل الخلافات الأسرية، فحراك الحياة في المدن النابضة بالحياة مثل عروس البحر الأحمر جدة يدعو إلى مثل هذه الخلافات، فإيقاع الحياة وكسب لقمة العيش، وغيرها من الصراعات تدعو إلى مثل هذه الخلافات، لكن السؤال الذي يؤرق الخاطر، هل يمكن أن يكون الغرباء أو المتبرعون لفض الخلافات الزوجية بمثابة بلسم يرضي الزوجين؟ إجابة هذا السؤال نستقيها من عدد من الأخصائيين، والذين يؤكدون أن فحص النوايا لهؤلاء من الضرورة بمكان، بينما يرفض أزواج آخرون تدخل الغرباء أصلا في خلافاتهم لأنهم يزيدون من اشتعال النيران. وفي هذا السياق نجد أن الكثير من الأزواج يرتكبون أخطاء فادحة يصفها البعض بالحماقة، وذلك مع اشتعال أول شرارة خلاف أسري، وتكمن فداحة الخطأ حين تفتح الأبواب لمقترحات الآخرين وتبدأ الآذان في الإصغاء لآراء ذوي القربى أو الأصدقاء وإقحامهم في أسباب الخصومات وانتظار الحلول منهم. وعزا أخصائيون أسريون أسباب تفاقم الخصومة بين الزوجين في كثير من الأحيان إلى إشراك الغرباء في مشكلاتهم، إذ يؤدي التدخل في غالب الأوقات إلى تمسك كل طرف برأيه وموقفه ما يزيد الأمور تعقيدا. وذكرت المعلمة مراجي ناجي أن الخصومات والمشكلات كثيرة في بيت الزوجية وتزداد أحيانا مع تقادم السنين، وما تلبث أن تشتعل في حال تدخلت أطراف أخرى في صراع الزوجين. وأشارت إلى أن الزواج السعيد يحتاج إلى بناءات متكاملة وشاملة تستوعب خصوصيات الطرفين ومعرفة طبائعهما بالأساس، وأضافت: «البشر بطبعهم كثيرو الأخطاء، ومن المعتاد أن يتنازل كل طرف عن بعض خصوصياته ويتخلى عن بعض طباعه لضمان استمرار سفينة الحياة الزوجية لتمر بسلام من كل عواصف الأيام». من جهتها قالت نسمة هاني: «في حياتنا اليومية وخلال اجتماعات النسوة نسمع عن الكثير من المشكلات التي كانت التدخلات الخارجية سببا في اتساع رقعتها وعلاقات زوجية خلصت إلى الطلاق بسبب الإدلاء بالآراء في غير مكانها والنصائح التي تحولت إلى نقم وهدمت أعشاشا زوجية». وأوضحت أن غالبية الخصومات قد تكون في أغلب الأحيان بسيطة وحلولها ميسرة، إلا أن فتح باب التدخل للآخرين سواء كانوا قريبين أو بعيدين أدى لتعقيدها ما دفع الأزواج إلى المسارعة في اتخاذ قرارات غير صائبة أدت إلى تفكك الأسرة وضياع الأبناء. واستطردت: «إن القرارات والأحكام الأليمة الناتجة عن التسرع وعدم قبول الاعتذار تلحقها استشارات ونصائح لأناس يدخلون في لب المشكلة، فالاستماع إلى النصائح من قبل الأصدقاء والأقرباء والأهل قد ينتج أحكاما طائشة تؤدي إلى ما تؤديه إلى خراب البيت الزوجي وقد تختلط الأوراق التي كان من المفترض ترتيبها». بدورها قالت صادقة عبدالحميد: «في كثير من الخصومات التي أمر بها مع زوجي أستعين بالصديقات المقربات، خصوصا ذوات الخبرة في الحياة الزوجية، حيث إنهن دائمات الإرشاد والنصح ولا أتخذ القرارات بشكل مباشر بل أفكر فيما يطرحن من كل الزوايا». وتابعت القول: «أدرك جيدا المقاصد والنوايا الحسنة في أطروحاتهن فأنا متزوجة منذ فترة وجيزة ولا أستغني عن رأي أمي ومشورة صديقاتي». ونوهت إلى أنه على النقيض من حالتها توجد نسوة لا يرضين بتدخل أحد في مشاكلهن وخصوماتهن مع أزواجهن ولا يقبل إلا بحلها معتمدات على أنفسهن بعيدا عن أي قوى خارجية. من جهتها رأت سميحة إبراهيم أن تبادل الخبرات خصوصا في الخصومات الزوجية مألوف بالنسبة للمجتمع النسائي، قائلة: «في اعتقادي أن الواقع ليس غريبا علينا نحن النساء، فغالبيتهن يطرحن مشكلاتهن في العمل أو البيت للصديقات وتتم مناقشتها وتداولها ومن ثم اقتراح الحلول». واستدركت قائلة: «الخصومات موجودة بشكل دائم في الحياة الزوجية لكن أنا لا أقبل إشراك الآخرين في هذا الأمر، وينطبق الحال على المقربين سواء أمي أو شقيقاتي، لأني أرى أن الخصومة القائمة خصوصية زوجية، وعلينا حلها بأبسط الطرق ودون تدخل الآخرين». وتابعت القول: «إذا وجد الود والحب والاحترام والتفاهم لابد إذن من إيجاد حل لسوء التفاهم، ودوما أنصح صديقاتي بأن النقاش وتحكيم العقل والتصرف اللائق مع الزوج من أهم الوسائل لإذابة الخلاف». فيما نصحت فاتنة أحمد بضرورة تنازل كل طرف لأجل أن تستمر الحياة الزوجية، مؤكدة أن العناد والإصرار على الخطأ يزيد المسائل تعقيدا ما ينعكس كذلك على قرارات الزوجين. وأشارت إلى أن العلاقة الزوجية والخصومات لا يحق لأحد التدخل فيها أيا كانت صلة القرابة إذ إن الواقع يعنيهم دون سواهم. وعن أسباب الخصومات قالت إن المسائل التي تدور حولها أسباب الخلافات الزوجية الحالة المادية وكيفية العيش وهذه واحدة من الشماعات التي يعلق عليها فشل الزواج والتواصل بين الزوجين. وأضافت: «عندما تحدث خصومة لابد للمرأة من الاتصال بالصديقات أو القريبات للتباحث والتشاور بخصوص الأمر لتتفادى استمرار الصراع والغضب وانقلاب الأمور في البيت، وهنا يأتي دور الرجل لتهدئة المسائل وإعادة المياه إلى مجاريها، لأن أي تدخل خارجي سيهدم الثقة وبالتالي سيكون سببا آخر للخلاف». وعن تدخل الأمهات قالت بهجة عابد: «من الخطأ تدخل الأهل وتحديدا الأمهات في شؤون أبنائهن وبناتهن، تعمد بعض الزوجات إلى طلب «الفزعة» من أهلها في حال وقعت بينها وبين زوجها خصومة، فتستنجد بوالدتها «حماة زوجها» أو شقيقاتها فيزداد الأمر تعقيدا». ونوهت إلى أن تدخل الأهل في الشؤون الخاصة للزوجين، يزيد المشاكل ولا يحلها مهما كانت النوايا حسنة، ووصفت الزوجة الذكية الواعية بتلك التي تحرص على وضع طوق حول حياتها الأسرية واحتواء الخلاف بأسرع وقت ممكن دون السماح لأحد بالتدخل. وأضافت: «في حال كان الزوج أو الزوجة لا يكتمان أسرارهما ولا يستطيعان حل مشاكلهما دون تدخل أحد ويتركان المجال للأهل لتقديم المشورة والحلول فإنه في أحيان كثيرة يتسبب الأهل بقصد أو بدون قصد في إفساد الزوجية». وعلق المستشار النفسي أحمد حمد على تدخل الأهل والأصدقاء في الخصومات بقوله إن الحياة فيها الكثير من المشاكل بسبب الحياة المعقدة التي نعيشها خلال هذه الأعوام، وعليه فإنها تحتاج إلى رجاحة العقل وحسن التصرف ووزن الأمور بميزان العقل والتروي في إصدار الأحكام، لأن الحياة الزوجية ليست مرحلة عابرة في حياة البشر، بل إنها تجربة تمتد إلى نهاية العمر. وأكد على ضرورة التوفيق بين المسائل الخاصة التي ينبغي أن تكون فيها خصوصية وسرية، لأنها شيء ثمين يجب عدم التفريط به، مضيفا أن تدخل الأصدقاء أو الآخرين في حل المشكلات لا ضير فيه شريطة أن يصب التدخل في خدمة الأطراف المتنازعة مع أخذ الحيطة والحذر من النوايا الباطنة. ونوه إلى وجوب أن يتحصن الزوجان بمن يثقان بهم في معالجة المشكلة وكذلك معرفة النوايا الصادقة من النوايا المغرضة كي لا تكبر المشاكل وتؤدي إلى الانفصال. مصداقية وشفافية يرى خبراء العلاقات الزوجية أن أفضل الحلول للمشكلات الزوجية والعائلية وحتى المشكلات بين الأصدقاء أن لا يتدخل فيها أحد، بل تحل بينهم هم فقط، لأن وجود المتخاصمين بمفردهم يجعل نسبة المصداقية والشفافية لديهم أكبر وهذه أهم نقطة في حل المشكل، حيث إن وجود طرف آخر سوف يحد من تلك المصداقية ليس لشيء، ولكن بدافع الخجل أحيانا، لذا وجود المتخاصمين بمفردهم أرى أنه أفضل، علما بأن بعض المشكلات لابد من تدخل أطراف أخرى وهذا يعود لحجم المشكلة.