أصبحت ظاهرة الفساد الإداري حديث الساعة، واستحوذت على اهتمام المنظمات والهيئات الدولية، الحكومية وغير الحكومية، وتزايد الاهتمام بمواجهتها والتصدي لها على نطاق المنظمات العالمية والمحلية. كما تدل ظاهرة الفساد الإداري على غياب القيم الأخلاقية والأسس والضوابط التي تحكم السلوك الإنساني بوجه عام، والإداري بوجه خاص؛ ما يعطل خطط وبرامج التنمية ويفشلها. ومن أبرز مظاهر آثار الفساد وأشنعها، مخالفة حكم الله عز وجل وسنة رسوله وإلحاق الضرر بالمصالح العامة، وأكل أموال الناس بالباطل. ويعتبر تبني المملكة العربية السعودية مفهوم الشفافية والمساءلة وحماية النزاهة وبناء الثقة في مؤسسات القطاعين العام والخاص على السواء، من أهم الثوابت المستقرة في سياستها، وتنطلق هذه الثوابت من أسس راسخة مستمدة من مبادئ وقيم الدين الإسلامي الحنيف، فمنذ اللحظة الأولى لفتح الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - للحجاز أعلن وبكل شفافية مسؤوليته واستعداده شخصيا لاستقبال المواطنين، والنظر في أمورهم، وكان بابه مفتوحا لكل من له شكاية أو تظلم، ولم يكتفِ بهذا بأن يأتوه بمظالمهم، ويسر لهم سبل إيصال شكاواهم بأن أمر بوضع (صندوق للشكايات)، وعلق على دار الحكومة، وأعلن عن ذلك في الجريدة الرسمية (جريدة أم القرى، 26/11/1344ه). كما خطب يرحمه الله قائلا: «إن هذا الوطن المقدس يوجب علينا الاجتهاد فيما يصلح أحواله، وإننا جادون في هذا السبيل قدر الطاقة حتى تتم مقاصدنا في هذه الديار، ويكمل للمسلمين جميعا أمنهم، وراحتهم، وتتم لجميع الوافدين لمنازل الوحي المساواة في الحقوق والعدل». وكذلك خطب يرحمه الله في المدينةالمنورة قائلا: «إننا نبذل النفس والنفيس في سبيل راحة هذه البلاد وحمايتها من عبث العابثين، ولنا الفخر العظيم في ذلك، وإن خطتي التي سرت ولا أزال أسير عليها هي إقامة الشريعة السمحة». وكان ذلك نهجه يرحمه الله، وسار عليه أبناؤه من بعده بما يحقق العدالة ويدعم مسيرة الإصلاح والتصدي لأنواع الفساد كافة من خلال اتخاذ التدابير الوقائية والالتزام بقواعد المساءلة وتطبيق العقوبات الشرعية والنظامية دون تردد أو تمييز. وما خطاب خادم الحرمين الشريفين في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الرابعة لمجلس الوزراء في الثالث من شهر ربيع الأول عام 1427ه إلا تأكيد للإرادة السياسية على محاربة الفساد الإداري ورفع كفاءة العمل الحكومي وتحقيق العدل والمساواة والعيش الكريم لكل مواطن. وقد توجت الإرادة السياسية بإقرار (الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد) وذلك في اجتماع مجلس الوزراء السعودي الذي رأسه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -مساء يوم الاثنين 1صفر 1428ه الموافق 19 فبراير 2007م-. وهناك حرصا من الدولة على توفير الحياة الكريمة وتحصين الأفراد والمجتمع من أي انحرافات أو تجاوزات، وذلك من خلال الحكم بكتاب الله وسنة رسوله، كما أن من ضمن الجهود المبذولة لتعزيز الشفافية والمساءلة، وتحصين المجتمع السعودي من الوقوع في الفساد الإداري، وما تقوم به المملكة العربية السعودية من جهود لتوعية المجتمع من أخطار الفساد وعظم ضرره من خلال التوعية الإعلامية عبر وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمرئية والمقروءة ومن خلال المشاركة في عقد المؤتمرات والندوات والحلقات للتوعية بما يشكله الفساد الإداري من ضرر على المجتمع وعلى أمنه واستقراره وأنه معوق أمام كل عملية للتنمية أو الإصلاح. عبدالإله بن مبارك البدراني (المدينةالمنورة)