تشكل مكتبة مكةالمكرمة معلما حضاريا بارزا في العاصمة المقدسة، وهي التي شهدت أعظم حدث في تاريخ البشرية، وهو ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتكتسب المكتبة أهميتها التاريخية والحضارية من التاريخ الوضاء لموقعها، واحتوائها على العديد من الكتب والمخطوطات النادرة، وجهودها المستمرة في خدمة طلاب العلم والباحثين من شتى بقاع العالم. وتقع المكتبة في شعب علي، وهو المكان الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان يسكن الشعب بنو هاشم، وفيه حاصرتهم قريش عند بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم. وبني فوق المكان مسجد ثم هدم لكثرة تبرك الناس به، ثم بنيت في المكان عمارة جعلت مقرا لمكتبة مكةالمكرمة، حيث كانت تحيط بها المنازل والأسواق، إلا أن التطور العمراني الذي شهدته المنطقة المركزية ومشاريع توسعة المسجد الحرام ساهمت في إزالة الحي السكني في شعب بني هاشم «شعب علي»، ولم يتبق سوى مبنى مكتبة الحرم الذي دخل ضمن ساحات الحرم المكي الشريف. ويعرف مكان المكتبة تاريخيا ومحليا بين المكيين بالمولد النبوي الشريف، حيث يقع في حي تاريخي تزدحم جنباته بالآثار الإسلامية، فقد شهد ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما ذكرت المخطوطات أن هذا المكان كان تقع به دار عبدالمطلب التي قسمها بين أولاده، ومن بينهم عبدالله والد الرسول صلى الله عليه وسلم. ويتكون مبنى المكتبة من دورين، مساحته من الشرق للغرب 24 مترا، ومن الشمال للجنوب 13 مترا، وبارتفاع 10 أمتار، وللمبنى ثلاث واجهات، الواجهة الرئيسة من الناحية الغربية مواجهة للحرم الشريف، أما الواجهتان الشمالية والجنوبية فتطلان على إنفاق شعب علي وطريق الغزة الذي يربط منطقة إجياد بأحياء المعابدة والحجون، وللمبنى مدخل رئيس من الناحية الغربية، ومدخل فرعي من الناحية الشمالية، وأقيم البناء الحالي للمكتبة على أسس البناء القديم وتنظيمه، الذي ربما يعود تاريخيا للقرن العاشر الهجري. ويحتوي المبنى على أربع غرف، تتوسطها قاعة كبيرة، أما الدور الثاني فهو على نسق الدور الأول، وتمتد فيه أربعة ممرات مطلة على القاعة الكبرى، والمبنى الحالي مشيد بالأسمنت، وجداره مبني بالحجر والطوب، ويقصد المكتبة الباحثون في الجامعات لتوافر المصادر النادرة، ونمو مجموعاتها ومقتنياتها من المخطوطات بشكل مستمر، كما يكثر زوارها من الباحثين المواطنين والمقيمين والحجاج والمعتمرين، لقربها من الحرم المكي الشريف. وتحتوي المكتبة على كثير من المجموعات والمخطوطات، حيث تضم مجموعة من أهم المكتبات الخاصة لبعض المشاهير من أعلام المكيين علماء وأدباء في القرن الرابع عشر الهجري، حيث يبلغ تعداد هذه المكتبات ما يربو على 10 مجموعات متفاوتة في الحجم والأهمية، ولكل مكتبة قاعة خاصة تحمل اسم صاحبها، كما تحوي المكتبة العديد من الصحف والدوريات المحلية والعربية والإسلامية النادرة، التي تستمر في صدورها حتى الآن. المشرف العام على إدارة المتاحف في جامعة أم القرى وأستاذ التاريخ الدكتور فواز الدهاس أن «مكتبة مكةالمكرمة اليوم تقوم بدورها العلمي لضيوف بيت الله الحرام ولطلاب العلم ورواده، وتضم كثيرا من المكتبات الخاصة التي أهديت إليها وبلغت العناوين التي تحتويها حوالى 18 ألفا و200 عنوان، إضافة إلى الدوريات والمجلات القديمة والحديثة». واعتبر الدهاس أنه إذا كان المبنى الذي شيد لهذه المكتبة قد أصبح قديما ولم يعد يليق بمكانة المكان فيجب أن يتم تطويره كما حصل في جميع المناطق المحيطة به.