لو لم يكن الوضع مرشحا للوصول إلى مستوى «كارثي» لما اضطر الفريق أول ركن «عبدالفتاح السيسي» نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية إلى دعوة جميع المصريين لتجسيد الإرادة الشعبية اليوم الجمعة ليس في القاهرة والإسكندرية فحسب وإنما في جميع المحافظات المصرية أيضا وإعطاؤه والقوات المسلحة المصرية وقوات الأمن تفويضا قويا وواضحا ومباشرا للتعامل مع التهديدات الشديدة التي تحدثت عنها بعض التسريبات الإعلامية عن مخطط الإخوان الذين دعوا أنصارهم أنصارهم إلى التظاهر في نفس اليوم.. وكذلك لمواجهة الأخطار المترتبة على استخدام أنصار النظام السابق للقوة والعنف.. ومداهمة مواقع حكومية حساسة واغتيال بعض الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة بهدف استرداد السلطة وإطلاق سراح الرئيس وبعض القيادات الإخوانية الموقوفة على ذمة التحقيق. لماذا التفويض هذا التفويض المطلوب من الشعب يوفر للقوات المسلحة مظلة قانونية.. وللوضع الراهن شرعية حقيقية تبرر كل الإجراءات التي قد يجد نفسه مضطرا للجوء إليها بمواجهة المظاهرات والإجراءات والممارسات التي تشير المعلومات المتوفرة للقوات المسلحة بأنها ستتم مساء أمس وهذا اليوم. وهذا يعني أن القوات المسلحة المصرية تملك معلومات خطيرة.. وأن التعامل مع تلك المعلومات لابد أن يكون «حازما» و«قويا» سواء تمثل في اتخاذ بعض الإجراءات الاستثنائية فرض حالة الطوارئ .. أو في استخدام القوة.. أو في اعتقال جميع الرؤوس التي عملت أو تعمل على إشعال الموقف وإدخال البلاد في دوامة الكارثة. فماذا سيكون عليه الحال اليوم؟! لقد أعلن «السيسي» في خطابه يوم أمس الأول الأربعاء أنه: 1 لا تراجع عن خارطة المستقبل المصري التي تم تنفيذها في (30 يونيو الماضي) وبالتالي استحالة عودة النظام السابق بأي حال من الأحوال. 2 إن القوات المسلحة والشرطة متضامنون وماضون في التزامهما بحماية مصر ومستقبل مصر.. وإرادة الشعب المصري التي دفعت القوات المسلحة إلى التغيير وفرضته عليهما فرضا. 3 إن العسكر ظلوا حتى الآن على الحياد.. لكنهم لن يسمحوا بعد اليوم باستمرار حالة الفوضى وقتل الأبرياء بصورة يومية وإحراق المدن والاعتداء على المراكز الحكومية الحيوية.. وأنه قد آن الأوان لإيقاف كل ذلك. 4 إن اجتماع القوى السياسية الذي دعا إليه رئيس الجمهورية الموقت وبدأ يوم الأربعاء الماضي كان يمثل فرصة أخيرة لتجنب الصدام المحتمل بين جموع الشعب المصري المطالب بالتغيير وبين أنصار الرئيس السابق (محمد مرسي) ومن ورائه الإخوان المسلمين.. وإن الجيش لن يقبل مبدأ استغراق الوقت.. على حساب مصلحة البلاد العليا والسماح بمزيد من تزايد العنف وتعطيل أوجه الحياة وإيقاف الإنتاج.. وبالذات في ظل عدم تجاوب الإخوان أو ظهور أي بوادر منهم على مدى اليومين الماضيين للتوقف عن تجييش الشارع المصري ضد السلطة واللجوء إلى مزيد من القوة والعنف وبعض التدابير «الخفية» لإدخال البلاد في نفق مظلم (كما وصفه السيسي). 5 إن سياسات «التخوين» لكسب التعاطف العام لحساب الإخوان مسألة لا يمكن السكوت عليها، لما تنطوي عليه من مغالطات وما تشي به من تصرفات محتملة من شأنها أن تقود مصر إلى إراقة الدماء بغزارة.. وهذا أمر لم يعد مرفوضا من قبل القوات المسلحة فحسب، وإنما أصبح يحتم عليها وعلى الشعب المصري حشد جهودهما ومواجهة الخطر بدءا من اليوم تجنبا لدفع البلاد إلى ما هو أخطر وأبشع.. خيارات الإخوان المحدودة فإلى أين تتجه مصر بعد اليوم؟ هناك (3) احتمالات.. كل منها يحمل في طياته أكثر من خطر يتهدد مصر.. ويدفع بها نحو مصير لا أخطر ولا أسوأ منه.. وتلك هي: أولا: أن يركب «الإخوان» رؤوسهم ويمضوا في سياسة التجييش بصورة غير مسبوقة.. لدفع المناصرين إلى الميادين العامة في أنحاء الجمهورية إثباتا لتفوقهم «عدديا» وتأكيد تمسكهم بعودة الحكم إليهم. وفي هذه الحالة فإنهم يفكرون في عدة خيارات لفرض قرارهم على السلطة الحالية. الخيار الأول: أن يكتفوا بحشد أكبر عدد ممكن من المناصرين في الساحات ويلتزموا بالسلمية تجنبا لجرهم إلى مواجهة تفقدهم السيطرة على الموقف وتمنح القوات المسلحة المبرر الكافي لسحق مشروعهم وإسقاطه بالكامل. الخيار الثاني: أن يواصل الإخوان مسلسل الأخطاء في التعامل مع الموقف المحتقن ويسعوا إلى التوجه إلى المراكز الحساسة في أجهزة الدولة ومصادر القوة فيها ويقوموا بتدميرها.. والسعي إلى اقتحامها لتأكيد قدرتهم على انتزاع حقوقهم الشرعية (كما يصفونها) بصرف النظر عن رد فعل السلطة.. ونتائج هذا النوع من الاقتحامات مساسا بكرامة الدولة وهيبتها.. وعندها فإن بحرا من الدماء سوف يسيل.. حتى وإن حسم الجيش المسألة لصالحه ووضع قيادات «الإخوان» جميعا في السجون.. وباشر عملية تحقيق ومقاضاة واسعة للنظام السابق ومن ورائه «حزب الحرية والعدالة» ومن خلفهما تنظيم الإخوان المسلمين بكل تجذراته وامتداداته المحلية والإقليمية والعالمية. الخيار الثالث: أن يلجأ الإخوان إلى انسحاب تكتيكي من الميادين العامة.. وينتشروا في مفاصل المدن والمحافظات ويستهدفوا مراكز الدولة الحيوية ويعملوا على إغلاق طرق المواصلات الحيوية لتعطيل الحياة العامة في كل مصر.. ويتجنبوا بذلك التعرض لحالة التأهب القصوى المضروبة من قبل الجيش والشرطة أمام بعض المراكز الحيوية دون بعضها الآخر في محاولة لإرباك الخطط الأمنية ودفع العسكر إلى مطاردتهم فيما يشبه حرب شوارع من نوع غير مسبوق.. تسفك فيه دماء.. ولكن لا تتم فيه السيطرة لأي طرف منهما على كامل الموقف. ومن الواضح أنه ليس من بين الخيارات السابقة أن يتراجعوا عن موقفهم المبدئي وعن تصميمهم على عودة مرسي ومعه السلطة إلى الإخوان.. لأنهم غير قادرين بعد اتباعهم سياسة التجييش لأنصارهم على القبول بأي تسويات سياسية أو تقديم تنازلات جزئية تسمح لهم بحفظ ماء الوجه. وبمعنى آخر.. فإن الوقت قد فات على اتخاذ قرار كهذا.. وأنهم بات عليهم أن يمضوا إلى نهاية الطريق.. باستخدام جميع الوسائل بما في ذلك استخدام العنف.. وتأليب المجتمع الدولي ضد ما أسموه بالانقلاب على السلطة الشرعية (بدليل ما صدر عنهم من تصريحات عقب خطاب السيسي الأربعاء تقول: إن خطاب السيسي يؤكد أنه الحاكم الفعلي لمصر.. وإن عليهم أن يقفوا بوجه العسكر بكل قوة.. بالإضافة إلى الاستمرار في سياسة الشحن العام لتشويه أهداف ودوافع القوى التي انهت سلطة الإخوان.. وفي مقدمتهم الجيش.. والأزهر.. والكنيسة.. والأحزاب الليبرالية.. والفلول (على حد تعبيرهم). يؤكد هذا الاحتمال دعوتهم للأنصار للاحتشاد بقوة اليوم الجمعة انطلاقا من جميع مساجد مصر.. المنتشرة في جميع أنحاء الجمهورية وانطلاقهم منها إلى كل وجهة رسموها بعناية.. سواء نحو الميادين أو بمواجهة قصر الاتحادية.. ومقر الحرس الرئاسي.. ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية في القاهرة وما يماثلها في المحافظات الأخرى.. مع التأثير على مراكز النشاط والخدمات وقطع الإمداد بالسلع والخدمات وتعطيل الحياة بشكل كامل بعد تخريب محطات الكهرباء ونشر الظلام في كل مكان.. وفي هذه الحالة.. فإن بحار الدماء ستبدأ ربما قبل صلاة الجمعة وسوف تتدفق بغزارة بعد الخروج من المساجد وسط حالة من الهيجان المؤدي إلى إطلاق شرارة الحرب الأهلية نحو الأسوأ في يوم دامٍ وغير مسبوق. حيرة الإخوان ومأزق الاختبار قد يحدث هذا.. لأن الإخوان لا يملكون بدائل حقيقية تعيد لهم السلطة أو تسمح بإطلاق سراح قياداتهم ليس فقط من أجل تحريرهم من الإيقاف والتحفظ وإنما من أجل الحيلولة دون محاكمتهم ومواجهتهم بجرائم جنائية كبيرة ستؤدي في النهاية إلى إعدام العشرات منهم.. وبمعنى آخر.. ** فإن هاجس عودة مرسي.. أو استرداد السلطة لم يعودا يشكلان الهم الأكبر بالنسبة للإخوان وإنما الأخطر من هذا هو هاجس القضاء على التنظيم كتنظيم.. وتصفية قياداته.. كما حدث لهم بعد ثورة (23 يوليو 1952)، وكما استمر الحال بهم طوال هذه المدة وظلوا يعملون من تحت الأرض. ولذلك فإن ورطة الإخوان الحالية التي تدفعهم إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء تتمثل في أنهم.. وعدوا أنصارهم خلال الأسابيع الماضية باسترداد السلطة وعودة الرئيس.. ولم ينجحوا في ذلك.. وبالتالي فإنه لم يعد أمامهم إلا العمل على تفجير الموقف بقوة وإرباك حسابات السلطة الحالية.. ودفعها إلى إعلان حالة الطوارئ.. للتدليل على أن العسكر لم يحتملوا البقاء بعيدا عن السلطة وبالتالي.. يتوجب على الشعب المصري أن يقف إلى جانب الإخوان لصيانة الديمقراطية.. وعدم تمكين الجيش من الاستيلاء على مقدرات الأمور. سوف يلجأ الإخوان إلى هذا الخطاب هذا اليوم من خلال منابر المساجد ومن بعد في الشوارع والميادين ومن خلال آليتهم الإعلامية كذلك عبر افتعال الدخول في مواجهة مع الجيش وقوى الشعب حتى يدفعوا المجتمع الدولي للتدخل في الشأن الداخلي لمصر.. بحجة منع اندلاع الحرب الأهلية.. حفاظا على أمن واستقرار المنطقة وحماية لمصالح دول وشعوب العالم فيها. اليأس الإخواني يفعل هذا الإخوان لأن جميع الاتصالات (غير المباشرة) التي تمت على مدى اليومين الماضيين بينهم وبين أطراف السلطة الحاليين وفي مقدمتهم الفريق السيسي.. لم تعطهم أي أمل في عدم النيل من التنظيم وتعريض رموزه للمحاكمات وتصفيتهم في النهاية. والسبب الواضح في أن الجيش أو رئاسة الجمهورية.. أو الحكومة.. لم تعط أي مؤشرات إيجابية للإخوان في هذا الاتجاه لأنهم رفضوا حتى الآن مبدأ الجلوس مع الآخرين على طاولة واحدة للتفاوض.. والمشاركة في البحث عن حلول عملية وواقعية ترضى عنها كل الأطراف وتطمئنهم إلى أن المرشد ونائبه وأركان التنظيم وكذلك الحزب لن يحاكموا .. ومن ثم تتم تصفيتهم بالكامل والقضاء على التنظيم في النهاية. وبالتأكيد.. فإن ورقة المخالفات والجرائم المترتبة على التحريض.. تعتبر ورقة مهمة تمسك بها السلطة الحالية لأنها تملك معها أدلة مادية قوية تدين الرئيس السابق.. ورموز الإخوان.. وتعرضهم لهكذا أحكام في النهاية إذا هم لم يقبلوا بالتسوية التي تقوم على (3) نقاط: 1) الخروج من السلطة والقبول بالأمر الواقع. 2) إطلاق سراح الرئيس السابق ورموز الإخوان وإغلاق الملفات المتصلة بكل الدعاوى المقدمة ضدهم. 3) الانخراط في المؤسسات الدستورية الجاري تأسيسها بعد إعادة تكوينها سواء القضائية منها أو التشريعية أو التنفيذية.. استعدادا لخوض الانتخابات القادمة سواء بالنسبة للمؤسسات التشريعية (مجلس الشورى/ مجلس الشعب) أو بالنسبة للانتخابات الرئاسية القادمة. هذه الورقة الهامة.. التي تمسك بها السلطة الحالية.. لا يبدو أن الإخوان مدركون لأهمية وجودها بمتناول يدهم بدرجة كافية.. لأنهم ما زالوا يعتقدون أن الشعب المصري يتعاطف معهم لاعتبارات دينية بعد تخويفه من جر مصر إلى دائرة الكفر.. والفجور.. وانهيار القيم.. أو لأنهم لا يريدون الظهور بمظهر العاجز أمام مؤيديهم عن فرض استحقاقاتهم التي يطالبون بها أو أنهم يراهنون على العامل الخارجي الذي قد يتدخل في الوقت الصعب وبطريقة تقترب من صيغة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م عندما أعلن جمال عبد الناصر عن تأميم قناة السويس وقامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالهجوم على بورسعيد الذي لم يلبث أن توقف في ظل التهديد القوي الذي تلقته الدول الثلاث من الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت.. عندما كان العالم محكوما بقوتين هما الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي.. وعندما كانت الحرب الباردة على أشدها.. وعندما كانت المنطقة العربية جزءا من «تركة السوفييت» بعد الحرب العالمية الثانية وبروز حركة التحرير بمواجهة الغرب. الإخوان .. إما قاتل أو مقتول والحقيقة أن ورطة الإخوان هذه.. سوف تضعهم اليوم في موقف صعب وأمام خيارات محدودة.. ليس من بينها بكل تأكيد سحب جميع مطالبهم ومطالبة أنصارهم بترك الميادين العامة وإيقاف استخدام العنف.. ومهاجمة المنشآت.. إذعانا للمصلحة العليا للوطن.. لماذا ؟! لأن الإخوان يجيدون فقط أسلوب التجييش والحشد والتعبئة ويبرعون فيه.. لكنهم لا يملكون الحنكة السياسية الكافية التي تمكنهم من الكر والفر أمام الخصوم على مدى التاريخ الطويل.. فهم «إما قاتل أو مقتول» كما يقول المثل.. وكما يتحدث بذلك التاريخ.. وتلك نقطة ضعف سياسية في فكر التنظيم تؤدي في بعض الأحيان ببعض قياداتهم إلى ارتكاب حماقات تعرض ويتعرض بسببها التنظيم إلى الاهتزاز.. وتراجع أسهمهم في الشارع المصري على الدوام. خيارات الجيش المطروحة وبالمقابل.. وفي ظل تصميم الإخوان على المضي في تجييش الأنصار اليوم.. ونتيجة لعدم وضوح الرؤية أمامهم حول ما قد يتعرض له رموزهم في حالة سيطرة الجيش على الموقف بصورة كاملة.. وتبعا لحصول الإخوان على وعود خارجية بعضها من بعض دول الإقليم مثل إيران وبعضها من دول خارجية كبرى ومنها روسيا. فإن القوات المسلحة المصرية ستجد نفسها اليوم هي الأخرى أمام خيارين اثنين هما: أولا: تنفيذ خطة «جيوسياسية» مرسومة بعناية «للسيطرة» على المواقع الحيوية في البلاد وفي مقدمتها «قناة السويس/ والمطارات العسكرية والمدنية في كل أنحاء مصر.. وكذلك إغلاق المعابر بينها وبين غزة حتى وإن أدى هذا الإجراء إلى إغلاق المجال الجوي المصري لبعض الوقت.. وحتى وإن استدعى ذلك نشر بعض القوات الأساسية على كل الحدود المصرية.. وحتى وإن غطى الطيران الحربي المصري أجواء القطر.. عند الضرورة القصوى وكأن البلاد في حالة حرب ودرجة تأهب قصوى. وفي نفس الوقت سوف تتم السيطرة الكاملة على جميع الميادين التي تواجد فيها الإخوان في الفترة الماضية في المدن المصرية الرئيسية وشكلوا منها ضغطا متزايدا على الحياة العامة.. وعلى القوات المسلحة وقوات الأمن وكذلك على الاقتصاد الوطني حتى أوشك خلال الفترة الأخيرة على الانهيار تماما.. وذلك بهدف منع أنصار الإخوان من العودة إليها والانطلاق منها إلى الأماكن الحيوية المستهدفة.. كما أن القوات المسلحة وقوات الأمن سوف تجد نفسها تطوق كل مساجد مصر ولا تسمح بالدخول إليها لمن يحملون سلاحا أو أدوات ووسائل ضارة.. للحيلولة دون وقوع احتكاكات شديدة بين المؤيدين للإخوان وبين المعارضين لهم في ضوء دعوة كلا الطرفين لأنصارهم للاحتشاد اليوم. فإذا تمت السيطرة على الشارع.. وحالت القوات المسلحة دون الصدام المأساوي المرتقب بين الطرفين.. فإنها سوف تمضي بعد ذلك في خطة التأمين.. وتعمل على إعادة الحياة الطبيعية إلى قطاعات العمل المختلفة.. وتواصل جهودها الساعية إلى بدء حوار جاد بين الفرقاء. وإذا وجدت القوات المسلحة أن الوضع يقترب من الفوضى العارمة ويخرج عن السيطرة الكاملة.. فإنها ستجد نفسها أمام خيار أصعب.. يتكون من (4) خطوات هي: 1) فرض حالة الطوارئ ورفع درجة الاستعداد للقوات المسلحة وقوات الأمن إلى أعلى مستوياتها تحسبا لكل طارئ .. 2) دعوة الشعب المصري (المؤيد والمعارض) لمغادرة الميادين وفض تجمعهم فيها والعودة إلى منازلهم فورا .. 3) استخدام القوة مع كل من يخالف البندين (1، 2). 4) احتجاز جميع القيادات الإخوانية مطلقة السراح حتى الآن للحد من أي تداعيات يساهمون في تشكيلها ومنع تطور الموقف إلى ماهو أسوأ. ** هذا الخيار وإن كان صعبا.. إلا أنه غير مستبعد إذا ما تطورت الأوضاع ورأت القوات المسلحة وقوات الأمن أن الأمور أوشكت على أن تكون خارج السيطرة وهو ما لا يمكن أن تسمح به.. تجنبا لتعريض البلاد لمخاطر شديدة. الموقف الدولي .. كيف؟ وفي هذه الحالة فإن ردود الفعل في الداخل قد تأتي لصالح الوضع الراهن وإن تم ذلك على بحر من الدماء.. هي بكل المقاييس أقل من حجم الخسائر المتوقعة لو أن الجيش والأمن استمرا في التعاطي مع الوضع بهدوء تجنبا لردود الفعل الخارجية التي قد تكون في البداية لغير صالح الوضع الحالي، لكنها سوف تتطور (إيجابيا) لصالح الطرف المسيطر على الوضع مع دخول البلاد مراحل هدوء متدرج وإن كان الأمر صعبا للغاية. وإن ارتفعت حدة المطالبات الدولية بمواجهة الوضع المستجد ودعوته إلى تسريع الخطوات الدستورية المؤدية إلى عودة الحياة الطبيعية وممارسة الديمقراطية الحقيقية وابتعاد العسكر عن السلطة. أما بالنسبة للوضع الداخلي العام.. فإن الشعب وإن تعاطى مع الوضع الجديد.. بواقعية كافية.. إلا أن نجاح الاستمرار في تجربة الحكم القائم على العدل وتطبيق الأنظمة والقوانين الدولية تتوقف على مدى قدرة العسكر (أولا) ومؤسسات الحكم المدنية الأخرى على جلب جميع الفرقاء إلى طاولة الحوار الجاد.. وقدم الجميع تنازلات حقيقية لصالح أمن واستقرار البلاد وعودة الحياة الطبيعية إليها. وذلك قد لا يتحقق بسهولة.. ودون تقديم ضمانات كافية للإخوان ورموزهم بتمكينهم من ممارسة حقوقهم الطبيعية في المستقبل.. بما في ذلك مشاركتهم في انتخابات برلمانية أو رئاسية نزيهة ... وعد السيسي يوم الأربعاء الماضي بتحقيقها وتحت إشراف دولي كامل. ولكي يحدث الانفراج المطلوب.. فإن القوات المسلحة المصرية التي وجدت نفسها في ظل فرض حالة الطوارئ بمواجهة المسؤولية بصورة كاملة ومباشرة.. وإن ظلت صفة الحكم المدني على ماهي عليه الآن.. تحقيقا لخطة الخروج بالبلاد من مأزقها الحالي إلى وضع أفضل وعدم تكرار أخطاء الإخوان خلال سنة حكمهم الوحيدة لمصر. لكن أحدا لا يستطيع الآن ضمان نجاح جهود الحوار الذي بدأ الأربعاء هزيلا.. وغير مكتمل الأركان لمقاطعة الإخوان له.. وإن كان على السلطة الراهنة أن تبدأ خطوات عملية لاحتواء الجميع.. لن نتحدث عنها الآن.. وإن كانت تلك الخطوات متوقفة على مدى قبول الإخوان أنفسهم بالأمر الواقع مقابل تأمين سلامة مرسي.. ورموز الإخوان.. مع ضمان خروجه أو خروجهم من مصر إذا أرادوا.. أو بقائهم دون مساءلة أو محاسبة أو فتح ملفات. وبكل المقاييس.. فإن استمرار الوضع الراهن وتكرسه بات أمرا مؤكدا.. وإن عودة النظام السابق أصبح مستحيلا.. وهذا ليس هو المهم.. وإنما الأهم هو أن تحقن دماء المصريين.. وأن لا يطول الصراع أكثر مما مضى وأن لا تقود المواجهة الجميع اليوم إلى تعقيد الموقف أكثر.. وإن كنت أعتقد أن القوات المسلحة وقوات الأمن لن تسمح بهذا لاسيما بعد أن تخرج أغلبية الشعب.. بكل فئاته وهيئاته ومنظماته إلى الشارع هذا اليوم وتقول للقوات المسلحة ولشخص «السيسي» كفى تدميرا لمصر.. وكفى قتلا للمصريين وقد فوضناكم للتصدي للشغب وإيقاف ما يترتب على تصرفات النظام السابق وقياداته.. كما تقول للأطراف الخارجية «لا» للتدخل في الشأن المصري.. وتقول أيضا للمجتمع الدولي.. إن عليه أن يساعد المصريين على التوحد من جديد.. وإن كنا نحن نقول لقادة مصر الجدد إن الشعب المصري هو كل هؤلاء وأولئك.. هو الذي وقف يعبر عن إرادته في إيقاف الإخوان عن الاستمرار في السلطة.. وهو الذي وقف أيضا ضد التغيير.. لسبب أو لآخر.. ولا بد من احتوائهم وتهدئة خواطرهم. وإذا نجح العسكر في حسم الموقف في ثلاثة أيام وليست أكثر.. وإذا نجحوا في احتواء الكل.. وعدم النظر إلى من معهم بمقاييس تغاير وقوفهم ضد من طالبوا بإسقاطهم.. فإنهم يستطيعون إعادة مصر إلى الحياة الطبيعية وبث روح الأمان في كل الأرجاء. ترجيح كفة العسكر لماذا؟ وكما قلت في البداية.. ** فإن نجاح أي من الفريقين في السيطرة على الموقف بعد اليوم.. سوف يعود إلى مدى «الدهاء» في التعامل مع الوضع بكامله.. وكذلك على مدى القدرة على التخطيط، المتوازن بعيدا عن الارتهان للفكر أو الأيديولوجيا أو العواطف المشبوبة فالإخوان.. وإن كانوا قد استثمروا ظروف انهيار نظام حسني مبارك بسرعة لم تكن متوقعة.. وطرحوا أنفسهم كبديل مناسب.. إلا أن سلسلة الأخطاء التي ارتكبوها منذ البداية أسست لحالة عدم ثقة مبكرة في قدرتهم على إدارة شؤون البلاد بعيدا عن الفكر الإخواني وقريبا من منطق الشعوب وتطلعاتها إلى حكم مدني عصري.. فقد عبروا في وقت مبكر عن عدم رغبتهم في الحكم.. وبالتالي عدم ترشحهم للرئاسة ثم حين تقدم الوقت.. كانوا أول من تقدم للترشح لسدة الرئاسة.. فكان هذا بداية أزمة الثقة بينهم وبين معظم الشعب. وعندما تقدموا للانتخابات نكثوا بعهدهم لمن اتفقوا معهم على الشراكة فانشقوا عنهم وخسروا أصواتهم. وعندما قدر لهم أن يفوزوا بالانتخابات الرئاسية بفارق ضئيل (أقل من 1%) لم يدركوا حقيقة هذا الفارق البسيط بين ما حصل عليه «مرسي».. وما حصل عليه «شفيق» .. وهو ضرورة اعتمادهم سياسة احتواء لكل الفرقاء.. لكن ما فعلوه هو العكس تماما.. كما أنهم عندما حكموا.. بدأوا سلسلة أخطاء أخرى من داخل السلطة بدءا بعزل قيادة المجلس العسكري.. وانتهت بالإطباق على مفاصل السلطة واستبعاد القوى والأطراف الأخرى تماما.. ومرورا بوضع دستور كرس ديكتاتورية الزعيم.. وقلص دور السلطة التنفيذية بما لا يختلف عن الوضع السابق.. إن هو لم يكن أسوأ.. وأخيرا بعدم الالتفات لتقارير ونصائح القوات المسلحة ومشورتها بمعالجة الوضع قبل تفاقمه. حدث كل هذا لأن الإخوان كانوا أمام خيار من خيارين صعبين.. فإما أن يمضوا في فكر الجماعة الإقصائي.. وإما أن يتخلوا عن ثوابتهم ويتلونوا بألوان السلطة المبهرة ومقتضيات الحكم الذي يتعامل مع الشعب كوحدة واحدة ومع الوطن ككيان مستقر. وبدلا من أن يزاوجوا بين الفكرتين.. رضخوا لأيديولوجيا الإخوان المشحونة بإخفاقات الماضي ومعاناته.. بدلا من أن يحتووا الجميع ويديروا البلاد بروحية مختلفة.. وبالتالي أضاعوا فرصة ذهبية لحكم مصر لقرون طويلة لاسيما بعد أن عاش الشعب المصري أنماطا مختلفة من الحكم «الاستيلائي».. و«الاسبتدادي» الجاف.. أما الفريق الآخر.. بمن فيهم العسكر.. فإنه وإن دخل اليوم مرحلة الحسم للصراع.. فإنه يملك أجندة جديدة طرحتها القوات المسلحة في خطاب الإنذار وترجمتها بعد (48) ساعة إلى تجمع ألف بين مختلف القوى والأطراف والتوجهات.. بعد أن سبقتهم إلى ذلك مظاهرات حاشدة.. حسمت الأمر.. وأوقفت حكم الإخوان.. وترتب على ذلك ما ترتب حتى الآن. ومن الواضح أن استراتيجية هذا الفريق قامت على عدة محاور: المحور الأول: إقصاء الإخوان عن السلطة بالتقارب مع الشارع وتلبية ندائه. المحور الثاني: متابعة التطورات لإنضاج المشهد وإظهار الإخوان على حقيقتهم وبكل إخفاقهم في الخطاب الإعلامي.. أو الممارسة في الشارع.. أو في التقوي بالأطراف الخارجية .. أو باستعطاف الجماهير على أسس قيمية.. أو بالاعتداء على مراكز السلطة وتعطيل الحياة العامة.. ومن ثم التخطيط (لما كشفت صحيفة اليوم السابع المصرية في عدديها الصادرين يومي الثلاثاء والأربعاء، الماضيين للانقلاب على الوضع بالاستعانة ببعض الأدوات هنا وهناك.. وذلك وحده كان كافيا لظهور السيسي يوم أول أمس ودعوته الشعب المصري إلى الخروج إلى الشارع وتأكيد إرادته التي أسهمت في الانقضاض على حكم الإخوان. المحور الثالث: وضع العالم الخارجي أمام الموقف الصعب.. حتى يقارن بين عدد أنصار الإخوان وعدد أنصار التغيير الموجودين في الساحات. فإذا استمر الإخوان في الأخطاء ونفذوا خطة الانقضاض على النظام (وفقا للخطة المسربة) ونشروا الذعر في البلد واصطدموا بجموع المؤيدين للوضع.. فإن القوات المسلحة التي ستكون موجودة هذا اليوم في كل موقع يقتضيه الحال ستتدخل بقوة وتحسم الموقف.. وإن كان هذا التدخل سيؤدي إلى إراقة دماء غزيرة.. ما كان يمكن تفادي الوقوع فيها لولا أن ترك الوضع على حاله كان يمكن أن يقود إلى أضعاف العدد الذي قد يذهب ضحية هذه الفتنة.. وهو عدد قد يتجاوز عشرات الآلاف.. مع كل أسف.. قد تتحمله مصر وقد لا تتحمله بالرغم من أنه جاء نتيجة تفويض الشعب نفسه للقوات المسلحة بأن تتدخل وتحسم الأمر بعد أن أدى استمرار أخطاء الإخوان إلى شل الحياة المصرية بالكامل.. وأوشك أن يؤدي إلى انهيار الدولة المصرية. وللأمانة، فإن الحال الذي وصلت إليه مصر اليوم.. لم يكن كله بسبب أخطاء الإخوان وحدهم.. وإنما بسبب أخطاء متراكمة ساهم فيها السابقون وكذلك الفريق الآخر بكل تشكيلاته.. مع ذلك.. فإن هذا الثمن الباهظ قد يكون في النهاية أقل كلفة من استمرار شل حياة مصر والمصريين وقتل مئات الآلاف فيما لو صدقت الخطة التي نشرتها صحيفة اليوم السابع.. والمتمثلة في: 1) تدمير مبنى جامعة الدول العربية. 2) الاستيلاء على مبنى الإذاعة والتلفزيون في مسبيرو. 3) إحراق المحكة الدستورية. 4) إشعال النيران في (6) مراكز تجارية بارزة في القاهرة وبعض المحافظات الأخرى. 5) تفجير عدد من المحطات الكهربائية بواسطة افتعال حرائق بداخلها. 6) نسف بعض محطات القطارات الرئيسية في الشرايين الحيوية. 7) اغتيال عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية من الحكومة ومن خارجها. كل ذلك حسب الخطة التي كان مقررا تنفيذها (كما أشارت الخطة) قبل إفطار يوم أمس الخميس بلحظات.. تمهيدا لاكتساح الساحات والمساجد هذا اليوم. وسواء كانت هذه الخطة صحيحة أو كانت خطة مبالغا فيها.. فإن المشهد الذي ظهر به الفريق السيسي يوم أول أمس الأربعاء يشير إلى أن لديه معلومات خطيرة لا تبتعد كثيرا عن ملامح هذه الخطة. ولذلك فإن دعوته للشعب لمنح القوات المسلحة تفويضا باتخاذ ما تراه مناسبا لإيقاف المجزرة.. بدت وكأنها إجراء وقائي لإفساد الخطة من جهة ولمنحه مظلة قانونية لاتخاذ الإجراءات التي تقلل من حجم الخسائر وإن لم تمنعها وتلك في حد ذاتها تشير إلى أن مصر قد تدخل في طريق المجهول وإن كانت القوى السياسية الأخرى بالتعاون مع القوات المسلحة وقوات الأمن لن تسمح بذلك.. وإن لم تتمكن من منع وقوعه بالكامل.. السؤال الصعب ولعل السؤال الأخير الذي يطرح نفسه الآن هو: هل كان أمام كل من الجيش.. والقوى المدنية خيار آخر غير هذا الموقف الصعب الذي أجبروا عليه واتجهوا إليه ودعا معه «السيسي» كافة أبناء الشعب للوقوف إلى جانب القوات المسلحة وتفويضها باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع الكارثة.. ولا سيما بعد تزايد المؤشرات على انفلات الوضع الأمني العام وقرب حصول المأساة؟. والجواب هو: أن القوات المسلحة كانت أمام خيار من خيارين.. إما الانسحاب من التصدي للمهمة بالكامل وتحمل التبعات المترتبة على عودة الإخوان للحكم سواء على البلد أو على تشكيلاتها.. ورموزها.. وإما استخدام القوة اللازمة في هذا الوقت بالذات وقبل فوات الأوان للتعامل مع الموقف بما يستحق؟ ومن الواضح أن كلا الخيارين صعب.. وكليهما مكلف للغاية.. سواء على مستوى الخسائر البشرية أو المادية.. لكن حساب الأرباح والخسائر في الخطط والاستراتيجيات يقاس بمدى العائد المتحقق للأوطان.. وليس للأفراد.. أو التكتلات والتوجهات. وبما أن العسكر قد وجدوا أن هناك كلفة أدنى من كلفة.. فإن ما كان أمامهم إلا أن يختاروا المواجهة للعنف.. بالحد الأدنى من القوة التي تحسم الموقف وتحول دون وقوع الحرب الأهلية واستنزاف مقدرات البلاد. وبكل تأكيد.. فإن استخدام العسكر للقوة لفض النزاع والسيطرة على الموقف لا يعني التفويض الكامل لهم بالقتل.. وإنما يعني التفويض باللجوء إلى التدابير الكفيلة بالحد من الخسائر بقدر الإمكان. وتلك معادلة صعبة.. لكنها عندما ترتبط بمصير بلد ومستقبل أمة.. فإن التعاطي معها مسألة حياة أو موت.