• بالرغم من الحشد الكبير الذي وفره «الإخوان المسلمون» ولا سيما في القاهرةوالإسكندرية للمطالبة بعودة الرئيس السابق «محمد مرسي» إلى السلطة مجددا وبالرغم من الخطاب الناري الذي ألقاه مرشد الإخوان مساء الجمعة 5/7/2013م في «رابعة العدوية» في القاهرة ووجه فيه عدة رسائل قوية إلى كل من القوات المسلحة والأزهر والكنيسة طالبهم فيها برفع أيديهم عن مصر على حد تعبيره ودعاهم إلى إعادة الشرعية (كما أسماها) والابتعاد عن السياسة.. بالإضافة إلى دعوته الحشود «الإخوانية» الكبيرة بعدم ترك الميادين حتى يعود مرسي إلى سدة الرئاسة.. وبالرغم من ارتفاع عدد القتلى المتزايد بين المصريين نتيجة الصدامات المتواصلة بين أنصار الإخوان وأنصار «الثورة الثانية» التي يعتبرها الإخوان «انقلابا» ويصفها الثوار بالتصحيح لمسار ثورة 25 يناير.. •• بالرغم من هذه العوامل الداخلية «الضاغطة» على السلطة الجديدة بمكوناتها المدنية والعسكرية والثورية.. وبالرغم من الضغوط الخارجية الشديدة على الحكم الجديد ممثلا في الموقف الأمريكي بصورة أساسية.. وموقفي بريطانيا وفرنسا المتأرجحين والموقف الروسي الذي لوح أمس بأن مصر مقبلة على حرب أهلية.. وبالرغم - كذلك - من تجميد الاتحاد الأفريقي لعضوية مصر فيه ومطالبته بعودة «مرسي» ورفض ما أسماه لكل أشكال التغيير لنتائج الانتخابات وصناديق الاقتراع.. وبالرغم من الممارسات الضاغطة التي تنتهجها منظمة حماس انطلاقا من غزة.. تجاه سيناء.. وما ألقته من أعباء إضافية على الجيش المصري.. وما تؤدي إليه من ضرب المقومات الأساسية للاقتصاد المصري وآخر مظاهرها تفجير أنبوب النفط المؤدي إلى الأردن يوم أمس.. •• بالرغم من كل هذه العوامل الظاهرة والمعروفة لنا جميعا وغير الظاهرة على السطح والتي تتم بهدوء من قبل من يرفضون مبدأ انتقال السلطة من الإخوان قبل انتهاء مدتهم وإجراء انتخابات رئاسية بعد (3) سنوات من الآن.. بالرغم من كل هذا.. فإن أغلبية الشعب التي فرضت التغيير على القوات المسلحة لا تبدو مستعدة للتضحية بالمنجز الذي حققته بإنهاء حكم الإخوان بعد سنة يعتبرونها مريرة.. وتجسدت فيها كل أشكال الإقصاء وتكريس «الأخونة» وبثها في كل مفاصل الدولة بعد إنتاج دستور فصل تفصيلا دقيقا على جسم الإخوان وتبنى كل توجهاتهم وآيدلوجيتهم ومنهجهم في العمل السياسي.. جنبا إلى جنب انتقاص الحريات كما يقول الثوار.. ويتهمهم «التغييريون» علنا.. هذه الأغلبية تبدو مصممة على التمسك بالمنجز الذي حققته.. ولن تسمح بالتفريط فيه.. لماذا لن يعودوا؟ •• لذلك فإن فرص نجاح هذا الاحتشاد «الإخواني» في الشوارع والميادين في القاهرة أو في المدن والنجوع المصرية الأخرى لا تبدو كبيرة.. وسوف لن تؤدي إلا إلى مزيد من «الاحتقان» وقتل المواطنين وتعطيل حركة الحياة الطبيعية وإشغال القوات المسلحة وجهاز الأمن عن النهوض بمهامهم الأساسية لترسيخ قواعد النظام.. وتأمين الوطن من الأخطار.. وتهيئة البلاد لمرحلة إعادة البناء.. وهي ولا شك كلفة باهظة على الوطن المصري.. لكنها سوف تدفع وإن تأجلت مرحلة الانتقال بالبلاد إلى حالة الاستقرار التام لبعض الوقت.. وهذا التعطيل.. قد يكون هو الحد الأدنى مما يسعى الإخوان إلى تحقيقه لئلا تتمكن السلطة الجديدة من تحقيق ما لم يحققوه خلال سنة الحكم الإخواني الأولى.. •• ومع ذلك فإن الوضع الراهن سوف يصمد ويستمر وإن كان بقاؤه ونجاحه واستمراره يتوقف على مدى سرعة الإنجازات التي سيحققها على الأرض بمزيد من تعاون المصريين في الداخل والخارج معه.. بالرغم من محاولات الإخوان للحيلولة دونه. •• وللأسباب التالية.. فإن السلطة الراهنة سوف تستمر: • أولا: عنصر التوقيت المحكم الذي اعتمدته القوات المسلحة في إحداث التغيير للنظام القائم.. بالرغم من البيان المبكر الذي أصدرته بتاريخ (1/7/2013م) ونصت فيه (صراحة) على أن إمهال القوات المسلحة جميع الفرقاء مدة (48) ساعة لإيقاف الأعمال المهددة لأمن الوطن وسلامته.. وكشفها عن خارطة محددة.. سوف تتولى تنفيذها والإشراف عليها في حالة انتهاء المهلة دون التوصل إلى وفاق يحفظ أمن وسلامة البلاد.. •• هذا البيان لم يكن الأول الذي ألمحت فيه القوات المسلحة إلى أنها تراقب الوضع عن كثب وتتحفز لحسمه.. وإنما كان هو البيان الثاني والأوضح.. وإلا فإن القوات المسلحة كانت قد وجهت للشعب المصري بيانا سابقا يقول: «إنها لن تسمح - على الإطلاق - بانزلاق مصر إلى حرب أهلية». •• هذه اللغة القوية والجادة والواضحة لم تنشأ بكل تأكيد من فراغ، وإنما صدرت بعد تدارس عميق بين قيادات القوات المسلحة في ضوء تزايد درجة الاحتقان في الشارع السياسي وفي الميادين العامة وعبر وسائل الإعلام أيضا. •• وقد قابل هذه القراءة لكل الأبعاد الأمنية والسياسية للواقع المصري من قبلهم.. طمأنينة متناهية لدى كل من الرئاسة.. والإخوان المسلمين.. بأن ما يحدث في الشارع المصري لا يتجاوز حدود التظاهر والتعبير عن الرأي الآخر وقناعتهم بضرورة ترك الأمور تسير على ما هي عليه لما يحققه ذلك لهم من مكاسب كبيرة على المستويين السياسي والاجتماعي لأنه يجسد مدى إيمان الإخوان بحق الشعب في التعبير عن نفسه.. وأن كل ذلك لن يلبث أن ينتهي بعد فترة وجيزة من الوقت.. وذلك ما أكده القيادي الإخواني «عصام العريان» عندما خرج إلى الشارع والتقى أنصار الإخوان وتهكم بما يحدث.. •• ولا أستبعد أن القوات المسلحة التي كانت تصدر تلك البيانات «الحازمة» قد مارست درجة قصوى من الذكاء مع الرئاسة.. وأقنعتها بأن الشارع بحاجة إلى لغة خطاب حازمة.. وتلويحات قوية من قبلهم.. تؤكد على أن الجيش مع الشرعية ومع قوة فرض النظام وإن استدعى الأمر استخدام القوة ومواجهة الخارجين عليها.. •• لا أستبعد أن تكون «القوات المسلحة المصرية» قد أقنعت الرئاسة بأنها تفعل ذلك من أجله.. في وقت كانت تعمل على كل الأصعدة وتأخذ في الاعتبار جميع الاحتمالات سعيا منها إلى تحقيق ما أملته عليها عقيدتها العسكرية في الحفاظ على مصر أولا وأخيرا.. •• فعلت هذا القوات المسلحة لأنها تقف أمام مسؤولية تاريخية تفرض عليها أن تستجيب لصوت الأغلبية الشعبية من جهة.. وأن تتجنب استفزاز الرئاسة تجنبا للتعرض لأي اعتقالات وإخماد كل ما يخطط له العسكر بعد أن وصلت بهم القناعة إلى ضرورة العمل سريعا على التغيير. •• وهناك دليل آخر على أن الإخوان كانوا بطيئين في التفكير.. وفي اتخاذ القرار.. وأن حماسهم المعهود.. وقدرتهم على التنظيم واستخدام الشارع بقوة.. قد جاء متأخرا جدا.. لأن أحدا فيهم لم يكن يتوقع أن يؤثر طرف آخر في الشارع أكثر منهم.. وأن القوات المسلحة لا يمكن أن تتحيز لغير النظام أو أن تنسلخ عنه.. لاسيما أن اختيار قيادته قد تم مع بداية تسلمهم للسلطة وأن اختيار «السيسي» تحديدا قد جاء بناء على معلوماتهم المسبقة عنه كرئيس للمخابرات العسكرية وإن لم يتأكدوا - على ما يبدو - من عقيدته السياسية والوطنية بكل تأكيد. •• ثانيا: إن الأخطاء الكبيرة التي مارسها الإخوان سواء في السلطة أو في الميادين العامة أو في التعيينات.. وإقصاء بقية الفئات الأخرى تمكينا لهم في الحكم خلال العام.. قد عجلت بتراجع أسهمهم في المجتمع المصري.. وبالذات بعد صدور الدستور المفصل عليهم تفصيلا دقيقا.. وليس على مصر الدولة وعلى مصر الاستحقاق.. الأثر السلبي لخطاب المرشد ليس هذا فحسب.. بل إن ظهور مرشد الإخوان مساء يوم الجمعة في الحشد الكبير أمام جامعة القاهرة وخطابه الذي وصف بأنه خطاب تحريضي لأنصار الإخوان، وحثهم على عدم مبارحة الميادين حتى عودة مرسي وتوجيهه رسائل قاسية إلى كل من الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وشيخ الأزهر الدكتور «أحمد الطيب» وإلى الكنيسة المصرية ممثلة في «البابا تواضروس الثاني» وكذلك إلى حركة تمرد وسائر فئات الشعب المصري، هذا الخطاب أظهر المرشد من جهة والإخوان المسلمون من جهة ثانية بأنهم طلاب سلطة وأنهم حريصون على «أخونة» الدولة المصرية.. عبر سياسات فرز بدت غير مقبولة في مرحلة كان عليهم أن يسعوا فيها إلى تجميع المزيد من الأنصار من بقية فئات الشعب المصري للتعاطف معهم والالتفاف حولهم.. •• وبكل تأكيد فإن تحرك مئات الآلاف من أنصار الإخوان الذين كانوا يستمعون إلى الخطاب الوعظي للمرشد «محمد بديع» في «رابعة العدوية» باتجاه ميدان التحرير.. وميدان مسبيرو الذي يوجد فيه مبنى التلفزيون المصري وكذلك إلى مقر الحرس الجمهوري.. واستخدامهم العنف تجاه المواطنين والجيش.. إن هذا التحرك بكل ما أسفر عنه من وفيات قد أساء كثيرا إلى الإخوان وإلى طريقتهم في الإدارة والحكم وفي لجوئهم إلى العنف لفرض سلطتهم بالقوة.. وليس بالشرعية التي يطالبون باستردادها.. •• هذا السلوك.. لم يفقدهم تعاطف الشعب معهم فحسب.. وإنما صور للعالم كله بمن فيهم المؤيدون لاستمرارهم في السلطة، حقيقة المنهجية القائمة على العنف في إدارة شؤون الدولة المصرية وقللت من فرص دعم قضيتهم ومن إمكانية عودتهم إلى الحكم ثانية على الأقل في هذا الوقت بالذات.. وذلك يمثل (غباء سياسيا) ما كان يجب أن يحدث بمثل هذه الفجاجة في وقت كان عليهم أن يبدوا أكثر حكمة وتمسكا بأساليب الاحتجاج السلمي والظهور بمظهر حضاري غير الذي ظهروا به في الإسكندرية وأسيوط وسيناء وغيرها أيضا.. وبالذات في قتل الأطفال.. وإشاعة الرعب.. في العديد من المدن المصرية.. •• ثالثا: إن القوات المسلحة المصرية تصرفت بعقلانية شديدة في البداية مع كل القيادات «الثورية» والإخوانية» لأنها كانت حريصة على لعب دور سياسي نظيف.. هدفه التغيير وليس التصفية والانتقام والإقصاء.. حين تركت الجميع أحرارا واكتفت بتأمين المناطق الحساسة.. بدليل ترك المرشد يلتقي بالحشود الإخوانية ويتحدث إليها مباشرة.. وإلا فإن من طبيعة حركات التغيير وللدواعي الأمنية والاحترازية أن تقوم - حتى قبل الإعلان عن التحرك للاستيلاء على السلطة في أي بلد - من طبيعتها أن تتحفظ على جميع القيادات السياسية المؤثرة في الشارع والمساهمة في صنع القرار بدءا بالرئيس «المخلوع» وانتهاء برؤساء التكتلات والأحزاب بمن فيهم زعماء حركة الإنقاذ وجبهة تمرد وكذلك الإخوان المسلمون والسلفيون حتى تضمن الحد الأعلى من التهدئة والبعد عن الشحن وإثبات الرغبة في التوجه إلى مرحلة انتقالية يساهم فيها الجميع.. فعل هذا الجيش في البداية ولم يتحفظ سوى على الرئيس محمد مرسي.. منعا لاتخاذ أي قرارات قد تؤدي إلى الاحتقان والإرباك والتأثير على الحالة الأمنية، وكان هذا أمرا طبيعيا.. فيما تركت الجميع أحرارا، لكنها عندما وجدت أن قيادات الإخوان وتحديدا «بديع - الشاطر - الكتاتني» وغيرهم يتحركون في اتجاه مواجهة حركة التغيير.. يخططون.. ويجمعون الأنصار.. ويمدونهم بالسلاح.. ويعقدون التجمعات ويحرضون الناس ضد بعضهم البعض.. فإنها لم تتردد - عند ذاك - في إيقافهم وبدء التحقيق معهم.. وعزلهم عن حركة الشارع منعا لتطور الأمور وتصعيدها إلى حرب أهلية حقيقية كان من المحتم أن تؤدي إلى مقتل أكثر من ال (40) شهيدا وإصابة ال (1500) مواطن مدني واستشهاد أكثر من (10) من العسكريين حتى يوم أمس.. •• رابعا: إن القوات المسلحة المصرية فطنت منذ وقت مبكر إلى أنها يجب أن تظهر كحركة وطنية وليس كحركة متمردة على السلطة وبالتالي تبدو وكأنها تنقلب على الشرعية وتتصرف ضد القانون بحثا عن السلطة.. مستفيدة من تجربة القوات المسلحة الأولى في التصدي للمهمة بالكامل في 25/ 1 / 2011م بدءا بإقناع مبارك بالتنازل وانتهاء بالتصدي لمهمة إدارة شؤون الدولة فيما بعد وحتى مجيء مرسي.. •• وبهذا الدهاء السياسي الذي مارسته وأكدت معه أنها صادقة في أنها لا تبحث عن السلطة المطلقة وإنما هي تنحاز فقط لإرادة الشعب وتستجيب لرغبته كما قال السيسي في مطلع بيانه ليلة التغيير (3/7/2013م) فإن القوات المسلحة لجأت (بحنكة) إلى العديد من المؤسسات الهامة في البلاد لتبني خارطة التغيير نحو مصر جديدة تحتضن الكل وتعبر عن الكل وهو ما لم يقم به الإخوان ودفعوا ثمنه أخيرا.. وقد رأينا منذ اللحظة الأولى التي ظهر علينا فيها القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح السيسي وهو يلقي بيان التغيير أن العسكر قد ترجموا إرادة الشعب المنتشر في الميادين بضرورة التغيير إلى جمع العديد من القوى السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية المؤثرة في الوطن المصري ممثلين في شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والبابا تواضروس ورئيس جبهة الإنقاذ محمد البرادعي ونائب رئيس حزب النور بسام الزرقا والسيدة (سكينة جلال) ممثلة للمرأة المصرية وثلاثة من قيادات حركة تمرد الشابة.. ظهر هؤلاء في المشهد منذ اللحظة الأولى محيطين بالفريق السيسي ومجسدين بذلك صورة مصر المستقبل الذي توافقوا على العمل من أجله والسعي إلى تحقيقه.. ولم يكونوا مجرد غطاء سياسي لحركة عسكرية انقلابية بحتة.. بتوافق الجميع على الخارطة التالية: 1) تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت. 2) اختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا لرئاسة الدولة في الفترة الانتقالية لمدة (سنة) قد تمتد إلى (سنة ونصف) وفقا للمادة (84) من الدستور المصري الحالي.. لإكساب المرحلة صفة النظام المدني الدستوري بناء على الشرعية الثورية ومنحه سلطة إصدار إعلانات دستورية وتشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية وتشكيل لجنة تضم كل الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتا. ومناشدة المحكمة الدستورية العليا بالإسراع في إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس الشعب والبدء في إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية.. وكذلك وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن.. ودمج الشباب (عمليا) في مؤسسات الدولة ليكون شريكا في القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة.. وأخيرا تشكيل لجنة عليا للمصالح الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات. •• وبهذه الخارطة المحكمة الإعداد والواضحة الأهداف والتوجهات فإن القوات المسلحة وتلك الفعاليات الهامة والمؤثرة تكون قد حسمت مسألة الشرعية لصالح الشرعية الثورية المجمع عليها من القوى والأوساط المكونة لنسيج المجتمع المصري باستثناء الإخوان المسلمون الذين رفضوا المشاركة بعد دعوة رئيس حزب الحرية والعدالة الدكتور سعد الكتاتني للاجتماع معهم والانخراط في بناء الدولة المصرية الجديدة. كما نجحوا بهذه الصيغة في الرد على من يصفون التغيير بالانقلاب العسكري على الشرعية الدستورية.. سواء كان هؤلاء من داخل مصر نفسها أو من دول العالم الأخرى وفي مقدمتهم الولاياتالمتحدةالأمريكية التي بدت في البداية وكأنها غير راضية عن التغيير وإن بدت تصريحات المسؤولين الأخيرة فيها أكثر تفهما لما يحدث.. وربطا لنتائجه بإرادة الشعب المصري.. وبذلك يكون الضغط الدولي في طريقه للانحسار.. ويبدأ العالم في الاعتراف التدريجي بالوضع الجديد بعد تحقق خطوات عملية جادة على الأرض. •• خامسا: تعامل الجيش مع الوقائع والأحداث في الداخل المصري بهدوء وبحكمة تجمع بين تحقق الانضباطية وتجنب استخدام القوة والعنف والتعدي على الحقوق والحريات باستثناء الإجراءات التحفظية (المؤقتة) التي اتخذها تجاه بعض قيادات الإخوان المسلمين للحيلولة دون استمرار التصعيد والتعبئة ودفع البلاد نحو الحرب الأهلية وزيادة حالة الاقتتال بين الأنصار والمناوئين، وهي إجراءات لا أعتقد أنها ستستمر طويلا ما لم يلمس «العسكر» أن المصلحة العليا تقتضي مواصلتها وإن كان ذلك قد يؤدي إلى استمرار حالة التوتر في الشارع المصري لبعض الوقت.. وقد يضطرون في وقت من الأوقات لفرض حالة الطوارئ وفرض الأحكام العرفية إذا اقتضى الأمر.. •• سادسا: إن المؤيدين للتغيير عادوا يوم أمس إلى الشارع مجددا وبقوة.. بعد أن تركوا الميادين في الأيام التالية لبيان القوات المسلحة بمشاركة النخب المؤثرة. وإن هذه العودة وإن كانت تنذر بتجدد واستمرار الاشتباكات مع أنصار السلطة السابقة.. إلا أنها وفق رؤية الأحزاب والتكتلات السياسية التي فرضت التغيير تعتبر ضرورية للتأكيد على سيطرتها على الشارع المصري وتمثيلها للأغلبية - بما فيها الصامتة حتى الآن - وبالتالي أحقيتها في فرض قرار التغيير لصالح الشرعية الثورية.. بدلا من أن تترك الميادين العامة لسيطرة الإخوان وممارساتهم العنيفة.. ولا شك أن قرار القوى اللبرالية هذا.. قد يكون إيجابيا في ناحية لأنه يحول دون سيطرة الإخوان على الشارع.. وقد يكون سلبيا لأنه يزيد من فرص الاحتقان والتصادم بين أبناء الشعب.. التحدي الحقيقي في الفترة القادمة •• لكن التحدي الحقيقي في الفترة القريبة القادمة أمام السلطة الجديدة هو أن تنجح على أصعدة ثلاثة هي: - الصعيد الأول: ضبط الشارع المصري وتحقق الأمن في مختلف ربوع الدولة المصرية وفرض النظام بقوة وبحكمة وبأقل قدر من الخسائر وبالحد - بقدر الإمكان - من المواجهات مع أنصار السلطة السابقة. - الصعيد الثاني: اتخاذ قرارات صحيحة.. تحظى بقبول عام في الشارع المصري وكذلك عند الدول والهيئات والمنظمات الدولية، سواء فيما يتعلق بتشكيل الحكومة من الكفاءات القادرة على استتباب الأوضاع في أسرع وقت ممكن.. وضخ دماء الحياة في شرايين المجتمع المصري وتحسين مستوى الأداء الاقتصادي في البلاد. - الصعيد الثالث: النجاح في تهدئة الشارع المصري وطمأنة الإخوان وأنصار الرئيس السابق محمد مرسي.. وذلك بالتعامل الراقي مع قياداتهم بعيدا عن التصفية.. والتنكيل وتصفية الحسابات..بالرغم من بعض الدعوات (غير الموفقة) للتعامل معهم بقسوة وتصويرهم كعناصر مهددة للنظام وللسلامة العامة.. شريطة أن تتصرف هذه القيادات بحكمة وأن تتفهم طبيعة المرحلة وأن تندمج من جديد في العمل السياسي المنظم والهادئ وتوجه كل جهودها وطاقاتها للإعداد للانتخابات القادمة وأن تثبت أنها قوى وطنية يهمها أمن وسلامة واستقرار مصر ونجاح مؤسساتها في الانتقال سريعا إلى مرحلة البناء والتنمية حتى وإن كانت هذه النقلة على بواسطة الغير.. •• هذه الأصعدة الثلاثة وإن كانت مهمة في تهدئة الوضع وتوجه الجميع نحو المشاركة في تأمين سلامة واستقرار البلاد.. إلا أن تحققها بمثل هذه الصورة لاتبدو مسألة سهلة أو ممكنة على الأقل في الفترة القريبة القادمة.. وذلك يعني تأخر عملية الانتقال التدريجي المحسوب إلى وضع أفضل من السابق لسببين اثنين بارزين هما: •• أولا: إن الإخوان المسلمين لن يقبلوا بسهولة بالتنازل عن مطالبهم في استرداد السلطة وأنهم وإن توقفوا عن ممارسة سياسة الحشد إلا أنهم سوف لن يشاركوا في الحكومة أو اللجنة العليا للمصالحة الوطنية أو في أي مؤسسة من مؤسسات السلطة الجديدة أو المجتمع المناوئ لتوجهاتهم بأي شكل من الأشكال.. لأن ذلك بالنسبة لهم يعد تسليما بالأمر الواقع ولذلك فإنه قد تظهر جيوب تنحو نحو العمل السري المنظم وسوف يؤدي ذلك إلى زيادة الاحتقان في بعض الفترات في الحد الأدنى.. وإن سعى البعض إلى تغيير الوضع لصالحهم سواء بالاختراق للقوات المسلحة أو بالاستعانة ببعض القوى والأحزاب المشاركة في منظومة السلطة الجديدة أو عبر نشر بعض مظاهر الفوضى وإشغال الأجهزة الأمنية والعسكرية كثيرا.. •• ثانيا: أن تأتي إلى مواقع السلطة الجديدة عناصر غير مؤهلة التزاما بشرط «الكفاءة» أو غير مقبولة من بعض التيارات لتعارض الاتجاهات بينهما.. وفي هذه الحالة فإن الخشية تصبح واردة إذا أدى الإصرار على اختيار أشخاص بعينهم إلى انسحاب بعض الشركاء.. تماما كما هدد السلفيون بذلك في حالة اختيار «محمد البرادعي» لرئاسة الوزارة.. أو في حالة لجوء لجنة إعادة صياغة الدستور إلى استبعاد أو تعديل المواد التي تؤكد على «أسلمة» النظام وفي مقدمتها المادة الثانية من الدستور والتي تنص على «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع» كما تتزايد الخشية أيضا من احتمالات «انفراط» عقد السلطة الجديدة في أي مرحلة من مراحل العمل على تكريس مفهوم الدولة المدنية.. والأسوأ من كل هذا أن يشعر بعض الشركاء بأن دورهم يتضاءل أمام سلطة العسكر.. وهو ما لا أتوقع حدوثه لأن القوات المسلحة تبدو مقتنعة بأن نجاح مصر في المرحلة القادمة لن يكون متحققا إلا بتحقق مبدأ التقاسم للأدوار.. والتوزع للمهام والمسؤوليات.. وتحقيق الحد الأعلى من التوازن وذلك بالتوافق على كل قرار.. وكل خطوة.. وهي عملية معقدة قد لا تتم بالصورة المثالية في كل الأوقات.. وهنا تبرز أهمية الحكمة ومدى توفر القدرة على احتواء كل المواقف ومنع الاختلافات ولا سيما بين المسلمين والمسيحين.. أو بين الليبراليين ومن يميلون إلى نهج الإخوان المسلمون.. أو أن يتكرر منهم مشهد الإقصاء الذي باشره الإخوان ودفعوا ثمنه.. فتلجأ السلطة الجديدة إلى إبعاد العناصر المحسوبة على الإخوان في المرحلة القادمة.. وتحديدا في انتخاب السلطات التشريعية الجديدة مما قد يخل بالتوازن بداخلها ويغلب أصوات الليبراليين على من عداهم.. وهذا الوضع قد يؤدي إلى حالة من حالتين: فإما أن يرفض الإخوان دخول هذه المؤسسات وتقديم مرشحيهم فيها.. وإما أن «يتغوَّل» الليبراليون أكثر ويلجأون إلى نفس الأسلوب الخاطئ الذي أقدم عليه الإخوان وأتوا بأنصارهم إلى مجلس الشعب والشورى ونشروهم في مواقع السلطة وفي إدارة شؤون المحافظات سواء في جانبها المدني أو الأمني أو الإداري.. وفي كلتا الحالتين.. فإن الدولة المصرية ستظل تراوح مكانها إن هي لم تسقط مرة أخرى تحت أي ظرف.. أو ضغط داخلي أو خارجي.. أو بفعل تزايد الأخطاء والممارسات من قيادات العمل الحكومي خلال الستة أشهر القادمة.. •• لكن وفي وكل الأحوال.. فإن تغيير التغيير لا يبدو أنه وارد أو متوقع في ظل أكثر المؤشرات التي تدل على أن الأمر بات محسوما وإن تباطأت المرحلة الانتقالية بعض الشيء بفعل.. استمرار حالة التوتر وتأخر عودة المؤسسات والأفراد إلى العمل والإنتاج.. بالرغم من رغبة السلطة الجديدة وإصرارها على إحداث تحول سريع في الناحيتين الاقتصادية والأمنية ولا سيما في ظل الدعم الكبير والكبير جدا الذي ستحصل عليه مصر في الأيام القليلة القادمة للنهوض باقتصادها.. وإعادة بناء احتياطياتها النقدية وتحسين سعر عملتها.. بتدفق الاستثمارات وعوائد السياحة عليها من جديد.. وسد احتياجاتها من الوقود.. والسلع والخدمات.. ونهوض البورصة فيها وتميكن السلطة من اتخاذ قرارات محورية تتصل بعيش المواطن.. وتأمين حياته اليومية.. ورفع معدلات دخله في فترة لاحقة.. تتساوى في ذلك المدن والقرى والنجوع المصرية، كما هو مخطط له - على ما يبدو - من قبل القوات المسلحة ونخب الحكم المختارة بعناية.. •• وإذا تحقق هذا المستوى من الانتعاش المبكر خلال الستة أشهر الأولى من الحكم الجديد.. وجاءت المؤسسات الدستورية محققة لتطلعات معظم المصريين في تحقيق الشراكة بين الجميع، فإن مصر تكون قد استعدت لدخول مرحلة حقيقية من الحكم المتوازن واستبعاد أي احتمالات لعودة أي نظام تحكمي أو إقصائي أو عسكري وغير مدني .. وتحققت بذلك المعادلة الأصعب بقيام دولة حضارية.. تجمع بين الدولة المدنية والدولة الدينية في نسيج واحد.. قوامه العدالة والمواطنة وحق الجميع في التمثيل.. وإن كان ذلك ليس سهل التحقيق وبالذات إذا مضى الإخوان المسلمين في العناد ومارسوا دور حزب الله في لبنان كما سبق أن قلنا.. أو إذا أخطأت السلطة الجديدة وانحرفت عن الأهداف والمبادئ المعلنة.. أو إذا حدث الاثنان معا.. وقاد الجميع مصر إلى مصير مؤلم.. لا يعرف مداه سوى الله.. ولا يقدر خطره إلا العقلاء الذين تحتاجهم مصر اليوم أكثر من أي وقت مضى.