حين بنيت الكعبة لم يكن لها ميزاب، وكان سقفها من الجريد وفي عهد قريش هدم جزء منها فرفعت قريش بناء الكعبة وقامت بتسقيفه وجعلت له ميزابا. وميزاب الكعبة المشرفة هو الجزء المثبت على سطح الكعبة في الجهة الشمالية، والممتد نحو الحِجر، والمصرف للمياه المتجمعة على سطح الكعبة عند هطول الأمطار أو غسل السطح إلى حجر إسماعيل بجانب الكعبة. وأول من وضع ميزابا للكعبة المشرفة قريش، حين بنوها وجعلوا لها سقفا، وجعلوا ارتفاعها من خارجها من أعلاها إلى الأرض ثمانية عشر ذراعا، منها تسعة أذرع زائدة على طولها حين عمرها الخليل عليه السلام، واقتصرت قريش من عرضها أذرعا جعلوها في الحِجر لقصر النفقة الحلال التي أعدت لعمارة الكعبة عن إدخال ذلك فيها، كما رفعوا بابها ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، وكبسوها بالحجارة وجعلوا في داخلها ست دعائم في صفين، ثلاث في كل صف من الشق الذي يلي الحجر إلى الشق اليماني، وجعلوا في ركنها الشامي من داخلها درجة، يصعد منها إلى سطحها، وجعلوه سطحا، وجعلوا فيه ميزابا يصب في الحجر. وذكر ابن هشام عن ابن إسحاق قال: «فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة، اجتمعت قريش لبنيان الكعبة، وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها ويهابون هدمها، وإنما كانت رضما فوق القامة، فأرادوا رفعها وتسقيفها، وذلك أن نفرا سرقوا كنزا للكعبة». واتبع قريش في بناء الميزاب لما بناها عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما وضع لها ميزابا، وجعل مصبه على الحِجر كما فعلت قريش. ثم لما أنقص منها الحجاج بن يوسف ما زاده فيها عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما على بناء قريش حسب قواعد إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-، وضع الميزاب في موضعه من الجهة الشمالية، وجعل مصبه على الحِجر كما كان سابقا. ولم يذكر التاريخ أن هناك خليفة أو أحد الملوك المسلمين غير الميزاب، سوى أن الوليد بن عبدالملك زين الميزاب بالذهب. وقيل إنه في حوادث سنة 537ه وصل مثقال إلى مكة ومعه ميزاب للكعبة الشريفة في عهد رامشت بن الحسين الفارسي صاحب الرباط المشهور بمكة وركب بالكعبة الشريفة، وفي سنة 541ه أو التي بعدها قلع ميزاب رامشت وركب ميزاب عمله أمير المؤمنين المتقفي العباسي وتوالى تركيب الميزاب في العهد العباسي فقد عمل الناصر العباسي ميزابا وكان اسمه مكتوبا فيه وهو من الخشب المبطن بالرصاص. وفي العام 781ه قام الأمير سودون باشا عمر بتعمير الحرم المكي الشريف وكان من ضمن ما تم تعميره هو الميزاب. وذكر في كتاب تحصيل المرام: أن هذا الميزاب قلع في سنة 959ه وعمل على صفته ميزاب حلي بالفضة وطلي بالذهب، بأمر من السلطان سليمان، وركب في الكعبة المشرفة في موسم السنة المذكورة. وأمر بنقل الميزاب القديم إلى خزانة الروم، فتعرض له بنو شيبة، فأعطوا في مقابل ذلك وزنه فضة من بندر جدة، وذلك بحسب تخمين نائب جدة والقاضي بمكة، ألفان وثمانمائة درهم فضة. وعمل السلطان أحمد خان ميزابا، قال عنه الطبري في سنة 1020ه، ورد من الأبواب السلطانية حسن آغا المعمار ومعه ميزاب للكعبة ونطاق من فضة مطلي بالذهب يشد به البيت الشريف، وذلك لما أنهى للسلطان تصدع في جدار البيت الشريف من سيل دخل الحرم، وصحيفة توضع على وجه الباب الشريف من ذهب، وصفائح مطلية بالذهب لأعلى المنبر، وعمل السلطان عبدالمجيد خان ميزابا في القسطنطينية، ثم جيء به صحبة الحاج رضا باشا، وركب سنة 1276ه، ثم حُمل الميزاب القديم في العام الذي يليه إلى الأبواب العالية، والميزاب الجديد مصفح بالذهب قرابة خمسين رطلا. أما الميزاب الموجود في الكعبة المشرفة إلى العصر الحاضر فهو ميزاب السلطان عبدالمجيد خان، وقد تم إصلاحه في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، وذلك حين رمم سطح الكعبة المشرفة. وذكر الكردي في التاريخ القويم قال: وفي سنة 1377ه في يوم الخميس 9 شعبان، تم إصلاح الميزاب الذي عمله السلطان عبدالمجيد خان العثماني، وهو من الذهب الخالص التكليف مبطن من الداخل بالفضة الخالصة السميكة، يعني أن الذهب محيط بالفضة من بطنه وجانبيه، أما علو الميزاب فهو مفتوح لا غطاء عليه، وبين الذهب والفضة خشب سميك من جانبه وبطنه الأسفل، وكل ذلك مسمر بمسامير من الذهب الخالص، وهو على شكل المستطيل، على وجهه قطعة من الذهب الخالص ومدلاة متحركة إلى الأمام والخلف، وتسمى باللسان وبالبرقع. وقد كتب على جوانب الميزاب ولسانه على الذهب تاريخ عمله وتجديده بخط الثلث الجميل البديع، وهو قوي ومتين، وتم إصلاح المسامير التي هي من الفضة الخالصة، واستبدل بالخشب خشب قوي جديد، وقام بذلك الصائغ المكي الشيخ محمد نشار. التجديد الثاني بعد نحو 40 عاما من الترميم الأول للميزاب في عهد الملك سعود تم الترميم الثاني للكعبة المشرفة، وهو الترميم الشامل، الذي انطلق في محرم عام 1417ه بناء على توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، واستبدل بالميزاب القديم لسطح الكعبة المشرفة آخر جديد أقوى وأمتن وبنفس مواصفات الميزاب القديم.