أثبت «صغار الاتحاد» بفوزهم الكبير على الشباب (4/1) في اول مباراة لهم في دوري عبداللطيف جميل للمحترفين هذا العام أن الكرة فن ومهارة وروح وتعاون وانضباط وتجانس.. واحساس بالمسؤولية.. وانهم اقوى من الظروف المالية والادارية الصعبة التي يمر بها النادي الكبير.. وان هذه العوامل مجتمعة كفيلة بصناعة النصر رغم النقص العددي وغياب المحترفين الاجانب، وانهم قادرون على «القتال» والمحافظة على سمعة الفريق.. ومحترمون لمشاعر الجماهير اولا وأخيرا.. كما اثبتوا ايضا أن روحهم العالية.. أغلى واثمن من الملايين التي صرفها النادي على صفقات خاسرة.. ورهانات غير موفقة.. فقد لعب «شباب الاتحاد» هذه المباراة في اجواء نفسية سيئة للغاية بسبب تكالب ظروف واخطاء لا ذنب لهم فيها.. وبدلا من أن تكون هذه الظروف الصعبة سببا في استقبال شباكهم لعشرات الاهداف دون أن يحاسبهم على ذلك أحد.. فانهم حولوا بارادتهم القوية.. وبمهاراتهم العالية.. وبروح التصميم على إحداث مفاجأة غير مسبوقة في الوقت الذي دخلت فيه جماهيرهم إلى ملعب الشباب او تابعتهم من خلال الشاشة بأمل ضعيف في الفوز أو حتى في التعادل ولا سيما بعد أن تقدم عليهم الشباب بهدف في الشوط الاول مع سيطرة شبه تامة على ارجاء الملعب. مفاجأة غير متوقعة قلب شباب الاتحاد كل تلك التوقعات والحسابات المتشائمة وحققوا مفاجأة هائلة.. ليس فقط بالفوز على فريق متمرس ومكتمل ومستعد كبير هو الشباب.. حقق قبل هذه المباراة تعادلا ثمينا مع الفريق الياباني (كاشيوا) في مباراته معه وعلى ارضه ب (1/1) مع اظهار مستوى راق ومشرف.. وانما باشباع مرمى حارس منتخب المملكة (وليد عبدالله) باربعة اهداف مدروسة.. وصعبة.. ومستحيلة الرد.. وبقدم «لاعب واحد» هو مختار فلاتة الذي ابدع في استخدام مهاراته الفنية العالية وتلاعب بدفاع الشباب وسجل اهدافه الاربعة خلال 20 دقيقة وسط ذهول الشبابيين وعدم تصديق المتابعين للمباراة وكذلك وسط دهشة جميع المراقبين الذين توقعوا هزيمة كبيرة لفريق الاتحاد نتيجة تظافر تلك الظروف والتي تكللت برفض اتحاد الكرة لمشاركة اجانب الفريق لعدم وفاء ادارة النادي بالتزاماتها المادية تجاه عدد من ابرز نجوم الفريق الذين توقفوا عن المشاركة باللعب مع الفريق الأول نتيجة تأخر النادي في صرف استحقاقاتهم.. لم تكن تلك الظروف المادية أو الادارية وحدها سبب قلق الجماهير على الفريق قبل مباراته المدهشة هذه.. وإنما كان ايضا تخلف عنصرين مهمين شابين عن المشاركة في هذه المباراة هما (محمد الشريمي) الذي اوقف بكرت حكم مباراة الفريق السابقة مع (فريق الفتح) وكذلك مهاجم الفريق في المقدمة النجم الجديد (عبدالرحمن الغامدي) الذي لعب في نفس اليوم مباراة مع المنتخب الاولمبي على بطولة شباب الخليج وخسروها امام البحرين (صفر/1). فكيف حقق صغار الاتحاد هذه النتيجة الكبيرة.. وتحدوا مجموعة الظروف المحيطة بهم؟ حققوا هذه النتيجة وقلبوا كل التوقعات رأسا على عقب للأسباب الموضوعية التالية: عوامل فوز الاتحاد وهزيمة الشباب اولا: لعبوا الشوط الأول مباراة تكتيكية بحتة اتسمت بالحذر.. وبالانضباط الشديد وبالتوازن بين خطوط الدفاع والوسط والهجوم وبتشكيلة هي افضل ما هو متاح وممكن.. وكان لكابتن الفريق «كريري» دور كبير في تنفيذ هذه الخطة المتحفظة بالبقاء صمام امان وقريبا من منطقة خط الظهر التي لعب فيها الرباعي (محمد العمري) ظهيرا ايسر.. واحمد عسيري وباسم منتشري (متوسطي دفاع) ومنصور شراحيلي، ظهيرا ايمن.. فاغلق بذلك كريري كل الفجوات التي كانت متوقعة نتيجة اكتمال فريق الشباب.. وتوفر كثافة عددية كبيرة في وسط الفريق وتحرك الظهيرين على الاطراف بقوة.. واعتماد الفريق على رفع الكرة في وسط خط الظهر الاتحادي بهدف تمكين (نايف هزازي) من اقتناص اكثر من فرصة وتحقيق اكبر عدد ممكن من الاهداف.. وذلك لم يتحقق الا مرة واحدة.. ومن كرة مرتدة اليه من حارس وأحد مدافعي الاتحاد.. وليس أكثر. الخبرة تحضر بقوة ثانيا: نجح لاعبا الوسط «احمد الفريدي» و «محمد ابو سبعان» في الابقاء على وسط الاتحاد متماسكا رغم مواجهتهما كثافة عددية كبيرة في وسط الشباب.. وتبادلا الادوار سواء في دعم خط هجوم المقدمة.. أو في فتح اللعب عن طريق الاطراف بمساعدة الظهيرين أو في تمرير كرات سهلة إلى الجناحين.. الايمن (عبدالفتاح عسيري) والايسر (فهد المولد) ولعب الفريدي متقدما وابوسبعان من ورائه ونجحا في تخليص اللاعب النجم «مختار فلاتة» من التخلص من رقابة دفاع الشباب الذي انهار امام مهاراته العالية وحسن تمركزه وقدرته على توجيه اربعة اهداف قاتلة إلى مرمى الحارس الشبابي.. الذي عجز عن التصدي لها.. نتيجة قدرة مختار على التسديد بقوة ومهارة وفي زوايا مختلفة وصعبة وغير ممكنة الصد.. مستفيدا من حالة الارتباك التي وقع فيها دفاع الشباب الذي فوجئ بهجمات الاتحاد الساحقة والسريعة.. وقدرة (مختار) على الاستفادة من أخطاء هذا الدفاع.. واشباع مرمى الشباب بكرات مميتة. ثالثا: استثمر الهجوم والوسط الاتحادي اندفاع متوسطي دفاع الشباب كثيرا الى المقدمة لمساندة الهجمة ولا سيما بعد هدف التعادل الاول.. وشنوا هجمات اتسمت بالسرعة.. ودقة التمرير.. وقوة التصويب في المرمى.. فحولوا هزيمتهم وتواضع مستواهم في الشوط الاول إلى هجمات ساحقة وغير قابلة للصد وبالذات في ظل فقدان الانضباط عند لاعبي الشباب دفاعا ووسطا.. ومبالغة المدرب في الاعتماد (فقط) على نايف هزازي للعب وحيدا في المقدمة.. في وقت افلح فيه ظهيرا الاتحاد في تقليص فعالية الاطراف الشبابية بل وتمكنا من التقدم ومساندة الهجمات الاتحادية والمشاركة في تحقيق الفوز الكبير. تكتيك اتحادي عال استثمر تراخي الشبابيين رابعا: لجأ مدرب الاتحاد إلى «تبريد» المباراة وتهدئة اللعب في الشوط الأول.. لاستدراج لاعبي الشباب إلى استنزاف لياقتهم.. ونجح اللاعبون الاتحاديون في التصدي لهجمات الشباب باللعب ب (6) لاعبين في خط الظهر (رباعي الدفاع ومحوري الوسط) وتمكنوا من اغلاق خط الظهر الاتحادي بعد اعطاء مساحات كافية لمهاجمي الشباب.. وبرز في خط الظهر اللاعب «احمد عسيري» الذي كان نجم الفريق الثاني في شوطي المباراة بعد مختار فلاتة.. وبتحقيق الشباب لهدفه الأول والوحيد اطمأن الفريق ومدرب الفريق.. إلى أن نتيجة المباراة اصبحت محسومة.. ولعبوا بقية الشوط الثاني بتراخ كبير.. اتاح للاعبي الاتحاد بان يتحركوا بصورة اكبر ويمطروا مرماهم بالاهداف وسط فوضى شبابية عارمة شملت الدفاع والوسط والهجوم.. ولو كان هناك وقت اطول لحقق صغار الاتحاد هدفين آخرين.. خانهم الحظ وعدم الدقة في التهديف لتحقيقهما مع الاستعجال في التصويب نتيجة انفتاح شهيتهم لتسجيل المزيد من الأهداف. خامسا: احسن المدرب كثيرا في التغيير الوحيد الذي لجأ إليه بانزال (الصبياني) واللعب في الطرف الايسر وتحرك فهد المولد على الخط الايمن ليشكل الثلاثة (فهد/ مختار/ الصبياني) ثلاثيا خطيرا.. كان له دور اساسي في تحقيق هذه النتيجة.. فقد كان عبدالفتاح على الطرف الايمن اقل عطاء وتركيزا في تمرير ورفع الكرة إلى (مختار) فجاء تغييره مفيدا للهجمة.. كما كان توقيت تغيير لاعب الوسط الفريدي بالنجم المتمكن (معن الخضري) سببا في ارتفاع درجة التجانس بين لاعبي الوسط والهجوم.. وسرعة الحركة.. وانتقال الهجمة بين مدافعي الشباب.. وبذلك ساهم المدرب بحسن الاختيار وسلامة التوقيت بمواصلة تقدم الفريق وتحقيق هذا الانجاز الكبير. مختار وهزازي سببا الفوز الكبير سادسا: لعب العامل النفسي دورا كبيرا في فوز الاتحاد والحاق هزيمة كبيرة بالشباب.. وبالذات بالنسبة لانتقال نايف هزازي من الاتحاد إلى الشباب والتقاء الفريقين لاول مرة.. وسط مراهنات وتحديات سبقت هذا اللقاء. لقد حرص لاعبو الاتحاد الشباب أن يؤكدوا للهزازي ولجماهيرهم ولمتابعي المباراة ان الاتحاد غني بقدراته ومهارات شبابه وباصرارهم على تحقيق مكانة متقدمة لفريقهم.. ولاسيما في منطقة الهجوم التي وجدت ضالتها في (مختار) حتى قبل خروج الهزازي منه.. بسبب ارتفاع مهاراته وقدرته على التمركز الجيد في خط الدفاع المقابل ودقة تصويباته.. وندرة اضاعته للفرص الخاطفة التي تتاح له.. وكذلك تأثير انتقاله هو الآخر من الشباب الى الاتحاد على ادائه العام واغراقه لمرمى فريقه السابق باربعة اهداف قوية تقول لهم.. هذا هو من فرطتم فيه وقللتم من اهمية وخطورة مهاراته.. وفي الوقت نفسه فقد ضاعف غياب الهجوم شعور هؤلاء الشباب بثقل المهمة.. فزادوا اصرارا على الفوز وتحقيق نتيجة لم تكن متوقعة بكل المقاييس. بهذه العوامل مجتمعة.. وبالتحكيم المنضبط من قبل (خليل جلالا) سارت المباراة الى نهايتها نظيفة ومحققة هذه النتيجة المفاجئة في مفتتح مباريات الدوري.. وبعد يوم واحد من مباراة الاهلي والفيصلي التي انتهت بفوز الراقي بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد.. وكان الاتحاد يؤكد بذلك مجددا تصدره لدوري عبداللطيف جميل الذي يتم لاول مرة هذا العام.. فهل يعتلي الاتحاد صهوة البطولة في النهاية ويمضي إلى القمة فوزا بعد فوز؟! سؤال مبكر.. وتوقع قد يتحقق وقد لا يتحقق بالنسبة للاتحاد.. لكن هذه الروح التي اخذ يلعب بها الفريق مبارياته الأخيرة وفي هذه المباراة تؤكد أن الاتحاد لن يكون فريقا سهلا في هذا الموسم.. وان على كل من يقابله أن يحسب له الف حساب.. وذلك يجعل مهمة شبابه اصعب في المباريات القادمة وبالتالي فإن على ادارة الاتحاد أن تسارع في حل مشاكلها الادارية والمالية فورا.. وأن تعيد إلى الفريق تكامله وتماسك صفوفه.. شريطة أن يظل هؤلاء النجوم في الصدارة وتعطي لهم الاولوية في التمثيل في جميع المباريات القادمة مع تطعيمهم بلاعبين إلى ثلاثة لاعبين وليس أكثر.. وبالذات في منطقة وسط الدفاع ومنطقة خط الوسط الايسر.. ومركز الجناح الايمن وليس اكثر. فكر المدرب الإسباني وحيويته خلف التفوق لكن العامل الذي لا يجب أن ننساه أو نتجاهله من وراء انتصارات الاتحاد الاخيرة على يد «صغاره» هو مستوى الانسجام الواضح بين المدرب (بينات) ولاعبيه الشباب نتيجة ثقته الكبيرة فيهم.. وتركيزه في الاختيار على عنصر المهارة والتحكم في الكرة كما هي طريقة الكرة الاسبانية التي ينتمي اليها بحكم هويته.. اكثر من الاعتماد على القوة الجسدية فقط كما فعل الشباب.. ولا ننسى ان بينات جاء الى الفريق الاول الاتحادي اساسا من موقعه السابق كمدرب للشباب والاشبال، اي انه نشأ مع أكثرهم وساهم في صقل مواهبهم وحان الوقت لكي يدفع بهم إلى الصف الاول للفريق ويمنحهم الثقة التي لم يكن بالامكان مجازفة غيره ورفع هذا العدد الوافر منهم الى الصف الاول.. الجميع بين الخبرة والطموح فاذا اضيف إلى العامل السابق عامل توفيق المدرب نفسه بين تشجيع الصغار من ذوي المهارات العالية القادرين على التلاعب بالفريق الخصم.. وتوفير عناصر خبرة مثل كريري والفريدي وابو سبعان.. فإننا سندرك سبب نجاح الفريق عن طريق تحقيق عامل التوازن بين الخطوط الثلاثة.. وقيادة اللعب إلى الأمام.. والجمع بين مهمتي الدفاع والهجوم.. وتبادل المراكز السريع بين اللاعبين.. الامر الذي جعل الفريق يحافظ على مستوى الاداء المنضبط في الشوطين كما يساهم في تجنب استهلاك اللاعبين للياقتهم البدنية.. وذلك ما وضح جليا في تحركهم الموزون.. وعدم الجري بدون كرة الا عند الضرورة.. وفتحهم الخانات لبعضهم البعض بسرعة البرق مستغلين اجسادهم الصغيرة ومرونتهم الفائقة.. وإن كان التوفيق قد حالفهم كثيرا في البروز بهذه الصورة.. لان الفريق لم يكن في الحقيقة مكتملا عناصريا.. أو لياقيا.. وكان يمكن للشباب أن يبدد جهودهم.. ويقلل من درجة تماسكهم لولا انهم لعبوا المباراة بثقة مبالغ فيها وتصوروا انهم حسموها مبكرا.. وأن عليهم الا يستنزفوا قدرتهم اللياقية مبكرا ما دام أن الحصول على النقاط الثلاث هو الهدف.. وهو ما تحقق في وقت مبكر من الشوط الاول.. الدرس القاسي لن ينسى هذا العامل النفسي السلبي سهل مهمة شباب الاتحاد في قلب الطاولة على رؤوس نجوم الشباب بما فيهم المهاجم «نايف هزازي»، فكان هذا اول درس متعدد الاضلاع في دوري جميل سينعكس اثره على خطط وبرامج جميع المدربين لفرق الدوري الممتاز وربما لفرق الدرجات الاخرى.. هذا الدرس يقول: (1) إن المباراة لا تنتهي الا في الثانية الأخيرة وليس بعد تحقيق الهدف الاول. (2) إن من لا يحترم الخصم يمنى بأقسى النتائج واسوئها.. (3) إن الروح القتالية هي التي تنتصر في النهاية وتحقق النتائج الافضل. (4) إن تعاون وتفاهم وتجانس اللاعبين تحقق ما لا تحققه الحلول الفردية. (5) إن المهارة تتفوق باستمرار في ظل التناغم والتجانس وتبادل المراكز السريع بين اللاعبين في المناطق الخطرة.. (6) إنه لا يوحد كبير في الكرة.. وإنما يوجد احساس بالمسؤولية أو لا يوجد. إذن مباراة الشباب والاتحاد لم تكن بين فائز وخاسر وانما كانت بين لاعب جاد ولاعب مستهتر.. ولذلك انصاعت الكرة لاقدام الاتحاديين وقدموا اروع عرض في الموسم كل الموسم ربما.. فقد حول شباب الاتحاد عوامل ضعفهم الى قوة وحققوا ما لا يحققه الكبار.