يحرص سعيد عبدالهادي على جمع أبنائه وأحفاده على مائدة الإفطار طيلة أيام الشهر الكريم، إذ يطلب منهم أن يشاركوه وأمهم تناول الفطور ويشدد على ذلك، فيحضر كل واحد منهم وجبة أعدها في منزله، كما أن «ست الحبايب» تجهز العديد من أصناف الطعام بمشاركة بناتها المتزوجات اللائي يحرصن على الذهاب إلى «البيت الكبير» بعد صلاة العصر، فتقضي الأسرة أجواء حميمة روحانية، لا يعيشونها إلا في شهر الصوم. ويمثل عبدالهادي نموذجا لشريحة واسعة في المجتمع، تحرص على جمع أبنائها مهما كبروا وانشغلوا بهموم الحياة، على مائدة واحدة، لتعزيز الروابط فيما بينهم، وإزالة أي خلاف قد يحدث بينهم، مستغلين روحانية الشهر الكريم، لتحقيق تلك الأهداف النبيلة. وقال عبدالهادي: «يظل أبنائي صغارا في نظري مهما كبروا، وتبوأوا مناصب مرموقة في المجتمع، ولا أتساهل مع أي أحد منهم لا يتناول وجبة الأفطار معنا هو وجميع أبنائه، إلا إن مر بظروف مقنعة تمنعه من الحضور، مثل انشغاله بالعمل، وغيرها»، مبينا أنه وأمهم يعيشان أجواء حميمة مع أبنائهما وأحفادهما تعيدهما عشرات السنين إلى الوراء، حين كان الأبناء صغارا وكانوا يلتفون حولهما. بينما يفضل البعض الإفطار في منزل الوالد خلال الإجازة الأسبوعية، وبداية أيام الشهر الفضيل، مثل نجاة الحمامي (أم محمد) التي تؤكد أنها تفضل تناول الإفطار في اليوم الأول في منزل والدها برفقة زوجها وأطفالها، موضحة أنهم يعيشون أجواء آسرة يتجاذبون فيها أطراف الحديث وتنظيم مسابقة لقراءة القرآن الكريم، معتبرة الشهر الفضيل فرصة لنيل رضا الوالدين، وخصوصا عند وقت أذان المغرب. وبينت الحمامي أن الجميع يتشارك لإعداد مائدة الإفطار من خلال تحضير الأطباق بالتنسيق فيما بينهم. أما السبعينية أم ضرار التي لها خمسة أبناء وأكثر من 30 حفيدا، فتشترط على أبنائها تمضية أول يوم من الشهر الفضيل في منزلها لرؤية كل أفراد عائلتها، لتهنأ بوجودهم، كون حالتها الصحية لا تسمح لها بمغادرة المنزل. وأصبح ذلك مع مرور الأيام طقسا عائليا، يمضي الأبناء والأحفاد أول يوم برفقتها، كما أنه في كل يوم تزورها عائلة من أبنائها وأحفادها، ليتناولوا معها طعام الإفطار ويستمتعوا بحكاياتها المرتبطة بهذا الشهر. في حين، رأت مريم علي التي لديها ثلاثة أبناء، أكبرهم في العاشرة من عمره، أن تمضية الوقت في منزل جدتها في رمضان أشبه برحلة تاريخية، وبأنها تمثل رمضان بمعانيه الجميلة الدافئة، التي تعني لم الشمل والمحبة والتخلص من الأضغان والتسامح، إلى جانب مساعدة بعضهم بعضا وصلة القربى. إلى ذلك، اعتبر الشيخ إبراهيم الردة اجتماع الأسرة لتناول وجبة الإفطار سويا عرفا إيجابيا، ويدخل في دائرة الخطاب القرآني العام، مبينا أن صلة الرحم لا يجب أن تقتصر على رمضان فقط. بينما رأى الاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي أن تناول الإفطار مع الوالدين فيه رد جميل لكبار العائلة الذين حرصوا على غرس هذه العادة في الأبناء، إلى جانب أنه فرصة لتجمع ثلاثة أجيال بدءا من الأجداد، ووصولا إلى الأحفاد، وهذه لحظات تاريخية لكل عائلة.