ليس من المتوقع على الإطلاق أن يسقط الحشد الجماهيري المعارض للنظام المصري الحالي في الاتحادية اليوم.. الرئيس محمد مرسي.. إيذانا بالتغيير واستعدادا للإعلان عن انتخابات مبكرة، كما تريد المعارضة وكما تخطط.. كما أنه ليس من المتوقع أيضا أن تراجع مجموعة الإنقاذ حساباتها من جديد وتتوقف عن المضي في سياساتها المرسومة لتعويق نظام مرسي وعدم تمكينه من تحقيق أي إنجازات على الأرض والتمكين للإخوان المسلمين من كل مفاصل السلطة في البلاد لأنها ستواصل معارضتها له على مستويين: مستوى الشارع والمستوى السياسي العام داخليا وخارجيا.. وبالمقابل .. فإن أحدا لا يتوقع أيضا أن الرئيس المصري ومن موقعه في السلطة ومن ورائه جماعة «الإخوان المسلمين» وحزب الحرية والعدالة، لا أحد يتوقع أن يتغير شيء كثير في طريقة أداء السلطة أو في نمط السياسات والتوجهات التي يعمل في ضوئها الإخوان.. خلال السنة الثانية في الحكم عما تم في السنة الأولى .. بالرغم من إدراكهم (السلطة والإخوان) أن العديد من الأخطاء قد وقعت منهم في الممارسة السياسية.. وفي التفكير.. وفي التعامل مع القضاء.. وفي طريقة إدارة شؤون البلاد بشكل عام.. وفي التعامل مع الأطراف الأخرى المناوئة لهم والمتزايدة في أعدادها وتحالفاتها يوما بعد يوم. وضع الشارع المصري وفي ذات الوقت.. فإن الشارع المصري سيظل يعاني من حالة التمزق.. والحيرة.. وعدم تحديد الموقف بدقة مع أو ضد النظام لأن رقعة الخلاف بين الطرفين النظام ومن ورائه الإخوان.. والمعارضة بأذرعتها المختلفة.. ستتسع بل وقد تؤدي بالبلاد إلى مزيد من الفوضى غير المسبوقة.. وإلى التراجع الحاد في الأداء الاقتصادي العام وهو ما تراهن المعارضة على أنه سيكون العامل الفاصل في فرض التغيير في المستقبل إن هو لم يحدث الآن.. لكن الواضح أيضا هو: أولا: إن المعارضة.. بما فيها ذراع الاحتجاج السلمي «تمرد».. مازالت أقل قدرة على تملك أدوات الضغط والتأثير الكافي وبالتالي إحداث التغيير الذي تريد وتنشد بدليل ضعفها النسبي في الشارع يوم أمس الأول الجمعة مقارنة بالحشد الآخر لأنصار النظام بصورة أكبر في القاهرة.. وإن بدا الوضع مختلفا في المحافظات الأخرى.. وذلك يشير إلى أن الإخوان وعبر ذراعهم السياسي «حزب الحرية والعدالة» مازالوا الأقدر على الحشد والتواجد في العاصمة القاهرة متى شاءوا حتى وإن جيء بأنصارهم من المحافظات الأخرى كما حدث الجمعة. ثانيا: إن الخلط مازال كبيرا عند السلطة المصرية بين دورها كقيادة لدولة.. وبين انتمائها لجماعة.. وإن هذا الخلط قد ظهر بصورة واضحة في بعض الإجراءات والقرارات والتعيينات وكذلك من خلال الاستقالات التي حدثت خلال العام الأول.. كما ظهر ذلك بعد كل مرة ظهر فيها الرئيس وتحدث في أكثر من محفل.. وآخرها اللقاء الحاشد الذي تم مساء الأربعاء الماضي ودخل فيه الرئيس في تفاصيل وتحدث عن مواقف متعارضة وكشف عن نوايا هي أقرب إلى فكر الجماعة منها إلى فكر الدولة .. وهو ما لا يجب أن يستمر إذا أراد الرئيس مرسي لنظامه أن يستمر.. ويستقر.. ويقوى.. ويتجذر.. وينتج. ثالثا: إن الشارع المصري بدا وكأنه لم يحسم أمره بعد.. فهو وإن تأثر بالضخ الإعلامي الكثيف والمناوئ للسلطة الحالية كثيرا.. إلا أنه مازال متأرجحا أيضا.. لأن الطرف الآخر «المعارضة» لم يوفروا له بدائل مقنعة تطمئنه إلى مستقبل مصر.. وإلى فرص تحسن مستوى حياة الإنسان فيها وإن كل ما فعلته المعارضة هو«التنظير» و«المقاومة» و«الضغط» في وقت أخذت فيه الحالة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد تتدهور بشكل كبير.. نتيجة استمرار المواجهة بين الطرفين. صحيح أن المعارضة لا تملك القدرة على فرض حلول عملية على الأرض.. لأنها ليست موجودة في السلطة ولأنها لا تملك إمكانات الدولة المادية والقانونية والمعنوية لتمكينها من رسم السياسات وتنفيذ المشاريع.. وإحداث التحول الملموس في المستوى المعيشي.. والأمني.. والاجتماعي.. لكن الأكثر صحة هو أن المعارضة مازالت تعيش مرحلة البحث عن نفسها .. وتعزيز قدرتها على التنظيم وتهيئة الأرضية المناسبة والبيئة الصالحة لإسقاط النظام وبالتالي فإنها لم تبدأ بعد مرحلة التخطيط لمستقبل مصر.. وتقديم التصور النهائي للارتقاء بمستوى حياة الشعب المصري.. وذلك في حد ذاته يجسد أمرا من أمرين: إما أن المعارضة مازالت ضعيفة في بنيتها السياسية بدليل خروج قوى وعناصر منها مثل (أيمن نور).. و(حزب شباب 6 أبريل) و(حزب الدستور) و(حزب التحالف الشعبي الاشتراكي).. وكذلك جماعة عبدالمنعم أبو الفتوح.. وبالتالي فإنها مازالت تعاني من غياب التوافق الكلي بين أطرافها.. وإن ما قد يظهر من التفاف البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي حتى الآن حول بعضهم البعض ليس كافيا للتدليل على تطابق آرائهم وتوافق مواقفهم. حتى بعد أن انخرط الجميع الآن في المطالبة بإسقاط النظام.. وأعلنوا عن مشاركتهم اليوم في الحشد ضد استمراره. وإما أن المعارضة لا تملك (أصلا) البنية الفكرية والسياسية القوية لبلورة مشروع دولة مصر الجديدة.. كما يحلم بها المصريون.. ضعف المعارضة لماذا؟ وذلك يعود هو الآخر لسبب من سببين: السبب الأول: أن هذه القيادات وإن كانت تملك المعرفة السياسية والكاريزما الخاصة .. إلا أنها لا تملك التجربة الكافية في ممارسة الحكم وإدارة شؤون الدولة.. وبالتالي فهي عاجزة عن رسم التصور الذي يجب أن تقوم عليه الدولة في المستقبل.. ويقتنع به الشعب المصري.. ويقف معها من أجل تنفيذه والوفاء به. والسبب الثاني هو: أن رموز هذه المعارضة بأجنحتها المتعددة مازالت مختلفة حول طبيعة تلك الدولة وكيفية قيامها وطريقة توزع الأدوار فيها بين القوى السياسية المختلفة.. وهل تُحكم مصر «رئاسيا» أو «برلمانيا» أو بمزيج وهجين مختلف تماما.. وسواء كان سبب غياب المشروع القوي والمتكامل الذي كان على المعارضة أن تقدمه للشعب هو فقر الخبرة والاختلاف حول أسسه ومنطلقاته.. فإن الشعب المصري لا يبدو في معظمه.. وبمن فيهم المعارضون لمرسي.. وكذلك للإخوان مطمئنا إلى مرحلة ما بعد سقوط النظام الحالي في حالة حدوثه. مأزق القوات المسلحة رابعا: إن الوضع الاقتصادي المصري الصعب من جهة والحالة الأمنية غير المستقرة من جهة ثانية.. تضع القوات المسلحة المصرية أمام مهمة أكثر تعقيدا.. ودقة وحساسية.. للأسباب التالية: 1) وضوح الصورة أمامها.. وتباينها.. بين نظام يتخبط في إدارة شؤون البلاد وبين توقف دولاب الحياة وتردي مستويات الإنتاج وفراغ الخزينة من الأموال وتآكل الاحتياطي العام بسبب استمرار المواجهة بين السلطة والمعارضة على حساب المصلحة العليا للبلاد.. وهو وضع لا يمكن أن تحتمله البلاد لفترة طويلة.. وبين غياب البديل الجاهز والقادر على صنع الفارق وتهدئة الشارع وإدخال البلاد في مرحلة إعادة بناء حقيقية. 2) إن الظروف السياسية والأمنية المحيطة بمصر.. لا تبدو مريحة بدرجة كافية.. وبالذات بعد أن تأرجحت مواقف مصر في الآونة الأخيرة كثيرا بين الخيار القومي العربي وبين مد اليد لإيران.. وكذلك بعد تفاقم ملابسات أحداث سيناء وتشابكها مع العلاقة المصرية الإسرائيلية من جهة.. وكذلك العلاقة المصرية مع حماس.. في الوقت الذي تسببت تلميحات السلطة غير المرتاحة في مصر إلى تصرفات بعض العرب تجاهها في فجوة كبيرة بينها وبين بعض أشقائها العرب بدل أن تعزز التواصل معهم.. وتقترب منهم أكثر وتستثمر رغبتهم في دعم مصر وتنميتها. 3) إن الوضع الدولي الحالي منصرف إلى معالجة الحالة السورية وإن كانت العيون لا تزال مسلطة على الوضع المصري بشيء من القلق وعدم الارتياح بكل تأكيد لأن السلطة في مصر تعجلت البحث عن دور أكبر في الإقليم وخارج الإقليم قبل أن تعيد ترتيب البيت المصري من الداخل وذلك أدخلها في حسابات القوى الكبرى وبعض دول الإقليم كطرف منافس على مرتبة قيادة المنطقة وهي المرتبة التي تتصارع عليها كل من إيران وتركيا في وقت كانت فيه الحكمة السياسية تقتضي التركيز فقط على مرحلة التخطيط لمصر المستقبل في الوقت الراهن.. بشيء من الوضوح والتنظيم للعلاقة مع إسرائيل من جهة (كما تعتقد أمريكا) ثم مع دول الإقليم وفي مقدمتها الدول الخليجية الست التي تمثل مصدرا حقيقيا من مصادر القوة المؤثرة في خلق الاستقرار بالإقليم كله (كما ترى دول الخليج). 4) إن مصر وجدت نفسها نتيجة استمرار أخطاء ممارسات النظام فيها بمواجهة مأزق مشروع السد الإثيوبي العازل لمياه النيل بكل مؤثراته الاقتصادية وبكل أبعاده السياسية والأمنية أيضا. وبدلا من أن تستثمر السلطة حالة الفتور التي كانت قائمة بين النظام المصري السابق وبين الدول الإفريقية فإنها تعاملت بنفس المنوال مع الأقربين منها والأبعدين عنها .. وفي مقدمتهم السودان.. وأريتريا والسنغال وبالتالي فإن القوى الدولية وحتى بعض الأطراف الإقليمية وجدت الفرصة سانحة لتشجيع الإثيوبيين على المضي في مشروعهم المجمد منذ سنوات.. مما يضع مصر أمام خيارات صعبة وغير قادرة كدولة مصب لمياه النيل على أن تسد الحد الأدنى من حاجتها إلى الطاقة.. بعد أن كانت تستفيد (فقط) من (13 %) مما هو متاح لها أن تستفيد منه من تلك المياه المتدفقة بغزارة نتيجة قِصر نظر السلطة في الماضي وعجز القدرة على الاستثمار فيها.. ثم عدم إدراك السلطة الجديدة لهذه الأهمية الاستراتيجية وانشغالها بأمور أقل أهمية في ظل حالة الارتباك الشاملة التي تعيشها البلاد. 5) إن العون الدولي الذي وُعدت به مصر من صندوق النقد الدولي وإن كان قد فقد فعاليته الآن بعد أن تفاقمت مشكلات مصر الاقتصادية والأمنية إلا أنه أضاف نقطة سوداء على صفحة أداء الدولة المرتبك .. وعدم قدرتها على التعامل مع الصندوق ومع المؤسسات الدولية المالية والسياحية الأخرى. وهذا يعني أن الكثير من الموارد قد توقفت.. بما فيها أرقام المساعدات الكبيرة التي وعدت بها دول عربية شقيقة أو أطراف دولية كبيرة.. إلى جانب توقف برامج صندوق النقد الدولي المرتبطة بشروط صعبة.. إضافة إلى توقف عوائد السياحة الكبيرة وتراجع إيرادات قناة السويس كممر مائي دولي هام.. وهو وضع تدرك القوات المسلحة مدى العبء الذي يشكله على الأمن المصري بشكل عام. 6) إن دلالات ومؤشرات الوضع الجديد في تركيا.. رغم الفارق في تطبيقات النظام الذي يقوده «أردوغان» هناك وبين ممارسات النظام في مصر.. بالرغم من استنادهما إلى فكر أيديولوجي، هذه المؤشرات وذلك الفارق يجعلان المقارنة، تفرض احتمالات كبيرة نحو إمكانية التغيير الأسهل في مصر لصالح قوى التغيير .. وهو ما قد ترى القوات المسلحة المصرية أنه قابل للتحقيق الآن على أقل تقدير. كل هذه العوامل وتلك تجعل القوات المسلحة المصرية أمام مسؤولية من نوع مختلف. صحيح أن تجربتها الناجحة في المشاركة في عملية التغيير الأولى.. ثم في إدارة المرحلة الانتقالية فيما بعد قد أكسبتها مناعة كبيرة للتعامل مع قضايا التغيير.. لكن الأكثر صعوبة وتعقيدا الآن هو أن المشير طنطاوي ورفاقه.. كانوا في المرة الأولى أمام نظام يتداعى وشعب يريد التغيير وبالتالي سهل عليهم التعامل بذكاء الساسة ودهاء العسكريين مع الوضع المأزوم آنذاك.. وتخلصوا من الرئيس ولم يضطروا لمواجهة الشعب وتحملوا تبعات ما بعد الانتخابات عزلا وإقصاء.. وإن كانوا قدخرجوا بالبلاد إلى بر الأمان وادخروا دماء المصريين.. وجنبوها المصير الذي عاشته دول التغيير الأخرى تونس وليبيا.. وتعيشه سورية في الوقت الراهن. أما القوات المسلحة المصرية الحالية في عهد «الفريق السيسي» فإن مأزقها يأتي من أنها مطالبة وبموجب الدستور بالوقوف إلى جانب الشرعية المنتخبة عبر صناديق الاقتراع ومواجهة أي طرف أو قوة تحاول التمرد عليها أو تسعى إلى إسقاطها سواء كانت هذه الأطراف والقوى داخلية أو خارجية.. وسواء كانت المعارضة المحكومة برؤية «جبهة الإنقاذ» أو بحماسة «تكتل تمرد» أو أي مجموعات أخرى بما فيها فلول النظام السابق كما يتردد ويقال هذه الأيام. مسؤولية المعارضة لذلك أقول: إن المعارضة بكل فصائلها وأجنحتها تدرك جيدا أن القوات المسلحة سوف لن تسمح بإسقاط النظام.. وبالذات في ظل غياب البديل الجاهز.. وقد قالت هذا صراحة في بيانها.. عندما أكدت منذ بضعة أيام على أنها لن تسمح بانزلاق الشارع إلى مهاوي الموت والاقتتال.. ليس فقط بمنع الصدام بين الشارع الإخواني وبين الشارع الليبرالي المعارض هذا اليوم.. وإنما بمنع التجاوز أيضا على مؤسسات الدولة الرسمية لأنها ترمز إلى هيبة النظام وفي مقدمتها مقر رئيس الدولة «الاتحادية» أيضا.. حيث تشهد الحشود القادمة من مختلف أنحاء العاصمة المصرية في محاولة للضغط على النظام ودفع الرئيس إلى الاستقالة ومغادرة السلطة. تدرك هذا المعارضة بنخبها وتشكيلاتها المختلفة كما تدركه كل المجموعات الأخرى التي تقف من النظام موقفا سلبيا ولكنها تخاف على مصر من الانهيار أكثر فأكثر.. استمرار النظام بعد اليوم كما قلت منذ البداية فإن الحشد الجماهيري اليوم سواء من قبل السلطة أو المعارضة وإن كان مخيفا حقا.. إلا أنه لن يؤدي كما أتوقع إلى إسقاط مرسي.. وبالتالي فإن نظام الحكم سوف يستمر لسنة قادمة وربما حتى نهاية الفترة المتبقية له بعد 3 سنوات حتى وإن سقط بعض الضحايا أكثر مما سقط يوم الجمعة.. وحتى وإن زادت عملية الاحتقان الداخلية.. للأسباب التالية: أولا: لأن المعارضة لا تملك أدوات ووسائل الحسم الكافية لصراعها مع السلطة للأسباب السالف ذكرها. ثانيا: لأن الإخوان المسلمين مازالوا الأفضل تنظيما في الشارع المصري مستفيدين من الحالة الاقتصادية المتدهورة ومن قدرتهم على تجييش مئات الآلاف من الجياع لصالحهم.. جنبا إلى جنب قدرتهم على الاستقطاب الديني الواسع في الشارع المصري. وثالثا : لأن «العسكر » يملكون القدرة على تجنيب مصر سقوط ضحايا بأعداد كبيرة .. وبالتالي فإنهم وليست المؤسسة الأمنية فقط سيباشرون مهمة الفصل بين الخصوم .. والحد من الاحتكاك .. وقد يقومون أيضا بدور فاعل في المساعي السياسية مع كافة الأطراف لتهدئة الشارع وتهيئة ظروف مستقبلية أفضل بين فريقي الصراع. سيناريوهات المستقبل وذلك وإن كان يطمئننا كثيرا.. إلى أن مصر لن تشهد تطورات دراماتيكية حادة اليوم أو خلال الأيام القادمة.. إلا أنه يجعلنا نستقرئ المستقبل القريب.. ونتصور خارطة ما قد يحدث خلال السنة الثانية من حكم الإخوان.. أو في ضوء التصور.. بأن السنة القادمة ستكون سنة حسم حقيقية.. لدخول مصر أحد (3) خيارات صعبة هي: السيناريو الأول: إصلاح الإخوان لأخطائهم في الحكم وممارسة السلطة التي وقعت خلال السنة الأولى.. وتركيزهم على مصلحة مصر العليا وخروجهم من شرنقة حكم حزب الأغلبية لأن الثقافة المصرية.. غير الثقافة البريطانية أو الفرنسية أو الألمانية أو الأمريكية التي تحترم الأغلبية.. وتمكنها من الحكم.. كما أن الأغلبية فيها حينما تحكم فإنها تحكم بمنطق الدولة وفكر النظام الواحد.. وليس بمنطق الحزب أو الأغلبية أو الجماعة. وفي هذه الحالة اقترابهم من بقية فئات الشعب واللجوء حقيقة إلى حكم المؤسسات والتمثيل المتكافئ والمتوازن للجميع في السلطة. السيناريو الثاني: استسلام المعارضة وامتثالها للأمر الواقع.. وتوجهها نحو تعبئة قدراتها وإمكاناتها لصالح الفترة الانتخابية القادمة بعد (3) سنوات كسبا للوقت وتنظيما للعمل في الشارع.. وبلورة الاستراتيجية المقنعة للشعب بأن لدى المعارضة ما تقدمه له في حالة تسلمها السلطة في المرحلة القادمة. وليس شرطا أن يكون استسلامها بالانسحاب أو بالتخلي عن مواقفها وتوجهاتها وسياساتها.. وإنما بالمشاركة الفاعلة في السلطة والعمل والمعارضة من داخل النظام وكسب مواقع.. وخبرات.. وقوى مؤثرة.. بدل استمرارها في سياسة الرفض والنأي بالنفس.. والاعتماد فقط على الآلة الإعلامية. وإما أن تفلت الأمور في السيناريو الثالث وتقترب الأوضاع من حالة الانفجار.. وتصبح مصر في خطر حقيقي.. ويجد العسكر أنفسهم أمام خيار وحيد هو.. الإمساك بزمام السلطة بما يشبه الانقلاب الأبيض.. سواء كان هذا بإرادة عسكرية بحتة تفرضها مصلحة مصر.. على أن تكون فترة حكمهم محددة ومؤقتة وقصيرة للغاية ومطمئنة وغير مقلقة للشعب أو مستفزة لقوى التغيير الديمقراطي والمؤسسي في الداخل والخارج.. أو كان ذلك بالاتفاق مع الحزب الحاكم «الإخوان المسلمين» وعلى رأسهم الرئيس محمد مرسي وكذلك مع رموز المعارضة مقابل أن يتم الالتزام بالنقاط التالية: 1) أن لا تتجاوز المرحلة الانتقالية وعمر الحكم العسكري عاما واحدا من تاريخه. 2) أن يتم الإعداد خلال نفس المدة لمراجعة الدستور المختلف عليه بمشاركة جميع الأطراف.. على أسس منهجية ومهنية وعلمية صحيحة وبعيدا عن التسييس أو التوظيف للنصوص في المرحلة القادمة لصالح طرف أو تيار أو قوة مهما كان دورها في الشارع أو دورها في السلطة بما فيها سلطة رئيس الجمهورية وبعيدا عن «التفصيل» أو الملاءمة.. أو التوظيف لخدمة أي قوة.. أو فئة.. أو تكتل. 3) أن تتشكل مؤسسات الدولة على نفس الأسس الجديدة.. وانطلاقا من حقوق المواطنة المتساوية وبما يكرس العدالة.. ويحقق مصالح الجميع. 4) أن يتم الإعداد الجيد لانتخابات جديدة.. يقبل نتائجها الجميع ولا يقفون منها مواقف سلبية في المستقبل.. ويشاركون في تحمل أعباء سلطتها التنفيذية وفقا لنفس المعايير التي تم تطبيقها في حالة إعادة صياغة الدستور وإقامة المؤسسات البرلمانية الوطنية بعيدا عن المحاصصة الحزبية. الخيار الأفضل ** وأنا وإن كنت أتمنى أن يتم تطبيق السيناريو الأول والثاني بتوافق تام بين جميع الأطراف المتصارعة بما فيها طرف القضاء الذي يشعر المنتسبون إليه بكثير من المرارة لما لحق بهم من إساءات.. وتكون لهم كلمتهم الفاصلة في بلورة الصيغة المقبولة في المرحلة القادمة.. إن كنت أتمنى ذلك.. إلا أنني أعتقد أن مصر متجهة رغما عنها إلى «السيناريو الثالث» لا سيما إذا بالغت الأطراف المتصارعة في التمسك بآرائها ومواقفها وممارساتها وتصرفاتها التي شهدتها الساحة خلال العام الماضي. الاحتمال الأسوأ لكن احتمال وقوع خيار أسوأ من ذلك يظل واردا.. حين يرفض طرفا الصراع فكرة تسلم العسكر للسلطة بهدوء ودون إراقة دماء ولمدة محددة.. وعندها يضطر الجيش إلى إعلان حالة الطوارئ العامة.. وإلغاء جميع الأنظمة ومؤسسات الحكم القائمة وتشكيل مجلس حكم عسكري جديد. ردود الفعل على حكم العسكر وفي هذه الحالة غير المأمونة فإن الاحتمال الأقوى والأكبر هو نزول «الإخوان المسلمين» بقوة إلى الشارع لرفض الحكم العسكري ونشر الفوضى في مختلف أرجاء البلاد وعدم تمكين السلطة العسكرية من السيطرة على الوضع مستفيدة من عدم رغبة القوات المسلحة المصرية أصلا في الدخول في مواجهة مع الشعب لأنها لم تقم بالتصدي للمهمة إلا من أجله. كما أن التيارات الأخرى المعارضة لحكم الإخوان ستجد نفسها ولأول مرة في حالة اصطفاف مع الإخوان بمواجهة الحكم العسكري.. وإن كانت بدرجة أقل.. لأن المعارضة وإن كانت مع أي نظام يكفل الحريات.. إلا أنها من حيث المبدأ ليست ضد أي قوة تزيح الإخوان من سدة السلطة كمطلب أساسي.. وبعد ذلك يتم النظر في الوضع الجديد أو كيفية التعامل معه أو الاستفادة منه. أي أن المعارضة وإن كانت ضد حكم العسكر.. إلا أنها قبل ذلك وبعده يمكن أن تقبل به بديلا عن حكم الإخوان. خطر حقيقي ومدمر مصر إذن هذا اليوم أمام مفترق تاريخي خطير.. لن تتجاوزه إلا في حالة واحدة هي: قناعة جميع الأطراف بأن ما يحدث لا يخدم بلادهم وأن الإخوان.. والمعارضة.. سيتحملون معا نتائج أي مصير تتجه إليه مصر.. وأن الجميع دون استثناء سيدفعون الثمن غاليا. لأن إدارة شؤون البلاد لا يجب أن تتم بالصورة التي تجري بها الآن.. سواء في الداخل.. أو مع الإخوة والأشقاء والشركاء في الإقليم أو العالم. كما أن دفع البلاد إلى حالة الانفجار كما تفعل قوى المعارضة لمجرد التخلص من حكم الحزب الواحد يمثل هو الآخر خطرا أكبر.. لأن الإخوان لم يأتوا إلى السلطة اعتسافا وإنما جاءوا عبر قنوات دستورية طبيعية.. وإن أخطأوا في ممارسة السلطة. وما دام أن الطرفين على خطأ.. وأن هناك قوات مسلحة تستطيع أن تنأى بنفسها عن الجميع وأن تضع مصر ومستقبل مصر نصب عينها.. فإن عليهما إما أن يتفقا على نقاط مشتركة للتعاون والتفاهم وحكم البلاد.. وإما أن يتركوا السلطة والانشغال بها.. وتدمير البنية التحتية للدولة المصرية لمن يستطيع أن يخرج بها إلى بر الأمان.. حتى وإن كان هذا المنقذ هو «العسكر». فنحن مع مصر قوية.. ومصر مستقرة.. ومصر آمنة.. ومصر منتجة.. سواء حكمها الإخوان أو العسكر أو الليبراليون.. وسواء تم هذا اليوم.. أو بعد ثلاث سنوات من الآن.. لكن أحدا لا يمكنه أن يرتاح للوضع في «مصر الكنانة» بعد اليوم.. لا سيما إذا فقد أحد الأطراف صوابه وتصرف بصورة غير مسؤولة.