أكد عدد من الشرعيين والسياسيين والمثقفين، أن «الأمن الفكري» مطلب ضروري وملح في زمن تتصارع فيه الآراء والأهواء وتعلو فيه الفتن والقلاقل، وأجمعوا على أهمية بث الوعي الفكري المستنير في الأمة، وإعداد الخطط الاستراتيجية لمحاربة الفكر المنحرف ونتائجه الوخيمة، مشيرين إلى أن وسائل حماية الأمن الفكري تتطلب وجود وسائل وقائية وأخرى علاجية. وأكد الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وإمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، على أهمية بث الوعي الفكري في الأمة، وإضافة مفردة دراسة الإرهاب في مناهج التعليم المختلفة لتحصين الشباب، وإنشاء كراسي بحث متخصصة لدراسة وعلاج الظاهرة، وتفعيل مراكز الحوار ولجان المناصحة، ودعم مراكز الأحياء في المجتمع، وربطها بالجهات المعنية في كل منطقة، وتربية الشباب على الوسطية والاعتدال، وأخذ العلم من مصادره الموثوقة، ومزيد العناية بقضاياهم، وتهيئة الفرص الوظيفية لهم، وشغل أوقات فراغهم بالبرامج النافعة المتنوعة، وتجلية الشبهات حول الغلو والتطرف، وعلاج ظواهر الانحراف التي تكون سببا للاستفزاز وردود الأفعال، كدعاوى التغريب المشبوهة، وتجفيف منابع الإرهاب، واجتثاث الوسائل المغذية له، والتصدي لجميع ألوان الغزو الفكري. وأوضح الدكتور السديس أن أهمية ضبط الفتاوى، والتوارد على ميثاق شرف عالمي للفتوى، وربط فتاوى النوازل بالهيئات العلمية العليا، والمجامع الفقهية الكبرى، مؤكدا على تكثيف العناية بالبيت والأسرة، وتنشئة الأجيال الصالحة، وقيام الوالدين بدورهما التربوي، والعمل على إحياء رسالة المسجد، والعناية بحسن اختيار الأئمة والخطباء، وإقامة الدورات المكثفة للرفع من مستواهم وتأهيلهم والتركيز على خطبة الجمعة إعدادا ومضمونا وأسلوبا ؛ لمعالجة ظواهر الإرهاب بكفاءة واقتدار، والتركيز على ربط الأجيال بمبادئهم الإسلامية الصحيحة وعقيدتهم الإيمانية ومنهجهم الوسطي المعتدل، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء، وتكثيف دور المدرسة التربوي والعناية بحسن اختيار المعلم المؤهل عقيدة وفكرا ومنهجا وسلوكا، والتركيز على المراحل التعليمية كافتها، وإعداد الخطط الاستراتيجية لمحاربة الفكر المنحرف ونتائجه الوخيمة، استثمار وسائل الإعلام لما لها من أهمية كبرى في هذا العصر، عصر ثورة المعلومات وقفزة التقانات والتركيز على الفضائيات وشبكة المعلومات «الإنترنت»، والعمل على وضع ميثاق شرف إعلامي لها؛ للحفاظ على أمن الأمة، ونبذ أسباب الفتنة، والعمل على حفظ ثقافتنا الأصيلة وعناية المثقفين وحملة الفكر بذلك، ووضع ضوابط للنشر والطباعة، بما يتمشى مع الحفاظ على الأمن الفكري، وفتح باب الحوار بضوابطه وآدابه حرصا على مصلحة المجتمع والأمة، وقيام مراكز البحوث والدراسات بإعداد الدراسات والأبحاث وعقد الندوات والمؤتمرات التي ترصد كل ما يهدد أمن الأمة الفكري، تشخيصا للداء ووصفا للدواء. ودعا الدكتور السديس من بوأه الله للولاية واتخاذ القرار في الأمة، الاضطلاع بمسؤولياتهم في التصدي لظاهرة الإرهاب، مؤكدا على دور العلماء والدعاة في العمل لعلاج الظاهرة، وتفعيل دور المفكرين والتربويين وحملة الأقلام في التصدي لها، وقيام الجهات الأمنية بدور فاعل في حماية الأمن الفكري للمجتمع باعتباره من أهم الحصون في محاربة الإرهاب، والمبادرة في تنفيذ المركز العالمي للتصدي للإرهاب ليكون واقعا ملموسا. واقترح الدكتور السديس عدة حلول لمكافحة الإرهاب، أهمها: النهل من العلم الشرعي، والرجوع إلى العلماء، نهوض الموجهين والمرشدين من العلماء بالبيان وتوجيه الشباب، التزام الرفق والوسط ومجافاة الغلو والشطط، انضباط الفتوى وحصرها في الأكفاء، الاهتمام بمقاصد الشريعة، فهم العلم على منهج سلف الأمة، العناية بالأمن الفكري، التجديد الشرعي لما طالته أيدي الغالين، فتح باب الحوار وتفعيل لجان المناصحة، والتعاون على البر والتقوى. من جانبه، أكد مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل، أن «الأمن الفكري» أصبح مطلبا ضروريا وملحا في زمن تتصارع فيه الآراء وتبتلج فيه الأهواء وتعلو فيه الفتن والقلاقل والشرور والفساد، ولابد من استلهام الدروس والعبر والاستفادة منها، وأن نحيي في النفوس العقيدة الصحيحة والمنهج السليم. وقال أبا الخيل: «إن الواجب عظيم، والمهمة التي كلف بها الجميع شريفة ودقيقة وحساسة، يجب أن يوجهوا فيها الأبناء ويعلموهم الفضائل، وأن الأمن نعمة يرفل بها كل الأفراد والمجتمع، ويسعد بها كل موجود». رؤية ورسالة ويرى الباحث في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية ومكافحة الإرهاب الدكتور محمد بن حمود الهدلاء، أن الأمن الفكري في رؤيته ورسالته، يستهدف اختراق الخطوط الخلفية لزمر الإرهاب وقواعدهم الفكرية، التي تسوق للعنف، وتضع له التبريرات الشرعية والسياسية، في استقطاب واضح للبنى المجتمعية، على أمل اصطفافها مع هذه التوجهات والأفكار المنحرفة، ومن ثم فإن العناية الفائقة بجانب المعالجة الفكرية تعتبر مما يساعد بدرجة كبيرة على تجفيف مستنقعهم الفكري، وتفريغ محتواه علميا ومنهجيا. أما الباحث الدكتور مسعد محمد زياد، فأكد أن وسائل حماية الأمن الفكري تتطلب وجود وسائل وقائية وأخرى علاجية؛ فمن الوقائية: إظهار وسطية الإسلام واعتداله وتوازنه وترسيخ الانتماء إلى الإسلام وتعميقه في نفوس الشباب وحثهم على الاهتمام بالإسلام الوسطي والاعتزاز به، معرفة الأفكار المنحرفة وتحصين الشباب ضدها، إتاحة الفرصة الكاملة للحوار الحر الرشيد داخل المجتمع الواحد وتقويم الاعوجاج الفكري بالحجة والإقناع، الاهتمام بالتربية في المدارس والمساجد والبيوت وكل مؤسسات المجتمع الأخرى، التفاعل بين المؤسسات التعليمية ومحيطها، أن تضمن المؤسسات التعليمية فصولا عن الأمن الفكري تصب في قناة الوقاية من الانحراف الثقافي والغزو الفكري، أن يتعلم الطالب كيف يتحقق أمن المجتمع بصفة عامة وأمنه بصفة خاصة، وعدم إغفال أهمية دور المدرسة في الكشف عن المظاهر ذات المؤشر الانحرافي والفكري أو الأخلاقي.. أما الوسائل العلاجية في حماية الأمن الفكري، فأوضح الباحث زياد أنها تتمثل في: دعوة المخطئ إلى الرجوع عن خطئه وبيان الحق له بالمناقشة العلمية الهادئة دون اتهام للنيات، تجنب الأساليب غير المجدية، وجوب الأخذ على أيديهم ومنعهم من الإخلال بالأمن الفكري للمجتمع، النهي عن مجالسة أهل الانحراف الفكري، وضرورة التفريق بين الانحراف الفكري الذي لم يترتب عليه فعل وبين من أخل بفعله بالأمن في مجتمعه. إلى ذلك، أكد الدكتور صدقة فاضل أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك عبدالعزيز وعضو مجلس الشورى قال: «المملكة لم تتردد لحظة في التعاون مع المجتمع الدولي من أجل مكافحة الإرهاب ايمانا منها بأن التعاون الدولي كفيل بالقضاء على هذه الظاهرة، وهذا ما بدا واضحا في مضامين كلمة خادم الحرمين الشريفين التي وجهها ليلة العيد». وأضاف: المملكة كانت أكثر الدول معاناة من الإرهاب، مشيرا إلى أن المملكة حاربت هذه الظاهرة حربا لا هوادة فيها وسنت الأنظمة المختلفة التي تسهم في القضاء عليها أو تقليص تواجدها لأقصى حد ممكن وعملت أجهزتها الأمنية على تعقب مرتكبي هذه الأفعال الإرهابية والمحرضين عليها وتقديمهم للعدالة. لافتا إلى أن الجهود الوطنية لمكافحة الإرهاب مهما بلغت فعاليتها لن تتمكن من اجتثاث هذه الظاهرة ما لم يكن هناك تعاون دولي وثيق لمكافحتها وأي مكافحة للإرهاب سواء على المستوى المحلي أو الدولي لن تنجح ما لم تتعامل مع أسباب هذه الظاهرة التي من أوضح أسبابها الاحتلال وسياسات الظلم والقهر وسلب الحقوق. أما عدنان صعيدي مدير إذاعة جدة المكلف فقال: «نحمد الله سبحانه وتعالى أنه في مثل هذه الأيام التي يكون فيها الكل مشغول بفرحة العيد، يبقى رجال الأمن في المملكة ساهرين من أجل حماية هذا الوطن الغالي. وفي ذات السياق قال السفير عبدالله المعلمي مندوب المملكة لدى الأممالمتحدة: إن مكافحة الإرهاب ليست مجرد معركة أمنية، ولكن أيضا مواجهة الأسباب الجذرية التي تؤدي إلى العنف المتطرف، لافتا إلى أنه بينما يتعين على كل دولة وضع استراتيجيتها الخاصة فهناك الكثير يمكن تعلمه من تبادل أفضل الممارسات من برامج إعادة التأهيل. بدوره طالب الخبير الاقتصادي الأستاذ الدكتور فاروق الخطيب التشديد على القادمين لأجل الحج والعمرة وذلك لأن 187 دولة يأتي مقيموها إلى المملكة باستمرار. وأوضح الخطيب أن وزارة الداخلية مشكورة عملت ما عليها بكل جد وإخلاص وظهرت جهودها واضحة للناس على ما عملته طيلة السنوات الماضية.