يزداد الشعور بألفة الأسرة ودفئها في شهر رمضان المبارك من خلال اجتماعها في ساعات الإفطار والسحور والتمتع بالأجواء العائلية الحميمة, إلاّ أن ثمة من يقضي شهر رمضان بعيداً عن أهله وأصدقائه؛ إما بسبب السفر أو العمل أو ظروف أفقدته تجمع الأهل خلال الشهر الكريم. وكما أن العيش وحيداً بعيداً عن الأهل والأقارب يبدو في مجمله أمراً مرهقاً وصعباً حين يتأجج الشعور بالوحدة والإحساس بالغربة عن الأهل، إلاّ أن هذا الشعور يتضاعف خلال شهر رمضان الذي لا تكتمل فرحته إلا بالأجواء الأسرية والعائلية. ويصف "إبراهيم القحطاني" أول يوم من صيامه بعيداً عن أهله بأنه كان يوماً طويلاً وصعباً جداً, فهو يقصد المطاعم الشعبية المعروفة والتي تقدم إفطاراً تقليدياً اعتاده عندما كان بين أهله، كما يحرص على توفر شاشات بلازما حتى يتمكن من متابعة المسلسلات وبرامج الكوميديا، ومن المهم أن يحتضن المطعم أكبر عدد من الزبائن الأمر الذي يخفف من لوعة الشعور بالوحدة ومرارة الفراق عن الأهل والأصدقاء. وقال:"إن ساعة الإفطار والسحور وصلاة التراويح هي التي تشعرني بمرارة الغربة عن أهلي، حيث كنت أمضي هذه الساعات في كنفهم، وندعو قبيل الآذان ونصلي مع الأقارب والأصدقاء في المسجد، ونسهر سوياً أمام التلفاز والبرامج الكوميدية، ونتجاذب أطراف الحديث ونتسامر بروحانية تامة, أما الآن فأنا أحرص أشد الحرص على ألا أنام بعد صلاة التراويح بعد أن فاتني السحور أول يوم من رمضان، وكنت حينها لم أتناول شيئاً سوى وجبة الإفطار". ويحرص "صالح الشريف" على أن يعد مائدة الإفطار بنفسه بعد أن اعتاد على الإفطار بمفرده للسنة الثالثة على التوالي, ويقول:"أحاول أن أكسر الشعور بالغربة من خلال إعداد الوجبات الرمضانية التي تعودت على وجودها في مائدة الإفطار منذ صغري؛ لذا اعتمدت على نفسي في إعداد الطعام بمفردي وشراء الحاجيات البسيطة التي لا تؤثر على ميزانيتي". ولا ينكر "صالح" أنه يشعر بمرارة الوحدة كثيراً -خصوصاً وأنه يعيش بمفرده ودون أصدقائه- لكنه عوّد نفسه على هذه الظروف التي تزداد صعوبة في شهر رمضان، حيث لا تكتمل فرحته إلاّ مع الأهل أو حتى الأصدقاء الذي يهونون قليلاً من مشاعر الوحدة في ليالي الشهر الفضيل. ولا تقتصر مشاعر الوحدة في رمضان على الرجال, فهذه "سارة الغفيلي" تقطن في مدينة بعيدة عن أهلها برفقة زوجها الذي يقضي أغلب يومه في العمل، حيث تضطر أحياناً لتناول إفطارها بمفردها لتقاسي المزيد من هموم الوحدة ووحشة الأهل، خصوصاً خلال شهر رمضان عندما كانت تحرص على إعداد كل الأصناف التي تحبها أسرتها. وتقول سارة "أحاول أن أتقبل الوضع وأستغل الوقت بقراءة القرآن والأذكار وإعداد الأطباق الخفيفة, فقد انتقلنا إلى مدينة نائية بعيدة عن أهلي قبل دخول رمضان بأيام، ولم يكن هناك وقت كاف للتعرف على الجيران وتكوين علاقات وصداقات, كما أن طبيعة عمل زوجي تحتم عليه الإفطار في مكان العمل الأمر الذي يزيد من صعوبة استشعار الأجواء الرمضانية والحنين لأيام مضت كنا بين أسرتنا وأقربائنا نجتمع ونتشارك الطعام والدعاء والصلاة في المسجد. أما "حامد السبيعي" فهو يعد أحسن حالاً من غيره, كونه يتلقى الدعوات من الأصدقاء وزملاء العمل يومياً لتناول وجبتي الفطور والسحور، مما يخفف عنه الكثير من عناء التفكير بمشاعر الوحدة وفراق الأهل, حيث اعتاد "حامد" على قبول الدعوات في شهر رمضان أو غيره، وإن كان يحرص على ذلك خلال هذا الشهر بالتحديد ليتفادى قدر الإمكان الشعور بمرارة الوحدة والحنين للأهل والتفكير الذي يؤرقه طيلة الشهر.