يشكل تدخل الأقارب في شؤون الأزواج خاصة خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج مشكلة حقيقية، وقد يتدخل الأهل في حياة الزوجين من باب الحرص عليهما، وقد تتخذ "الحماة" موقف العدو وتقف بالمرصاد من الزوجة، فتتصيد لها الأخطاء، وقد يصل الأمر إلى الطلاق رغم "النوايا الحسنة" في بعض الأحيان. "الرسالة" ناقشت مع المختصين أسباب تدخلات الأهل بين الزوجين وكيفية الحد من آثارها السلبية ؟ في البداية شدّدت الكاتبة السعودية ليلى الشهراني على أن تدخلات الأهل في حياة الزوجين تأتي في ظل مشاكل تبدو بسيطة بين الزوجين وقد تتصاعد بشكل خطير بتدخل الأهل، وقالت: "لا يخلو أي منزل من الخلافات, وقد قيل قديما -البيوت أسرار- دلالة على ما تخفيه هذه البيوت وراءها من أحداث وقصص". وأشارت إلى أن المشاكل تبدأ صغيرة، ويستطيع الأزواج تجاوزها, لكن في بعض الحالات تكثر مشاكل الأزواج بالتدخلات المباشرة من الأهل, وذكرت أن بعض أمهات الأزواج تتدخل في كل صغيرة وكبيرة, وتتضخم المشاكل عادة بكثرة توجيه اللوم والنقد والعتاب. وأوضحت أن الأم تشعر بأن الزوجة أخذت منها ابنها أو أنها لا تستحقه, فتبدأ المشاكل نظرًا لأن الغيرة فطرية في قلب الأنثى التي تحب الاستئثار بحب الابن، وفى المقابل تشعر الزوجة بأن علاقة الأم بابنها انتهت في ليلة زفافه وانتقاله لعش الزوجية, وكأن هذا العش جدار فاصل يفصله عن أسرته، ومن هنا يحدث التنافر وتبدأ تدخلات الأهالي. وأضافت: "وفي المقابل تذهب العروس لوالدتها باكية شاكية من أم الزوج التي تقاسمها في زوجها , وتؤلب ابنها وتجيش بناتها للهجوم على هذه الدخيلة, وتبدأ الحروب شيئا فشيئا إلى أن تصبح حياة الزوجين جحيما، ثم يبدأ التنافر والبعد العاطفي بينهما, ويخلو عش الزوجية من كلمة حانية, وهذا يؤثر سلبا على الأطفال, نتيجة ما يرونه عبوسًا وتجهمًا بين الوالدين". شخصية تسلطية أما المشرف التربوي عبدالله المحمدي فيُبين أن تدخلات الأهل بين الزوجين ناتجة عن عدم نضج الزوجين وعدم قدرتهما على معالجة مشاكلهما دون تدخل، وعدم إدراك الزوجين لخطورة تدخل أحد في حل مشاكلهما، وضعف شخصية الزوج أو الزوجة، نقص الخبرة في التعامل، التربية الخاطئة للزوجين أو أحدهما بجانب وجود شخصية تسلطية سواء من الآباء أو الأمهات، وعدم إدراك الآباء والأمهات لأهمية إعطاء الزوجين الفرصة لحل مشاكلهم واكتفائهم بالمشورة عند طلبها منهما. وأوضح أن هناك حالات تؤدى إلى كثرة تدخلات الأهل في الحياة الزوجية كما في حالة الابن الوحيد، واعتماد الابن على والديه اقتصاديًا, والسكن مع أهل الزوج أو أهل الزوجة في منزل واحد مشترك، وكذلك الشخصية الضعيفة لدى كل من الزوج أو الزوجة. وأشار إلى أن معالجة تدخل الأهل في الحياة الزوجية تختلف من حالة زوجية إلى أخرى وفقًا لعدّة اعتبارات منها: المدة الزمنية لهذا التدخل، نوعية المشاكل التي يتدخلون فيها، آثار هذا التدخل على العلاقة الزوجية، وذكر أن تدخل الأهل في الحياة الزوجية قد يزيد المشاكل ولا يحلها مهما كانت النوايا حسنة، ناصحا الزوجة الذكية بعدم إشراك أي طرف فيما بينها وزوجها، خاصة والديها وكذلك الزوج، واحتواء خلافات الزوجية بطريقة دبلوماسية. وبين المحمدي أن الحل لتدخلات الأهل هو تنشئة الأبناء والبنات وتربيتهم بشكل سليم، وإشراكهم في المواقف الحياتية لصقل خبراتهم، وبناء التصورات الصحيحة للحياة الزوجية، وكذلك بناء الثقة والاستقلالية في شخصية الأبناء والبنات، وغرس قيم الحوار وممارسته وتقبل الآخرين دون تصادم معهم حال الاختلاف، وحسن التوجيه من قبل الآباء والأمهات عند وقوع الخلاف بين الزوجين وعدم محاولة نصرة طرف على حساب الآخر لأن الرابح في هذه المشاكل خاسر. خارج الأسوار أما المستشار الأسري د. خالد المنيف فيرى أن أخطر ما يهدد الحياة الزوجية، ويؤثر على استقرارها هو انتقال مشكلات الزوجين خارج أسوار المنزل، وخاصة إلى الأهل، فكل طرف سيتحيز لابنه أو ابنته ويتحول الموضوع من خلاف بين الزوجين إلى صراع عائلي لا يمكن احتواؤه، أو السيطرة عليه. وأكد ضرورة اتفاق الزوجين المسبق على سياسة التعامل مع الأهل، برسم حدود العلاقة بينهما وأهلهما من جهة، وعدم إدخال الأهل في تفاصيل الحياة الزوجية اليومية، مع افتعال المناسبات التي تؤلّف بين قلوب الأهل والأزواج وتعطي لهم الفرصة لمزيد من التواصل الإيجابي. ودعا الزوجين إلى القناعة التامة بأنه لا يوجد هناك من يحل لهما خلافاتهما غيرهما، لذا ينبغي عدم تدخل الأهل والأقارب في أي مشكلة تحدث بينهما إلاّ إذا اقتضت الضرورة ذلك، وفي حالة خوف الشقاق، تنفيذا لقوله تعالى: "فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما".