أعرب عدد من المثقفين والشعراء عن حزنهم لرحيل السفير الشاعر محمد الفهد العيسى، موضحين ل«عكاظ» أن تجربة الفقيد الإبداعية ضربت في عمق الحركة الشعرية في المملكة مشكلة مسارا جديدا في بناء القصيدة العربية الجديدة محليا، مشيرين إلى أنه يعد من أبرز الشعراء الرومانسيين في نجد، حيث لبت قريحته نداءات الشعر الحديث، قصيدة التفعيلة، منذ الخمسينات الميلادية ومال إلى التنويع الموسيقي في قصائده، وارتبط اسمه بالتجديد ما جعله ينهض بالقصيدة الجديدة في ديوان الشعر السعودي.. «عكاظ» عرجت معهم على جوانب من عوالم العيسى الإبداعية والعملية في تفاصيل الاستطلاع التالي: في البدء، قال الباحث الإعلامي وعضو الشورى السابق الدكتور عبدالرحمن الشبيلي: «العيسى دبلوماسي وشاعر رومانسي وفنان مبدع، ولد في منتصف العشرينيات في مدينة عنيزة، المدينة المعروفة ببيئتها المتمدنة والمنفتحة، ونشأ في وسط متدين في المدينةالمنورة، فصار نموذجا خاصا بين شباب جيله، يجمع بين المحافظة الاجتماعية من ناحية والليبرالية المنضبطة من ناحية أخرى»، وأضاف: «بدأت علاقتي بالعيسى (الفهد التائه) اللقب الذي اختاره لنفسه منذ أن كان حبيس إقامة اختيارية فرضتها عليه ظروف تلك الزوبعة المثارة على بعض قصائده بسبب ما تضمنته حقيقة أو مبالغا فيها من جرأة «نواسية» لم تكن معهودة في حينه وإلى الآن، وبقيت تلك القضية حديث المجتمع الثقافي السعودي في تلك الفترة من الستينات، وقد استفاد التلفزيون حديث النشأة آنذاك وخلال عزلة العيسى هذه من معرفته بالألحان والأوزان الموسيقية، في محاولة لتدوين التراث والفنون الشعبية من كل أنحاء السعودية، كالخماري والدحة والسامري والصوت والمزمار والعرضات وغيرها مع تبيان الفروق الإيقاعية بينها ومقارنتها مع ما هو معروف من الألحان الحديثة والمقامات إن كان ثمّة علاقة بين أحدها». الفنان الجريء وأوضح الشبيلي أن معرفة العيسى بتلك التفاصيل كانت متقدمة في مجتمع نجد بالذات، لم يكن يجاريه فيها سوى طارق عبدالحكيم (صائغ الأغنية السعودية الحديثة وأبو الموسيقيين غير التقليديين)، وذلك بالإضافة إلى موهوبين آخرين من أمثال عبدالله العلي الزامل ومطلق مخلد الذيابي، مضيفا أن اختيار العيسى للعمل الدبلوماسي في عهد الملك فيصل، بدءا من موريتانيا (بلد المليون شاعر) اختيار يتناسب مع روح هذا الفنان الجريء، الذي ينسى كلما كتب القصيدة أنه يعيش في مجتمع متحفظ صعب، مع أن بين أيدينا نصا قرآنيا صريحا بأن الشعراء «يقولون ما لا يفعلون» وإن من يطلع على نصوصه الشعرية القديمة والمتأخرة، بما فيها ديوانه الأخير «عندما يزهر الحب» يجد أن شاعرنا قد ظل «ابن الأربعين» القديم لم يتغير، مع أنه قد بقي دوما عمودا من أعمدة مسجده المجاور، الذي لم يكن في السنوات القليلة الماضية يصل إليه إلا على ذات أربع كهربائية، وكان في الوقت نفسه يكتب كما فعل أبو العتاهية من قبله في أغراض شعر التوبة، بقدر ما كتب في ضده من شعر الغواية، وأشار إلى أن العيسى ظل حتى آخر يوم في حياته يحوز القدرات الذهنية والشعرية، ويصرف في لقاء ربه كل يوم أكثر مما يمضي مع أسرته ومجالسيه، وقد أكرمه الله باختياره إلى جواره في العشر الأواخر من الشهر الكريم عن عمر يقارب التسعين، وقال: «هذا الإنسان الذي لم تكن الابتسامة والنكتة تفارقانه، مرت به مصائب قاسية، كان من بينها فقد ابنه الأكبر عبدالوهاب وابنته الكبرى فوزية، وأخيرا سارة حفيدته من ابنه عبدالوهاب، وقد توفوا جميعا في عز الشباب، وفارق الدنيا يوم أول من أمس دون أن يعرف بوفاة الحفيدة قبل أسابيع»، وأضاف: «لقد كان هذا الرجل يمثل نموذج الوفاء في حفظ الود، عندما لا يتردد، وهو يستند على عضد أحد أبنائه، أن يفاجئ محبيه، ولو عند الباب ليشاركهم أفراحهم وأتراحهم». قامة شعرية من جهته، قال الأديب والمؤلف والمفكر الإسلامي الدكتور حسن الهويمل: «عرفت العيسى منذ خمسة عقود وتعمقت معرفتي به حين تعمقت في الأدب السعودي دراسة وتدريسا وإشرافا ومناقشة واستوت معرفتي به حين ناقشت رسالة علمية عن شاعريته لقد كان رحمه الله قامة شعرية تتسم بالاستقلالية وكسر النمطية والشعر عنده رسالة لا تسلية ومن ثم أثقله بالرؤى والاستشراف بالمستقبل على الرغم أنه لم يفرغ له كسائر الشعراء، بل شغلته المناصب الدبلوماسية. ومن ثم لم يكن حضوره بمستوى شاعريته وإبداعاته الشعرية التي امتدت أكثر من ستة عقود تمثل رؤيته الخاصة للحياة والكون و تلمس أصالة الشعر عنده في لغته وفنياته وإبعاده الدلالية». وأضاف: «العيسى معدود من شعراء التجديد المتجاوز لمرحلته، ومن شعراء الرمزية والرومانسية وهو شاعر تشاؤمي يمد بسبب إلى شعراء لبنان والمهاجر الأمريكية ويعد من طبقة القصيبي والرميح والعواد مع اختلاف في الرؤى والبناء الشعري». في سياق متصل، أعربت عضوة الشورى الدكتورة ثريا العريض عن اعتزازها بزمالة العيسى في الإبداع والشعر وعضوية مجلس الشورى. وقالت: «رحم الله سفيرنا وشاعرنا وأدخله فسيح جناته وتعزيتي إلى أهله وذويه وكل رجالات الوطن فيه»، معتبرة أنه ترك خطا خاصا في شعره قويا مميزا وترك ذكرى عاطرة.