للكعبة المشرفة مكانة في قلوب المسلمين، لأن الله عظم منزلتها، وجعلها قبلة المصلين في اليوم خمس مرات لله رب العالمين، وقد جرى لها ترميمات، وبناء في عصور التاريخ واهتم بها حكام المسلمين بناء وكسوة، وتنظيفا وتحلية بالذهب والفضة. ومع تقادم العهد، وحدوث السيول التي كانت تدخل الحرم، حتى أن الطائفين قد يغرق منهم أناس، عندما يتكاثر الماء حول الكعبة، وقد ذكر ابن جبير وغيره مشاهدتهم للناس يطوفون سباحة. وكان من أعمال الحكومة السعودية وجهودها الموفقة الاهتمام بوقاية الحرم الشريف عن مخاطر السيول التي تدخله إذا تكاثرت لأن وادي إبراهيم تتجمع فيه سيول جبال مكةالمكرمةالشرقية وما يواليها فتنحدر جهة المسجد الحرام، وتدخله فتحدث دمارا وخرابا. فكان من أعمال الحكومة السعودية في عهد الملك فيصل رحمه الله أن أقيمت قناة واسعة جدا، وهيئت هذه القناة بشكل هندسي ومعماري متين لتصريف سيول مكةالمكرمة لأسفلها جهة المسفلة وما وراءها غربا، فكان بيت الله بمأمن منذ اكتمل المشروع من أضرار السيول، وبذلك تسلم الكعبة المشرفة والطائفون والمصلون من مخاطر السيول، أما الآفات الأخرى كالأضرار التي تصيب الكعبة من جراء تقادم العهد، أو الحرائق، فهذه يحتاط لها بالإصلاح والترميم خلال الأزمنة المختلفة، وأما ما يتعلق بالإصلاحات للكعبة وترميمها في العهد السعودي، فإن الملك عبدالعزيز رحمه الله منذ دخل مكة عام 1343ه وأبناءه من بعده الملوك؛ سعود وفيصل وخالد وفهد رحمهم الله، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله، يولون الحرمين الشريفين والكعبة المشرفة والمشاعر ومكةالمكرمة والمدينة المنورة، جل اهتمامهم وتتوالى منذ ذلك العهد، حتى اليوم سنويا الأعمال التي تتحدث عن نفسها، والجهود البارزة، وقد ذكر كل من حسين عبدالله باسلامة في كتابه تاريخ الكعبة المعظمة، وعبد القدوس الأنصاري في كتابه: التاريخ المفصل للكعبة المشرفة: أنه في عام 1377ه في أول محرم حصل للسقف الأعلى لبيت الله الحرام خراب يحتاج إلى تغييره كله، لأن سقفه الأدنى الذي من الخشب، قد تلف، وجدرانه تحتاج إلى ترميم، فأمر الملك سعود رحمه الله بتشكيل هيئة علمية وهيئة هندسية فنية للنظر فيما وقع بالكعبة المشرفة، وبناء على التقارير صدر الأمر الملكي القاضي بعمارة سقف الكعبة المشرفة وترميمها وإصلاحها في عشر نقاط شملت، رفع السقف الأعلى للكعبة بتاتا وتجديد عمارته، وتجديد السقف الأدنى لقدم أخشابه وتآكلها، وترميم الجدران الأصلية ترميما جيدا، وعمل ميدة بين السقفين تحيط بجميع جدرانها، وإصلاح الرخام المحيط بجدران الكعبة من باطنها، وترميم وإصلاح الدرج الذي في باطن الكعبة المؤدي إلى سطحها، ويجب مراعاة عدم بروز شيء من التعمير والإصلاح عن الكعبة المشرفة، وجدرانها وأطرافها، وجميع الترميم والتعمير يكون بالمواد البلدية، وقد بدأ تجديد السقف، بالافتتاح الذي حضره ولي العهد فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله نيابة عن أخيه الملك سعود رحمه الله. يقول محمد طاهر الكردي: وهذه أول مرة توضع فيها المصابيح الكهربائية في الكعبة المشرفة في التاريخ، وبعد انتهاء العمارة رفعت جميع المصابيح من الكعبة بتاتا، لعدم الحاجة إليها، وقد وصف مسيرة العمل بالتفاصيل محمد طاهر الكردي، فكان يحصي كل دقيقه وجليله بإسهاب في كتابه التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، وذكر أن سطح الكعبة بعد ما غطي بلغ 282 بلاطة. وفي يوم السبت 11/8/1377ه الذي يعتبر يوم الانتهاء من عمارة سقف الكعبة المشرفة، وحتى إصلاح وترميم باطنها، حضر الملك سعود رحمه ودخل الكعبة للإشراف على وضع آخر حجر من الرخام في جدار الكعبة وهو الحجر الذي نقش فيه اسمه وتاريخ هذه العمارة. كما أمر الملك سعود رحمه الله في مطلع عام 1375ه، بإنشاء مدرج فخم لائق بمكانة بيت الله العظيم، من الخشب القوي، الملبس بصحائف الفضة المزركشة، وفيه نقوش عربية مذهبة بديعة، فوصل هذا السلم الذي يصعد عليه إلى الكعبة وفي صباح يوم الخميس 6/12/1376ه صعد عليه الملك سعود وضيوفه رؤساء الوفود من أنحاء العالم الإسلامي فدخلوا الكعبة وقاموا بغسلها ثم خرجوا، وهذا المدرج يشتمل على 12 درجة، وهو بديع الصنع جميل المنظر يعد تحفة نادرة. وقد كان الملك عبدالعزيز رحمه الله يهتم بغسل الكعبة، ويحضره بنفسه مرات عديدة، ويباشر غسلها بيده الميمونة، ومعه ضيوفه من رؤساء الوفود الإسلامية، وغسل الكعبة يتم مرتين في السنة: إحداهما بعد النصف الثاني من شهر شعبان، إما في اليوم الخامس والعشرين منه أو في اليوم السابع والعشرين، وثانيتهما: في اليوم السابع من ذي الحجة. وفي عهد الملك خالد رحمه الله، استبدل باب الكعبة بباب مكسو بالذهب، يعتبر من أجود وأثمن ما أهدي للكعبة، وما ذلك إلا لمكانة الكعبة والمسجدين الشريفين من قلوبهم واهتمامهم بهما وبما يخدم الإسلام والمسلمين. وفي عام 1418ه أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله، بتفقد الكعبة المشرفة، والنظر في ما تحتاجه، وأمر بتشكيل لجان قررت أن الكعبة تحتاج إلى تكسية وترميم من الداخل، وتغيير أخشاب السقف التي بدأت تدب فيها الأرضة، فبدأ العمل، وأحيطت الكعبة بسياج يطوف الناس من ورائه، وأجري تجديد في داخل الكعبة، بإزالة بعض الأحجار التي تحتاج إلى تنظيف أو تبديل، فكان الفنيون يخرجون كل حجر ويرقم ثم ينظف أو يبدل إذا لزم الأمر بحجر آخر، يأخذ رقمه ليعاد مكانه.